تم الحفظ في الذاكرة المؤقتة...
القناة التجارية الإيرانية - الروسية.. تقارب في المصالح السياسية والإقتصادية
يمثل التعاون التجاري بين إيران وروسيا وسيلة حاسمة للإلتفاف على العقوبات الغربية وتنشيط اقتصاداتهما، ومنصة لكلا البلدين لزيادة تعاونهما الدفاعي والاقتصادي وتعزيز العلاقات الاستراتيجية القائمة بينهما.
هكذا يخلص تحليل موقع "مودرن دبلوماسي" الأمريكي حول تعاون طهران وموسكو لإنشاء قناة تجارية جديدة كوسيلة للتحايل على القيود الحالية من المتوقع أن تمتد من المحيط الشرقي لأوروبا، أي أوكرانيا، إلى المحيط الهندي، بما في ذلك مسافة حوالي 3000 كيلومتر.
وتستثمر كلا الدولتين مبالغ كبيرة من رأس المال في بناء البنية التحتية للطرق البحرية وسكك الحديد على طول المسار المحدد.
ويهدف هذا التطور إلى تسهيل دخول الشركات الروسية إلى أسواق مثل إيران والهند وآسيا والشرق الأوسط. ومن المتوقع أن يتم توسيع شبكات البحر والأنهار وسكك الحديد لربط المراكز الإيرانية الواقعة على بحر قزوين، وتمتد في النهاية إلى المحيط الهندي.
الدوافع والأهداف
ووفق التحليل، فان هناك العديد من الدوافع والأهداف الإيرانية-الروسية، والتي بدورها لها أهمية جيوسياسية كبيرة، تقف وراء إنشاء هذا الطريق التجاري، أبرزها مواجهة الدولتين عقوبات.
تناقش السلطات الإيرانية بشكل متكرر تحويل إنتباهها نحو الشرق، في حين أعطت الحكومة الروسية الأولوية لهذه الخطوة الاستراتيجية لإقامة علاقات أوثق مع جيرانها والمنطقة الآسيوية.
والتزمت الحكومة الروسية بتخصيص إستثمار كبير بقيمة 6/1 مليار يورو لتطوير خط سكك الحديد، مع جدول زمني متوقع للإنجاز يبلغ 48 شهراً. واتفقت طهران وموسكو على التعاون في تقديم الدعم المالي لتصميم المنتجات والخدمات وتطويرها وشرائها.
ويعمل ممر النقل الدولي بين الشمال والجنوب كحلقة وصل مهمة بين روسيا والدول الواقعة في حوض بحر قزوين والخليج الفارسي ووسط وجنوب شرق آسيا. ويضيف التحليل: "كما أن هناك عدة أسباب محتملة أخرى وراء قيام إيران وروسيا ببناء طريق تجاري عابر للقارات يربط الطرف الشرقي لأوروبا بالمحيط الهندي، حيث تريد كلتا الدولتين تحدي العقوبات الغربية وإنشاء سلاسل إمداد مقاومة للعقوبات".
الحفاظ على السيادة
ومن خلال بناء طريق تجاري بعيد عن متناول أي تدخل أجنبي، يمكن للبلدين الحفاظ على سيادتهما الاقتصادية والسياسية. كما يريد كلا البلدين، وفق التحليل ذاته، إلى تنويع الأسواق وزيادة تجارتهما مع الدول الآسيوية مثل الصين والهند والشرق الأوسط.
وسيسمح لهم الطريق التجاري الجديد بقطع آلاف الكيلومترات عن الطرق الحالية وتقليل تكاليف النقل والوقت. كما ستوفر لهم فرصاً جديدة لتصدير موارد الطاقة والمنتجات الزراعية والسلع المصنعة إلى الدول الآسيوية واستيراد التكنولوجيا والسلع الاستهلاكية والاستثمار منها.
تعزيز الشراكة الاستراتيجية
ومن بين الأهداف أيضاً، هو سعي الدولتين لتعزيز شراكتهما الاستراتيجية وتأثيرهما الإقليمي، حيث أن لديهما نظرة عالمية مماثلة تعارض الولايات المتحدة والنظام الدولي الليبرالي وتدعم التعددية القطبية.
أما من المنظور الاقتصادي، فان التغيير الروسي مدفوع في الغالب بالحاجة، حيث تسعى موسكو للبحث عن محط قدم في المنطقة الشرقية، لا سيما في الصين، كوسيلة لمواجهة المساعي الغربية الهادفة إلى عزل روسيا وتحدي العقوبات التي يفرضها الغرب، وفق تحليل "مودرن دبلوماسي".
وأدركت إيران وروسيا أن الممر البري يمثل المزيد من التحديات للمراقبة والرصد الغربيين مقارنة بالطرق البحرية، وبالتالي فان هذا الممر يوفر للبلدين وسيلة لنقل الأسلحة والسلع بين بعضهما البعض، وإلى الأسواق الأخرى مع تقليل تأثير العقوبات.
علاوة على ذلك، تتحدى الحكومات الإيرانية والروسية والصينية النظام الغربي وتسعى بنشاط لإدخال تعديلات على القواعد والأعراف الحالية.
في الوقت نفسه، تضع إيران نفسها استراتيجياً بين روسيا والصين بطريقة محسوبة لتخفيف الضغوط الغربية، وتسعى لإجبارها على الامتثال للإتفاقية النووية الجديدة. كما تريد إيران هذا الطريق التجاري لحماية الروابط والممرات التجارية من النفوذ والتدخل الغربيين أثناء إنشاء البنية التحتية الاقتصادية التي تسهل الربط بين اقتصادات آسيا وآسيا الوسطى، مع تولي روسيا والصين أدواراً مركزية.
ونظراً لقربها الجغرافي وعلاقاتها المتأصلة مع العديد من الاقتصادات، تستعد إيران للعب دور حاسم في إنشاء شبكات وروابط تجارية جديدة.
ممر مستقل
أما من المنظور جيوسياسي، فيقول التحليل: "يساهم هذا المسار في تحقيق هذا الهدف من خلال إنشاء ممر مستقل عن المنطقة الغربية، ويربط بشكل فعال آسيا وآسيا الوسطى".
ويشكل المثلث الإيراني - الروسي - الصيني، على الرغم من طبيعته المعقدة، خطراً كبيراً على المصالح الغربية في الشرق الأوسط وآسيا وآسيا الوسطى، مما يجعله محوراً محفوفاً بالمخاطر بالنسبة للغرب. ومن شأن مثل هذه التطورات أن تتحدى النظام الغربي القائم وأطره القائمة.
وعلاوة على ذلك، فان إنشاء هذا الممر سيعمل على تعزيز العلاقات الثنائية بين إيران وروسيا، حيث يجد كلا البلدين نفسيهما يعتمدان على بعضهما البعض لأسباب عديدة، لاسيما في مجال مواجهة تحديات العزلة الدولية.
واستناداً إلى المسار الحالي للتفاعلات الدبلوماسية، من المحتمل أن تواجه المساعي الإقليمية والدولية الهادفة إلى التعامل مع إيران عقبات كبيرة بسبب دعم روسيا لطهران في الساحات العالمية.
علاوة على ذلك، تعتبر روسيا إيران جزءاً لا يتجزأ من مشهدها الجيوسياسي، وبالتالي فمن المتوقع أن يكون لأي إجراءات ضارة ضد طهران عواقب وخيمة على الطموحات الجيوسياسية لروسيا.
وأمام ذلك، وفق التحليل، فان هناك بعض التحديات المحتملة التي قد تواجهها إيران وروسيا أثناء بناء هذا الطريق التجاري العابر للقارات، حيث يمر طريق التجارة عبر بعض المناطق الأكثر تقلباً والمعرضة للصراع في العالم، مثل القوقاز وآسيا الوسطى والشرق الأوسط.
ويمكن أن يصبح طريق التجارة أيضاً هدفاً للتخريب أو الهجوم من قبل الجهات المعادية التي تعارض مصالح إيران وروسيا؛ بالإضافة إلى ذلك، يتنافس الطريق التجاري مع ممرات راسخة أو نامية أخرى تربط بين أوروبا وآسيا، مثل مبادرة الحزام والطريق الصينية، وممر النقل الدولي بين الشمال والجنوب في الهند، ودعم تركيا وجمهورية أذربيجان لطريق النقل الدولي عبر قزوين.
وتوفر هذه الممرات خيارات بديلة أو تكميلية للتجارة والعبور يمكن أن تقوض جاذبية أو جدوى المسار الإيراني-الروسي.
إنعدام الثقة
ويشير التحليل إلى أنه "يمكن أن يؤثر هذا الطريق التجاري على العلاقات بين روسيا وأوروبا في حالة حدوث مزيد من المواجهة". ويضيف: "قد يؤدي طريق التجارة إلى زيادة التوترات وانعدام الثقة بين روسيا وأوروبا، لاسيما في سياق الأزمة المستمرة في أوكرانيا ". ويتابع: "يمكن أن ينظر إلى طريق التجارة على أنه تحد أو تهديد لمصالح وقيم أوروبا، فضلاً عن تحالفاتها مع الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي، كما قد تفرض أوروبا المزيد من العقوبات على إيران وروسيا أو حتى القيام بعمل عسكري لتعطيل أو إغلاق طريق التجارة".
ويزيد التحليل: "قد يؤدي ذلك إلى دوامة التصعيد والصراع في المنطقة، مع زيادة المنافسة بين روسيا وأوروبا على النفوذ والأسواق في أوراسيا".
ويختتم: "يمكن أن يؤدي المسار التجاري أيضاً إلى حدوث انقسامات أو تنافسات بين الدول أو المناطق الأوروبية، اعتماداً على مستوى اعتمادها على روسيا أو إيران أو مشاركتها معها".