الصفحات
  • الصفحه الاولي
  • محلیات
  • اقتصاد
  • دولیات
  • الثقاقه و المجتمع
  • مقالات و المقابلات
  • الریاضه و السیاحه
  • عربیات
  • منوعات
العدد سبعة آلاف وثلاثمائة وسبعة - ١٤ أغسطس ٢٠٢٣
صحیفة ایران الدولیة الوفاق - العدد سبعة آلاف وثلاثمائة وسبعة - ١٤ أغسطس ٢٠٢٣ - الصفحة ۸

سوريا والآفاق الاقتصادية المغلقة

أحمد الدرزي
كاتب ومحلل اقتصادي
بنى السوريون آمالاً كبيرة بعد الانفتاح العربي على سوريا، وعودتها إلى الجامعة العربية، وكان من المفترض أن يشهدوا بداية خروجهم من الكارثة الاقتصادية، إثر اجتماع قمة الجامعة العربية في جدة، وخاصةً بعد المعلومات المتداولة عن الوصول إلى اتفاق إعادة الإعمار في ريف دمشق بدايةً، وفتح مصارف خاصة بدول الخليج الفارسي، ليتبيّن في ما بعد أن الاتفاق كان أقرب إلى الوعود المشروطة بخطوات البدء بحل سياسي، وفق قرار مجلس الأمن الدولي 2254. ولم تنجح المحاولات السورية في الضغط على الدول العربية، بعد توقيع الاتفاقيات الاقتصادية مع إيران، إثر زيارة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي إلى دمشق، ومعه وفد رسمي هو الأضخم في العلاقات بين البلدين، على الرغم من المصاعب الاقتصادية التي تعاني منها إيران، فكان التشدد العربي واضحاً تجاه سوريا بعد قمة جدة، ومن خلفه التشدد الأميركي لممارسة المزيد من الضغوط الاقتصادية على السوريين، ما أدَّى إلى انهيار متسارع للعملة الوطنية السورية أمام الدولار الأميركي، مع موقف واضح لربط الانفتاح الاقتصادي والسياسي بمجموعة من الخطوات العملية على الأرض، التي تحدد حجم المساعدة العربية.
لعب فشل رهانات عودة العلاقات السعودية-الإيرانية، دوراً مهماً في تجميد الانفتاح العربي، بعد أن كانت الرياض تُعوّل على قطف ثمار العودة في اليمن أولاً، بضغط طهران على حلفائها أنصار الله، لكن طهران "خيبت آمال" السعودية، بعد أن دعت الرياض للتفاهم مع صنعاء مباشرةً بما يحقق مصالحهما بشكل متوازن، فكانت المفاجأة أن الموقف الإيراني هو الفصل بين الملفات، ومسؤولية أهل اليمن عن مفاوضاتهم من غير ضغوط، ما انعكس على الموقف من سوريا أيضاً.
وليست روسيا ببعيدة عن الضغوط الاقتصادية، وهي التي لعبت دوراً إيجابياً في عودة العلاقات العربية مع سوريا، بحكم علاقاتها الإيجابية المتنامية مع كل من السعودية والإمارات، بالإضافة إلى إيران وتركيا، وهي التي تنظر إلى سوريا من خلال صراعها الوجودي مع الولايات المتحدة، وتعمل مع الصين لبناء نظام إقليمي جديد في غرب آسيا، لا تملك فيه الولايات المتحدة القرار المتحكم بمساراته السياسية والاقتصادية، وهي تعدّ إنقاذ سوريا وشعبها أولوية، وذلك لا يمكن أن يتم إلا في إطار بناء نظام إقليمي جديد، يرتكز إلى الدول الراعية لملتقى أستانا، بالإضافة إلى السعودية والإمارات.
والصين بدورها ابتعدت عن تقديم المساعدات الاقتصادية الفاعلة، وهي التي تبنّت من البداية، وفقاً لسياستها العامة، عدم الدخول بأي استثمارات اقتصادية في المناطق الفاقدة لأمنها واستقرارها، وهي على الرغم من دعمها السياسي الكبير لسوريا في مجلس الأمن الدولي، بالتوافق مع روسيا، فإنها نأت بنفسها عن الاستثمار في المشاريع الاقتصادية، لغياب التشريعات الاقتصادية المحفزة والمُسهلة للاستثمار، ولغياب بيئة العمل الاقتصادي الطبيعي، وقد دفعتها العوامل الثلاثة السابقة إلى تغيير مخطط مسار طريق الحرير التاريخي، بعبوره من العراق بتفرعين لا يمرّان من سوريا، الأول إلى تركيا ثم أوروبا، والثاني إلى الأردن ثم شمال أفريقيا.
ويشكل العراق أحد المخارج المحدودة للمساعدة الاقتصادية لسوريا، وخاصةً بعد زيارة رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني الأولى لدمشق، كما يشكل سوقاً اقتصادية استهلاكية مهمة لدول الجوار، وخاصةً تركيا وإيران، وهو يستطيع أن يؤمن سوقاً للإنتاج الزراعي والصناعي السوري، بما يمكن أن يؤمن موارد مالية، تقدر بحدود 3 مليارات دولار، عدا التفاهمات حول تفعيل نقل النفط العراقي إلى شرق المتوسط، وسكك الحديد للنقل البري، ولكن هذا الأمر هو أقرب إلى التمنيات، بفعل العامل الأميركي المانع لاجتماع سوريا والعراق من جهة، ولو بالحدود الدنيا، أو لعدم وجود بنية اقتصادية سورية، قادرة على منافسة البنى الإنتاجية لكل من تركيا وإيران، عدا عن القوى الاقتصادية العالمية.
هذا ويلعب الداخل السوري دوراً أساسياً في إغلاق الخيارات الاقتصادية، خاصةً بعد الفشل في تحويل التهديدات إلى فرص، أسوةً بالكثير من الدول، التي استطاعت أن تحول العقوبات الاقتصادية الأميركية عليها إلى فرصة للتنمية الاقتصادية والعلمية والسياسية، وهو بوضعه الحالي الذي غابت فيه القوى الاقتصادية الطبيعية عن المشهد الاقتصادي بالهجرة، مع هجرة رؤوس الأموال والخبرات المتراكمة، بما يفاقم الوضع المعيشي الضاغط على السوريين، مع الاستمرار بالمزيد من النزيف للموارد البشرية. وعلى الرغم من سوداوية اللوحة الاقتصادية السورية، وإغلاق كل أبواب التخفيف عن السوريين، فإن الكثير من الإجراءات القانونية والاقتصادية الداخلية، يمكنها أن تساهم بجزء لا يستهان به، في حل الكارثة الاقتصادية، بانتظار التوافق الداخلي السوري، الذي لا بد منه للتوافق الإقليمي والدولي.

 

البحث
الأرشيف التاريخي