حرمة قتل النفس في جميع الشرائع السماوية
حرمة النفس والعرض والمال من الأمور التي شدّد الدين الإسلامي عليها كثيراً، واعتبر أنّ الاعتداء عليها من المحرّمات المؤكّدة ومن الذنوب الكبيرة التي يستحق مرتكبها عقوبة دنيوية وأخروية. وقال تعالى: ﴿وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاَّ بِالحَقِّ﴾، حيث تتضمّن نهياً عن قتل النفس المحترمة إلا بالحق أي إلا أن يكون قتلاً بالحق، بأن يستحقّ ذلك لقود أو ردّة أو لغير ذلك من الأسباب الشرعية. ولعل في توصيف النفس بقوله: حرّم الله من غير تقييد إشارة إلى حرمة قتل النفس في جميع الشرائع السماوية فيكون من الشرائع العامة.
فإذا تسلّط الأشرار على الأنفس والأعراض والأموال، هُتكت الحرمات والمقدّسات، وعمّ فساد الأخلاق، وضعفت العلاقات الاجتماعية، وتفكّك كيان الأسرة التي هي نقطة البدء في إصلاح الجيل الناشئ والحفاظ على سلامته الروحية، وحينئذٍ سيفتقد الأمان والاستقرار والطمأنينة.
النهي عن القتل
ورد العديد من الآيات القرآنيّة التي تشير إلى حرمة القتل نورد بعضاً منها:
1- ﴿وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاَّ بِالحَقِّ وَمَن قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلاَ يُسْرِف فِّي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا﴾
إن الإسلام يحاسب على أقلِّ أذى ممكن أن يُلحقه الإنسانُ بالآخرين، فكيف بقضية القتل وإراقة الدماء؟! بالطبع هناك حالات ينتفي معها احترام دم الإنسان، كما لو قام بالقتل أو ما يوجب إنزال العقوبة به، لذلك فإنَّ الآية بعد أن تثبت حرمة الدم كأصل، تشير للاستثناء بالقول إلا بالحق.إنَّ حرمة دم الإنسان في الإسلام لا تختصُّ بالمسلمين وحسب، بل تشمل غير المسلمين أيضاً من غير المحاربين، والّذين يعيشون مع المسلمين عيشةً مسالمةً، فإنَّ دماءهم أيضاً وأعراضهم وأرواحهم مصونة ويحرم التجاوز عليها.
تشير الآية بعد ذلك إلى حق القصاص بالمثل لوليِّ القتيل فتقول:﴿وَمَن قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا﴾، ولكن في الوقت نفسه ينبغي لوليِّ المقتول أن يلتزم حدَّ الإعتدال ولا يسرف في القتل. إنَّ رعاية العدالة حتى في عقاب القاتل تعتبر مهمة إسلامية، لذلك نقرأ في وصيِّة الإمام علي (ع)، بعد أن اغتاله عبد الرحمن ابن ملجم المرادي قوله: "يا بني عبد المطلب، لا ألفينَّكم تخوضون دماء المسلمين، تقولون قُتل أمير المؤمنين، ألا لا تقتلُنَّ بي إلا قاتلي، أنظروا إذا أنا متُّ من ضربته هذه، فاضربوه، ضربة بضربة، ولا تمثلوا بالرجل".
2- ﴿... فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُواْ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ..﴾
المقاومة والتصدِّي هي الحياة
الإسلام وخلافاً للمسيحيَّة الكنسيَّة التي تقول: "إذا لطمك شخص على خدِّك الأيمن فأدر له الأيسر"، لا يقول بمثل هذا الحكم الّذي يبعث على جرأة المعتدي وتطاول الظالم، بل يقول: يجب التصدِّي للظالم والمعتدي، ويعطي الحق للمظلومين والمعتدى عليهم المقابلة بالمثل، فالاستسلام في منطق الإسلام يعني الموت، والمقاومة والتصدِّي هي الحياة، وهذا طبعاً لا يتعارض مع مسألة العفو والصفح عن الإخوان والأصدقاء.