المقاومة في وجه الطموحات والمخططات التوسُّعية الإسرائيلية
أيمن الرفاتي
کاتب ومحلل سیاسی
يحمل المشروع الصهيوني منذ بدايته على أرض فلسطين ملامح توسعية يرسمها علم الكيان الذي يقوم على عقيدة توراتية تحمل شعار "أرض إسرائيل" التي تمتد ما بين النهرين، وهذا الأمر لا يزال حاضراً في التفكير الصهيوني، رغم أن المقاومة استطاعت خلال العقود الثلاثة الماضية كبح جماحه وتقليصه، وأجبرت الكيان على تقليص المساحات التي يسيطر عليها، فيما أدت المعادلات الكبرى في لبنان وفي قطاع غزة إلى ردع محاولاته تصدير أزمته الداخلية إلى الخارج، وهو ما أسهم مؤخراً في تأجيج الصراع الداخلي.
تعدّ السياسات التوسُّعية أحد الحلول التي تبناها مؤسسو الكيان الصهيوني على مدار العقود الماضية لحالة الضعف الداخلي، فالحلم الصهيوني قائم بالأساس على السيطرة على جميع الأراضي الممتدة ما بين نهري النيل والفرات، والأفكار التي وضعها بن غوريون للكيان تتناول هذا الأمر للتعبير عن القوة التي ستتمتع بها "دولة" الكيان في البُعدين الجغرافي والسياسي، إذ أجاب عندما سئل عن حدود "إسرائيل" بالقول: "حدودها حيث يصل حذاء الجندي الإسرائيلي الأخير".
إنَّ العقيدة الصهيونية، "عقيدة إسرائيل الكبرى"، تنطلق من تفسير توراتي يزعم أن حدود الدولة الحديثة لبني إسرائيل تمتد من نهر النيل في مصر إلى نهر الفرات في سوريا والعراق، وهذه النصوص مُدوَّنة على مدخل "الكنيست" في لوحة جاء فيها: "ولمّا تجلى الرب على أبراهام، منحه الأرض المقدسة من النيل إلى الفرات". وفي المناهج الدراسية الإسرائيلية لا تزال تدرس مفاهيم نصوص واضحة حول "عقيدة إسرائيل الكبرى": "في ذلك اليوم، عقد الله ميثاقاً مع أبراهام قائلاً: سأعطي نسلك هذه الأرض، من وادي العريش إلى النهر الكبير، نهر الفرات".
كانت حالة التوسعية في العقود الأولى بعد تأسيس الكيان كبيرة جداً، إذ عمدت "إسرائيل" في العام 1967 إلى توسيع الأراضي التي تسيطر عليها باحتلال الجولان السوري وسيناء المصرية، وكانت المخططات نحو توسّعية أكبر وفق "عقيدة إسرائيل الكبرى" لكن حالة القتال من الجيوش العربية وبعدها نشوء حركات المقاومة "اللادولانية" وقراءة الكيان لقوته بشكل حقيقي دفعها إلى التراجع.
وعلى مدار عقود كانت "إسرائيل" تصدر أزماتها الداخلية إلى الخارج عبر حروب على جبهات مختلفة، الأمر الذي يؤدي بطبيعة الحال إلى تغير أجندة المجتمع الإسرائيلي لفترات طويلة بما يخلق حالة من الاستقرار الداخلي، لكن بعد العام 2006 وحرب "إسرائيل" الثانية على لبنان تغيرت المعادلات، فلم يعد بمقدورها نقل المعركة إلى الخارج، فيما قلبت المقاومة الفلسطينية في داخل فلسطين التاريخية المعادلة مع الإسرائيلي بعدما أصبح القتال على جبهتي غزة والضفة وداخل المدن المحتلة عام 1948.
إنَّ التوسعية الإسرائيلية هي السبب الرئيس في عدم تدوين حدود ثابتة لـ"دولة" الاحتلال في الأمم المتحدة، وهي التي دفعت الكيان إلى التعبير عن حدوده بثلاثة مستويات، الأول حدود جغرافية سيتم الاتفاق عليها مستقبلاً، والثاني حدود أمنية تصل إلى مياه العراق ونهر النيل، والثالث هو الحد الاقتصادي الأكبر والأوسع.
لقد أدركت قوى المقاومة في المنطقة النظرية الصهيونية التوسعية وعملت على مواجهتها، مستفيدة من التجربة الأميركية في مواجهة التوسعية السوفياتية خلال سنوات الحرب الباردة، عندما أنشأت حلف "الناتو" الذي طوّق الطموح التوسعي للاتحاد السوفياتي جغرافياً وسياسياً، وكان سبباً غير مباشر في الأزمة الداخلية للاتحاد التي سرعان ما أدت إلى تفككه.
بالنظرية والأسلوب نفسيهما، استطاعت المقاومة على مدار العقود الثلاثة الماضية تطويق الكيان من عدة أماكن، سواء في الشمال عبر حزب الله صاحب القوة الرادعة التي أجبرت الاحتلال على الانسحاب من جنوب لبنان عام 2000، وفي الجنوب أيضاً عبر المقاومة الفلسطينية التي أجبرته على الانسحاب من قطاع غزة في العام 2005 وتطور قدراتها بشكل متسارع، وأيضاً المقاومة.