شارع العودة:
المقاومة تفرض قواعدها عند حدود غزّة
مروه ناصر
كاتبة ومحللة استراتيجية
تسع سنوات مرّت على ما توصف بـ "أطول حرب" بين المقاومة الفلسطينية وكيان الاحتلال عام 2014. 51 يومًا متتاليًا من المواجهة كان جيش الاحتلال شاهدًا ومربكًا مّما نفذته الأجنحة العسكرية للفصائل، ومن بينها كتائب القسّام، من أعمال عسكرية تنوعّت بين العمليات البرية والإنزالات خلف الخطوط التي توّجت بأسر لجنديين إسرائيليين، الى جانب عملية بحرية، وقد برزت الأنفاق الهجومية كلاعب أساسي.
بعد "العصف المأكول" شقّت كتائب القسّام، بلغة التحديّ، اذ حاول الاحتلال استهداف أعمال المقاومة هناك، طريقًا سمّي بـ "العودة"، أو بـ "شارع جَكَر" (إقرار الشيء بالنكاية) حسب المسمّى الغزّاوي الشعبي، في إشارة الى معاندة الاحتلال والإصرار على فرض الإرادة الفلسطينية.
يمتد شارع "العودة" البالغ طوله 64 كيلو مترًا من الحدود الشرقية في رفح وصولاً إلى بيت حانون شمالاً ثم يلتف نحو بحر بيت لاهيا غرباً، وهو يفرض التواجد الفلسطيني والمقاوم عند 150 – 200 متر من الحدود. فما حقّق هذا الواقع الجديد عسكريًا وشعبيًا
في غزّة؟
المنطقة الحدودية في قبضة المقاومة: تسهيلات معلوماتية وتصدٍ
منحت السيطرة على هذه المساحة حيزًا مهمًا في السيطرة الأمينة والمعلوماتية، اذ أقامت كتائب القسّام على طول الحدود المراصد العسكرية مع تثبيت ثكنات عسكرية الكترونية لمراقبة تحركات جيش الاحتلال في الجهة المقابلة، كما متابعة مستوطنات الغلاف. كذلك نظّمت المقاومة دوريّاتها مقابل دوريات الجيش. كلّ ذلك عزّز الرصد السريع لأي تحركات إسرائيلية عدوانية تجاه القطاع أو التصدي لأي محاولة للتسلل ضمن تعليمات من القيادة العسكرية، مثل عملية "حدّ السيف" عام 2019، حين اكتشفت المقاومة توغّل قوات "سيرييت متكال" الإسرائيلية.
وأكّدت كتائب القسام أن "حماة الثغور" أحبطت "أكثر من 1300 عملية تسلل عبر السياج الحدودي بين عامي 2016 و2022، وكانت تشكل خطرًا أمنيًا واجتماعيًا على شعبنا، وتمكنا من ضبط الكثير من المشبوهين ومروجي المخدرات، بالتنسيق مع الجهات ذات العلاقة في الأجهزة الأمنية".
من ناحية أخرى، سمح شارع "العودة" والتواجد العسكري فيه لصالح المقاومة، أن يسهّل عمليات حفر الأنفاق، التي تصبح بفضل الواقع الجديد على بُعد أقرب نقطة من الحدود ما يوفّر الجهد والوقت وتوظيف الإمكانات المالية واللوجستية. بالإضافة، الى التخفيف من وطأة الحزام الأمني الذي كان بفرض الاحتلال مقابل خلق حزام لصالح المقاومة، أجبر جنود الاحتلال على التراجع ضمن خطر التعرّض
لإطلاق النار.
شارع العودة يعيد الأمن للمدنيين
تضرّرت العائلات الفلسطينية، لا سيما تلك التي تمارس الزراعة، على مدار سنوات طويلة من إمعان الاحتلال باعتدائه على المنطقة الحدودية، مرّة في إرهاب الأشخاص واستهدافهم ومرّة أخرى في تدمير أراضيهم ومحاصيلهم الزراعية.
منح تواجد المقاومة الأمان للمدنيين والمزارعين الفلسطينيين بالعودة والتجوّل وممارسة حياتهم الطبيعية في تلك المنطقة، ما خلا بعض انتهاكات الاحتلال، ما أعاد الحيوية الى قطاع الزراعي الذي تمثّل فيه المساحات في شارع "العودة" ما يقارب الـ 30% من مجمل المساحات الزراعية. وعزّز من ناحية ثانية معنويات الشعب الفلسطيني وثقته بمقاومته وقدرتها على فرض المعادلات.
وكانت كتائب القسّام قد صرّحت في حديث إعلامي سابق لها أنّ "وجود حماة الثغور في تلك المناطق على امتداد شارع العودة، يقدم الدعم المعنوي واللوجستي والحماية للمزارعين وأصحاب الأراضي، ويسهّل حركة وتنقل المواطنين والمزارعين والرعاة وسكان المناطق الشرقية والشمالية في عموم القطاع".