الصفحات
  • الصفحه الاولي
  • محلیات
  • اقتصاد
  • دولیات
  • الثقاقه و المجتمع
  • مقالات و المقابلات
  • الریاضه و السیاحه
  • عربیات
  • منوعات
العدد سبعة آلاف وثلاثمائة وثلاثة - ١٠ أغسطس ٢٠٢٣
صحیفة ایران الدولیة الوفاق - العدد سبعة آلاف وثلاثمائة وثلاثة - ١٠ أغسطس ٢٠٢٣ - الصفحة ۱۰

حوار خاص للوفاق مع رئيس جمعية البركة في الجزائر

قصة متواصلة لإخراج فرنسا من أفريقيا.. اقتباس من الثورة الجزائرية

لم يكن أمراً عادياً الوقوع في حب الوطن، ذاك الوطن الذي إنصهر ابناءه بدمائهم واجسادهم من أجل تحريره من براثين الإستعمار الفرنسي وإحتلاله، لم يتعبوا ولم يتراجعوا، حملوا البنادق والأسلحة، وساروا في الجبال وبين الأودية، ورفعوا شعار "الله أكبر تحيا الجزائر" رغم قساوة الإعدامات الفرنسية وتحويل صحراء الجزائر واهل هذا الوطن الى تجارب نووية... حتى اليوم لا يزال الجزائريون يقرأون الجزائر سيرة بلد مقاوم، ناضل من أجل حريته أكثر من 132 عاماً، بأطفاله ورجاله ونساءه وشيوخه، فكان بلد المليون ونصف المليون شهيد الذي حفظه التاريخ وأجياله، وكتبوا وعاهدوا انفسهم أن التحرير القادم هو تحرير فلسطين، وأن فلسطين أم القضايا ولو كلفهم ذلك مليون ونصف مليون شهيد آخر.
من الجزائر فتحت جريدة الوفاق اوراق تاريخ المقاومة الجزائرية التي امتدت أكثر من قرن، المقاومة الشعبية التي توحّد جميع أهل الجزائر تحت راية التحرير من الإستعمار الفرنسي، وإلتقت الوفاق بالدكتور أحمد ابراهيمي الذي حفظ تاريخ المقاومة بكل فصولها وهو رئيس جمعية البركة في الجزائر وأحد الشخصيات الداعمة للقضية الفلسطينية وكان التحقيق التالي.


الإستعمار الفرنسي أراد تغيير معالم الجزائر تاريخياً ودينياً وعقائدياً
من تاريخ الجزائر، البلد الذي عُرف بمقاومته، فتحنا حديثنا مع الدكتور أحمد ابراهيمي وإنطلقنا من الأسباب التي ولّدت مقاومة لا مثيل لها في نفوس الشعب الجزائري، ومعه عدنا الى تاريخ الجزائر يوم تعرضت الجزائر الى إحتلال غاشم، إحتلال صليبي حاقد أراد أن يغيّر معالم هذا البلد تاريخياً ودينياً وعقائدياً وهوية شعب ضارباً كل شيء بعرض الحائط، يقول ابراهيمي "مع أول دخول للإستعمار الفرنسي الى الجزائر أغلق المساجد وأعاد اسطبلات الخيل وبدأ في بناء الكنائس وحطّم كل الأوقاف وقضى عليها، هذه الاوقاف التي كانت تتغذى منها المشاريع الإسلامية التي تحافظ على القيم والدين وما الى ذلك، كل هذه الأساليب الفرنسية ولّدت في نفوس الشعب الجزائري المقاومة العظيمة، فالشعب الجزائري بطبعه شعب مقاوم يرفض الظلم والإستسلام، ولا يرضى بالتجاوزات أو التعدي عليه ولا على اراضيه، فبمجرد أن دخلت فرنسا بدأت المقاومة، هذه المقاومة التي استمرت لسنوات وإنتهت بالثورة المباركة التي جلبت الإستقلال، فهذا العدو اضطهد الشعب ومنع عنه العلم والتواصل مع الآخر، بل ومنع عنه كل ما هو حقّ للإنسان أن يكون له، لهذا فإن الشعب الجزائري عندما رأى كل هذه الأمور من الفرنسيين، أدرك أن هذا العدو لا يفهم لغة الحوار ولا المفاوضات، بل يفهم لغة وحيدة التي تقوم على التالي: "هو دخل بالقوة وبالقتل وبالظلم فردوا عليه بنفس الأساليب، بالمقاومة والدم وبتضحيات جسيمة وصلت الى أكثر من 10 ملايين شهيد منذ ان دخلت فرنسا الجزائر الى اليوم التي خرجت منه".
البعد الجغرافي والبعد الديني قوام المقاومة
إذاً، بدأت المقاومة في الجزائر بعد وضوح أهداف فرنسا من هذا الإستعمار، هذه المقاومة التي تركزت في بدايات الأمر، كما يقول الدكتور ابراهيمي، على الإستفادة من تضاريس البلاد، فالجزائر بلد يحتوي على تضاريس كبيرة جداً، من جبال وصحراء وأحراش وأدغال، فكان قوام هذه المقاومة بداية هو البعد الجغرافي ثم البعد الديني الذي كان حاضراً بقوة لأن جميع اشارات المقاومة كانت تنطلق من المدارس القرآنية، عندنا في الجزائر ما يعرف بـ" الزوايا" والزوايا هي منظمات دينية تُدرّس فيها العلوم الدينية، كما أن معظم الناس الذين قادوا المقاومة في الجزائر كانوا "حسنيين" من نسب رسول الله(ص) ، مثل الامير عبد القادر وفاطمة نسومر وغيرهم، فآل البيت (ع) لهم مكانة خاصة عند الجزائريين حتى يومنا هذا،ـ لذلك فإن هذا النسب وهذا الولاء لآل البيت عليهم السلام كان من أهم المرتكزات التي قامت عليها المقاومة الجزائرية.
الثورة الجزائرية إحتضنها الشعب وإلتحم بها
مرتكزات مهمة قامت عليها الثورة الجزائرية، تلك الثورة التي عرفت في بداياتها بـ "الثورة الشعبية" لأنها بدأت بنخبة البلاد، فالذين أطلقوا الثورة  كانوا أناساً مفكرين وأناساً لهم عمل في الدوائر الحزبية كحزب الشعب والحركة الوطنية، والجدير بالقول وربما قد يكون مؤلماً بعض الشيء، لكن عندما بدأت الثورة استطاعت فرنسا ولمدة قليلة أن تقضي على نسبة كبيرة من هذه النخبة التي أطلقت الثورة، فصاح بهم الشهيد العربي بن مهيدي أحد الزعماء الكبار الذين اطلقوا شرارة الثورة قائلاً: "إلقوا بالثورة في الشارع يحتضنها الشعب"، يعني ان الثورة لا يجب أن تبقى عند نخب معينة أو مجموعات معينة، بل يجب أن ينصهر هذا الشعب بالثورة والثورة تلتحم بالشعب، لهذا بدأ الشعب يقوم بدوره في هذه الثورة حتى قدّم الشعب مليون ونصف مليون شهيد خلال سبع سنوات ونصف في المظاهرات والمسيرات وأعمال فدائية واعمال هجومية، إلتحم خلالها هذا الشعب مع الثورة وأدّى واجبه تجاه الوطن والثورة، ولهذا سميت ثورة شعبية وليست ثورة اقطاعية او محلية أو مناطقية، بل كانت ثورة شعبية جمعت أبناء الجزائر بكل أطيافهم في خط وهدف واحد.
المرأة شريكة الرجل في الثورة الجزائرية
من المقاومة الشعبية الى الكفاح المسلّح إنتقلت المقاومة في الجزائر، نكمل حديثنا مع الدكتور أحمد ابراهيمي لنتعرف على دور المرأة في هذه المقاومة التي تخلدت في التاريخ، يقول ابراهيمي بأن المقاومة في الجزائر لم تقتصر فقط على وجود الرجال، بل للنساء وحتى الأطفال كان لهم تاريخ وباع طويل في مسيرة هذه المقاومة، فالجزائر ضمّت الكثير من الشهداء الأطفال ممن كانوا في عمر 11 و12 سنة، وقاموا بعمليات بطولية بالفعل تراوحت بين وضع الكمائن ونقل القنابل من مكان الى آخر، كما يوجد عندنا من حمل السلاح في عمر الـ14، وعندنا في الثورة الجزائرية مصطلح خاص بالنساء والأطفال الذين كان لهم دور كبير في هذه الثورة، وتاريخ المقاومة الجزائرية يحفل بالعديد من النساء الجزائريات التي خلدهن التاريخ من خلال بطولاتهم ومنهم فاطمة نسومر التي قادت المقاومة وقتلت أكثر من 8 جنرالات، ووريدة مداد وحسيبة بن بوعلي وزبيدة ولد قابلية ومريم بوعتورة ومليكة قايد، وغيرهن من الشهيدات اللواتي دخلن التاريخ العظيم الذي أدّاه أهلنا، لأن الثورة اعتمدت على أهل الجزائر من الرجال والنساء والأطفال.
شهيدات جزائريات أرعَبن الإستعمار وخلّدهن التاريخ
جزائريات حرائر قاومن من أجل استرجاع حرية الجزائريين التي اغتصبها المستعمر الفرنسي سنة 1830، حملن القضية الجزائرية في صدورهن ووقفن وقفة رجل واحد في وجه الإحتلال غير آبهات بجيوش الإستعمار ودباباته وطائراته، تعرضن لأبشع أنواع التعذيب المنافي لحقوق الإنسان واستشهدن بشرف في ساحة المعركة إلى جانب الرجال، وهنا لا بد من الوقوف عند أبرز هؤلاء الشهيدات اللواتي اصبحن رموزاً للثورة الجزائرية يقول ابراهيمي، فالشهيدة فاطمة نسومر كانت شخصية قوية جداً ومعروفة جداً طيلة سنوات الثورة التي استمرت سبع سنوات ونصف، كما أن للشهيدة حسيبة بن بوعلي التي عرفت بشجاعتها حتى استشهادها، وتم اطلاق أسمها على أكبر شارع عندنا في العاصمة الجزائرية، وعندنا وريدة مداد التي أرعبت جنود الإحتلال وعذبوها أبشع أنواع العذاب وتم إلقاءها من احد نوافذ ابنية التعذيب بعدما رفضت الإدلاء بمعلوماتها عن الثورة، ونتيجة لبطولاتها تم تسمية الكثير من المؤسسات بإسمها هنا، ولنا اسماء كثيرات من النساء البطلات اللواتي اصبحن رموزاً للثورة وأيقونة لها، وإحداهن ما زالت حية الى يومنا هذا والإخوة في المشرق العربي يعرفونها بإسم "جميلة بوحيرد".
" الله أكبر تحيا الجزائر" شعار الجهاد المقدس
بالإنتقال في الحديث عن سبب ودافع هذه الشهيدات للوقوف أمام الإستعمار وحملهن قرار المواجهة، أكّد ابراهيمي بأن الشيء الوحيد الذي كانت ترتكز عليه الثورة والمقاومة هي "العقيدة والدين" وهذا ما دفع هذه الشهيدات ليقدمن أنفسهن في سبيل الوطن، فقد  كانت الناس تعرف وتدرك جيداً بأن هذا جهاد مقدس وليس فقط مجرد مقاومة لإخراج مستعمر فقط، كانوا يلقبون الناس الذين يقاتلون الفرنسيين بـ "المجاهدين" وعندما يموتون يحسبونهم "شهداء عند الله" ويقومون بما تتطلبه الشريعة، وكان الشهيد في الجزائر عندما يستشهد لا يُغسّل، بل يدفن بلباسه ودماءه بعد استشهاده كما يأمر الدين، وكان الناس يلقبون أولاد الذين يستشهدون في هذه الثورة بـ "أبناء الشهداء"، وكان الشعار "الله أكبر تحيا الجزائر"، كان هذا الشعار الديني مقرون بالبعد الوطني، وكان المجاهدون الكبار والقادة الكبار يخاطبون بعضهم البعض ويخاطبون الناس بالآيات القرآنية وبأحاديث النبي(ص) بأنهم في جهاد وان ما يقومون به في سبيل الله، وأن الجزائر أحد ثغور رسول الله(ص) ويجب أن نحافظ عليه ونحافظ على الهلال ويبقى الآذان مرفوعاً في جميع المساجد، ويجب أن لا يكون للناقوس في هذا البلد اي شأن، كانت هذه هي الأحاديث اليومية التي تدور حول الجهاد المقدس والعمل فيه متعلق بالله سبحانه عزّ وجل.
إلغاء التعددية والقبلية والمناطقية والعشائرية
الى العقيدة وأهميتها والهوية الجزائرية ودورها في حياة الإنسان الجزائري وفي الحفاظ على مبادئ الثورة إنتقلنا في حديثنا مع الدكتور ابراهيمي، حيث رأى أن البُعد العقائدي الديني أهم ما ميّز الثورة الجزائرية، وهذا البعد هو الذي ألغى القبلية والمناطقية والعشائرية والأمور التي تعتبر مقيتة، والتي لعبت دورها في مكان ما، ولكن عندما تُوجت بالدين اصبحت هذه الأمور لا نزاع فيها، اصبح البعد القبلي تحت راية الدين يؤدي دوره، والبعد المناطقي قدّم دوره تحت راية الدين، وكما نعرف فإن الجزائر مشكلة من الأمازيق والعرب وغيرها... كل هذا التشكيلات غابت مع بداية الثورة لأن الشعب الجزائري أدرك أن هذه الثورة هي ثورة شعبية وأن العدو واحد، فألغيت فيها كل الأحزاب والجمعيات وبقي تنظيم واحد هو "جبهة التحرير الوطني" الذي تم اقراره واتفق عليه الشعب الجزائري وأكّدوا بأن اي جزائري سيقاوم وسيجاهد تحت هذه الراية وهذا الإسم فقط، والحمد لله نجحوا في هذه القرارات الوطنية، فكانت الكلمة كلمة واحدة والقرار قرار واحد، لم يكن هناك أحزاب وذابت التعددية لان المسألة كانت مسألة تحرير وطن واتفقوا على التحرير ونبذوا كل الإختلافات وتركوها الى ما بعد الإستقلال، وهذا ما حصل، وكل جزائري سواء كان سياسياً أو مثقفاً أو نخبوياً، الجميع اتفق على التحرير ووضعوا تحرير البلد من الإستعمار من أهم الأولويات، ومشوا على قاعدة واحدة:" نحرر البلد من الإستعمار ثم بعدها النمط الذي سنحكم فيه البلد لكن الأهم أن نكون أحرار".
فرنسا تجري تجاربها النووية على أهالي" رقان"
لم ترهبهم جيوشهم ولا طائراتهم ولا أسلحتهم، لأن الهدف هو اسمى من كل معداتهم العسكرية، ناموا على الصخور وبين الأودية تسلقوا الجبال وعاشوا فيها، هكذا واجه الشعب الجزائري الإستعمار الفرنسي، قاوم بكل ما أوتي من قوة، وواجه الدولة الفرنسية التي كانت تعتدي وتقتل وتمارس إجرامها بحق الشعب الجزائري طيلة سبع سنوات ونصف، لا يمكن أن نخفي عن أحد بأن الجرائم الفرنسية في الجزائر من الممكن أن تكون قد فاقت جرائم التتار في بغداد، التتار مارس جرائمه لأيام وانتهى، لكن فرنسا 132 سنة وهي تقتل وتجرم وتجوّع وتشرّد يومياً، ولشدة حقدها ونقمها على المجاهدين والمقاومين نقلت الناس الى كالودنيا الجديدة ونفتهم من موطنهم الأصلي الجزائر في ذلك الوقت، كما نفت الكثير من الجزائرين الى فلسطين وسوريا والعراق، كما نقلت فرنسا بالقوة العديد من الشعب الجزائري الى كالودنيا الجديدة ليحاربوا الى جانب فرنسا ضد ألمانيا، يمكن القول أن فرنسا فعلت كل ما بوسعها من إنتقام وتعذيب بحق هذا الشعب، لهذا فإن الشعب الجزائري عندما رأى هذه السلوكيات الوحشية الهمجية من هذا العدو، قرر أن يواجه المستعمر الفرنسي بكل ما يملك، ومن الجدير القول بأن في الجزائر يوجد مناطق محتها فرنسا من السجل المدني بإختصار "قتلتهم عن بكرة أبيهم"، كما استعملت كل المحرمات من القنبال العنقودية والقنابل الحارقة، كما مارست فرنسا تجاربها النووية على الأراضي الجزائرية وعلى الشعب الجزائري لا سيما في منطقة "رقان" حيث استيقظ سكان هذه المنطقة الواقعة بالجنوب الغربي الجزائري صباح يوم 13 فبراير 1960 الساعة السابعة وأربع دقائق على وقع انفجار ضخم ومريع، والذي جعل من سكان الجزائر حقلًا للتجارب النووية والقضاء على أكثر من 42 ألف مواطن  من منطقة رقان ومجاهديها، حكم عليهم بالإعدام، جعلوا منهم فئران تجارب للخبراء الإسرائيليين وجنرالات فرنسا على رأسها الجنرال ديغول، كما كان المستعمر يربط الناس في الجزائر بالأعمدة ليجري عليهم تجاربه النووية وهذا أبشع ما يمكن أن نقوله عن جرائم فرنسا التي مارستها بحق شعبنا طيلة استعمارها حتى خروجها من الوطن.
وعود خاوية
عندما نذكر الجزائر يتبادر الى الذهن مباشرة "ثورة المليون ونصف مليون شهيد"، لكن قد يخفى على الكثير كيف قامت هذه الثورة وماذا قدّمت واين اصبحت اليوم، نكمل الحديث مع الدكتور ابراهيمي الجزائري الوطني الذي يحفظ تاريخه عن ظهر قلب، حيث يضيف بأن هذه الثورة قامت بعد سلسلة من المقاومات، من المقاومة الشعبية التي دامت أكثر من 70 سنة، قادها رجال عظام ونساء عظيمات، وإن تغلبت عليهم فرنسا لفترة بسبب قوتها ومكرها وخداعها لأن المنطقة العربية الإسلامية كانت ممزقة، لكن عوامل كثيرة تركت اثرها على هذه المقاومة، الى مرحلة السياسة ومفاوضة فلسطين بالسياسة التي دامت حوالي اربعين عاماً، لكن النقطة التي افاضت الكأس هو عام 1945، يوم وعدت فرنسا الجزائرين بحريتهم اذا ساعدوها في حربها ضد ألمانيا النازية، فشارك الكثير من الجزائريين مع فرنسا في حربها ضد ألمانيا، منهم من ذهب بإرادته راغباً وطمعاً بالوعد الفرنسي ومنهم من أجبرته فرنسا على الذهاب، وما حصل في ذلك الوقت، عندما إنتصرت فرنسا خرج الملايين من الشعب الجزائري في شوارع الجزائر إحتفاء بالنصر والوعد بحرية الجزائر الذي قطعته فرنسا، لكن ردّ فرنسا الهمجي كان بإطلاق العنان لطيّارينها ومدافعها ودباباتها فدّكوا هذه الجموع حيث وصل عدد الشهداء في ذلك اليوم الى 45 ألف شهيد، وهنا بدأت النخبة الجزائرية من السياسيين في ذلك الوقت، حزب الشعب والحركة الوطنية وجمعية العلماء المسلمين وأحباب البيان، هذه الفئات التي كانت تشكل الطبقة السياسية في ذلك الوقت، عرفوا تمام المعرفة يومها أن فرنسا لا وعد لها ولا عهد لها.
إنطلاق اولى رصاصات الثورة الجزائرية من جبال الأوراس
وبدأت تتشكل قناعة لدى الجزائرين أن فرنسا لا تخرج إلاّ بالمقاومة والسلاح، لذلك اشتغلت هذه النخب على جيل كامل قال فيهن بن باديس: "يَا نَشْءُ أنتَ رَجاؤُنا ... وبك الصّباح قد اقترب"، وكان الشيخ بن باديس رئيس جميعة العلماء المسلمين وأحد روّاد النهضة الجزائرية ممّن أعدّوا جيلاً في ذلك الوقت خلال سنوات قليلة، تشكل من مجموعة شباب لم يكونوا معروفين أو قادة بارزين، بل كان شباباً يافعاً حملوا مشروع التحرير وإجتمعوا في أحد البيوت هنا في العاصمة في منطقة "المدنية"، لم يتجاوز عدد الـ 22 شاباً، كانوا يمثلون كل جهات الوطن من الشمال والجنوب والشرق والغرب، وقرروا بأن فرنسا يجب ان تخرج من الجزائر وأطلقوا شرارة الثورة، وحددوا اليوم الذي ستُطلق فيه أول رصاصة في الجزائر، من إحد الجبال الشاهقة والمعروفة في الجزائر هي "جبال الأوراس".
في تاريخ 1 نوفمبر 1954 وبحوالي 400 قطعة سلاح ومجموعات من المناضلين إنطلقت الثورة وإشتعلت البلد بأكملها في تلك الليلة وضربت المصالح الفرنسية من الشرق الى الغرب ومن الجنوب الى الوسط والى الشمال، الجميع في تلك الليلة أدّى واجبه وهجموا على مراكز وعلى مقرات عسكرية معينة واهداف محددة، فإستفاقت فرنسا على نار أكلتها من جميع الجهات، وبدأت الثورة الجزائرية بقوة، ويحفظ التاريخ جيداً هجوم الشمال قسنطيني، الهجوم الكبير الذي مات فيه خلق كثير، حيث تشاركت هذه الهجوم مع عمليات في العاصمة وفي وسط البلاد في منطقة وهران، قوة كبيرة تحركت في ذلك الوقت بدأ معها العدّ التنازلي لفرنسا لكي تخرج من الجزائر بعد المقاومة الباسلة التي قام بها الشعب، واستنجدت يومها فرنسا بالحلف الأطلسي في ذلك الوقت (ما يسمى اليوم بالناتو) واستدعته الى الجزائر وشارك الفرنسيين في قتالهم ووقفوا الى جانب فرنسا ضد الثورة، لكن في النهاية خرجت فرنسا مدحورة وكانت حصيلة الشهداء مليون ونصف المليون شهيد قدمتها هذه الثورة على مذبح التحرير وهدية للتحرير.
 عبد القادر الجزائري امير المقاومة
"عبد القادر الجزائري" لم يكن يوماً إسماً عادياً في تاريخ الجزائر أو في التاريخ الفرنسي، بل هو الرجل المقاوم الذي ذاع صيته في كل مشارق الأرض ومغاربها، هو امير المقاومة في ذلك الوقت وقائدها، وهو رجل الحرب والسلام، الى سيرة هذا الرجل ودوره ومقاومته توقفنا خلال لقاءنا مع الدكتور ابراهيمي عند اهم محطات هذا الرجل الذي دخل التاريخ ولم يخرج منه، يقول ابراهيمي "بالنسبة للأمير عبد القادر الحسني، هو رجل من آل بيت رسول الله(ص)، بايعه الشعب في ذلك الوقت على أن يكون أمير هذه المقاومة الكبرى، وكان رجلاً ثاقب النظر وصاحب رؤية وفكر ثاقب، لم يكن مجرد رجل يقود مقاومة، بل كان إنساناً ورجلاً أسّس للدولة الجزائرية، لذلك يعتبر هو مؤسس الدولة الجزائرية، لم يقد فقط جيشاً لمحاربة فرنسا فقط، بل أسس دولة لها دواوينها ووزرائها وقيادتها العسكرية، لها نظامها الإقتصادي وعاصمتها، يخاطب الملوك والأمراء ورؤساء الدول بإسم الأمير اي بإسم رئيس البلاد، لهذا يُعتبر عبد القادر الجزائري بذلك شخصية فذّة قلّ نظيرها في هذا البلد مع أنه كان يقود بنفسه الجيش، واستمرت مقاومته وقتاله لفرنسا أكثر من 18 عاماً، إنهزمت فرنسا امامه في عدة أماكن رغم الخيانة التي كانت موجودة في ذلك الوقت، ورغم قوة فرنسا التي كانت امبراطورية قوية جداً  وكبيرة وليست فرنسا التي نراها اليوم، إنما نتكلم عن فرنسا التي احتلت نصف كرة الأرض من الهند الصينية الى غرب إفريقيا في ذلك الوقت، فكانت مقاومته قائمة على علم ورؤية سياسية واضحة، أساسها شكل الدولة التي تسيّر البلاد، فكان الرجل متكاملاً بمشروعه، لذلك فرنسا استخدمت كل اساليب المكر والخداع من اجل اسقاط هذه الدولة، كما أن دولته في غرب الجزائر كانت معروفة بسهولها وبقوة رجالها وبقوتهم في القتال والتفكير والتخطيط، وهنا اشير الى أنه عندما دخلت فرنسا الجزائر كانت نسبة الأمية صفر، إذ كان الشعب الجزائري كله يقرأ ويكتب وكان شعباً مثقفاً وهذه بشهادة المؤرخين الفرنسيين، أنهم لم يجدوا الشعب الجزائري أميّاً، لكن عندما خرجت فرنسا من الجزائر تركت 99% من الشعب الجزائري لا يعرفون القراءة ولا الكتابة.
قادة شهداء لم يستسلموا للإستعمار
كبيرة هي الجزائر بكبر قاداتها الذين واجهوا فرنسا وحاربوها، وكبيرة هي بشعبها وشهداءها وجرحاها وابناء شهداءها، بالإضافة الى شخصية عبد القادر الجزائري فقد دخل التاريخ قادة آخرين بمقاومتهم وتركوا بصماتهم وآثارهم التي لا زالت قائمة حتى يومنا هذا، واحد هؤلاء هو من قاد المقاومة 27 سنة الشيخ بوعمامة، كما يحفظ التاريخ ثورة أولاد سيد الشيخ، إضافة الى مقاومة الزعاطشة التي قامت مع بدايات الاستعمار الفرنسي للجزائر بقيادة الشيخ أحمد بوزيان في واحة الزعاطشة في ضواحي بسكرة الواقعة في الجنوب الجزائري حيث دامت 4 أشهر، وقد أشتهرت لأنها أول ثورة إندلعت بعد مقاومة الأمير عبد القادر الجزائري في 1847، وقد أبادت فيها فرنسا بجرائمها كل سكان تلك الواحة عن آخرهم، كما يوجد في سجل المقاومة الجزائر ما يُعرف بـ "يوم غضب كبير"، ذلك اليوم الذي ثار فيه كل من الشيخ محمد أمزيان الحداد ومحمد بن أحمد المقراني ضد الفرنسيين إضافة الى ثورة القائد والزعيم الجزائري الناصر بن شهرة، كما يحفظ الجزائر قادة الثورة المعروفين مثل مصطفى بن بولعيد واحمد بن بلة، والقائد محمد بوضياف، العربي بن المهيدي، وغيرهم الكثير من القادة الكبار الذين كان لهم الدور الكبير في كل ما وصلت إليه الجزائر اليوم، والجدير بالذكر أن أكثر هؤلاء القادة استشهدوا في ساحات الشرف وساحات الوغى وساحات النضال والكفاح وبقى منهم ما بقى ما بعد الإستقلال.
الثورة الجزائرية
من هؤلاء القادة العظام الذين قادوا ثورة طيلة سنوات الإستعمار، شهدت الجزائر معهم وقبلهم وبعدهم محطات مهمة من المقاومة، في هذا يقول الدكتور ابراهيمي بأن معارك كثيرة وقعت في شرق البلاد وغربها سواء كانت مع الأمير عبد القادر الذي قاد المقاومة في الغرب، ومقاومة أحمد باي وهو رجل تركي وليس جزائرياً، ومن المعروف أن الدولة الجزائرية كانت في ذلك الوقت تحت الإنتداب التركي، إذ كانت الدولة الإسلامية الكبرى هي "تركيا"، وكانت الجزائر أحد الحواضر التركية، فكان احمد باي شخصية تركية قاد المقاومة في الشرق في مدينة قسنطينة ضد الفرنسيين وكانت معركة قوية جداً جداً دامت لشهور في النهاية سقطت هذه المدينة، ولنا الكثير من المعارك التي شهدتها الجزائر، اضافة الى فاطمة نسومر وهي المرأة التي قادت جيشاً ضد المستعمر وهزمت أكثر من جنرال ثم تم اسرها ووضعها داخل السجن حتى استشهدت داخل السجن، فكان هؤلاء رموز المقاومة، وهنا يمكن القول ان نتائج هذه المقاومة هي الثورة الجزائرية، الثورة التي شهدت الملاحم البطولية في الأوراس وملحمة الولايات الشرقية والغربية وملاحم كثيرة لا تحصى ولا تعد، لأن خلال سبع سنوات ونصف والثورة لم تهدأ، الثورة الجزائرية ثورة لم تشبه الى ثورة في العالم، اذ كانت الجزائر تشهد يومياً اعمال قتالية ودفاعية وعمليات مسلحة، وكان يومياً يسقط شهداء ويخلفون ايتاماً وأراملاً وإنتصارات وجرحى، فرنسا تركت بعد إستعمارها الملايين من الأيتام والجرحى والملايين من اسر الشهداء، إضافة الى اعمال النفي والإعتقال في الصحراء واسر الناس وإعتقالهم وسحبهم الى سجون لا تصلح لسكن الحيوانات وليس للإنسان،  وإبقائهم وسط الصحراء وتحت درجات الحرارة العالية، هذا أضافة الى جعل الشعب الجزائري مواداً لتجاربهم النووية والطبية.
الحرية والوطن الأغلى
رغم كل ما عاشته الجزائر من جرائم وإضطهاد وتعذيب وأسر ونفي وتشريد، إلاّ أن المقاومة الجزائرية لم تتوقف ولم تستسلم حتى استطاع الشعب تحرير بلده من ظلم الإستعمار وقهره، وهنا يقول الدكتور ابراهيمي بأن هذه المقاومة قدمت لنا الحرية، فقد أخذنا حريتنا وأصبحنا بلداً ووطناً له علم وهوية وعنده جيش وأمن، ونحن الآن نعيش في بلادنا أحراراً كما نريد، نناصر القضايا العادلة مثل قضية فلسطين، اليوم الشعب الجزائري كله يناصر القضايا العادلة على الأرض، نحن دائماً كنا مع أهلنا في ايران عندما وقعوا تحت الظلم، علاقتنا كبيرة في وطننا مع كل أبناء الوطن، ونساهم اليوم في دعم كل أحرار العالم حتى في افريقيا، حررنا بلدنا ولنا كلمة وأصبح عندنا دبلوماسية تعبّر عن هذا الشعب  وهوية ننتمي اليها وهي هوية النبي محمد(ص).
الجزائر اول بلد عرف الإستيطان
إذاً، كانت الجزائر طيلة هذه السنوات ترضخ تحت ظلم الفرنسيين، إلاّ أن المقاومة التي شهدتها لم تكن مقاومة عادية، بل كانت مقاومة حققت استقلال وطن، إنتقلت بعدها الى مختلف المجتمعات، وفي هذا يرى الدكتور ابراهيمي بأن الظلم وإحتقار الناس وتجهليهم وسرقة الأراضي والإستيطان الذي نقرأه اليوم في فلسطين كانت الجزائر قد عاشته سابقاً عند استعمار الفرنسيين لوطننا، فأول بلد بدأ فيه نظام الإستيطان هو الجزائر، فقد تم أخذ الأراضي من اصحابها والإستيلاء عليها واعطيت للمستوطنين في ذلك الوقت، ونحن نسميهم "الكولون" هؤلاء الذين كانوا يسمونهم "معمّرين"، لكنهم في الواقع هم مدمّرون وليسوا معمرين، أخذوا الأراضي من الناس بقوة السلاح، فالجزائر بكبر مساحتها وكل السهول والمناطق الصالحة للزراعة تم الإستيلاء عليها بالقوة واعطوها للـ "المعمّرون" الذين أتوا بهم من اسبانيا والبرتغال وايطاليا، هؤلاء المجرمون رموا بالناس الى الجبال والأحراش حيث كانوا يموتون من شدة الجوع الأمراض، فكانت هذه العوامل التي ساعدت في إنتشار الثورة، وأضيف الى أن الناس في ذلك الوقت صارت ترى أن حياتها لا قيمة لها وأن الموت اشرف لهم.
الجزائري حافظ على دينه وعقيدته بين الجبال
لم تكن أطماع فرنسا في الجزائر أرضاً وبيوتاً فقط، بل كان أحد اهدافها واطماعها وسياستها هو تغيير ثقافة بلد وعاداته وتقاليده، فعملت ما بوسعها سعياً للقضاء على كل تلك الهوية الثقافية، لكن الشعب وبوعيه وادراكه لكل هذه الاهداف استطاع رغم إحتلال وإستعمار دام أكثر من 130 عاماً، أن يحافظ على كل عاداته وتقاليده أمام محاولات الفرنسيين بالقضاء على ثقافة الجزائر، وفي هذا يضيف الدكتور ابراهيمي بأن القضاء ومحو ثقافة الجزائر وكل ما ينطوي تحت هذا العنوان كان من ضمن الإستراتيجية التي وضعها علماء الدين والدعاة، فعندما دخلت فرنسا انصدمت بمعرفة هذا الشعب بسياستها، وأدركت أنها ستواجه صعوبات في محاولاتها للقضاء على هوية الجزائر، صحيح أنه من الممكن لأي دولة أن تستعمر شعب، لكن من الصعب أن تغيّر هويته أو عقيدته أو تقضي على موروثه الحضاري، لذلك فإن علماء الجزائر كانوا بالمرصاد لهذه السياسة، فأول ما قام به علماؤنا عند الإستعمار هو تهريب المكتبة، إذ  كان في الجزائر في ذلك الوقت مكتبة عالمية تعتبر من أكبر المكتبات في العالم وفي الجزائر، وكان الناس والعلماء والحريصين على الوطن يخبؤون الكتب في المغارت والجبال، ثم بدأوا يبنون المدارس القرآنية بين المقابر والجبال والأعالي حيث تشكلت المجتمعات هناك بعد النفي وممارسات الإضطهاد والإنتهاكات اليومية والمستمرة بحق الشعب، فكانت القرى تبنى في سفوح الجبال كي لا يصل إليها الفرنسيون، لأن في حال وصلت اليها فرنسا ستتكبد الخسائر، وبدأ التعليم القرآني وحفظ القرآن وبدأ المسؤولون يعلمون الناس شؤون الدين في هذه المناطق رغم صعوبة العيش، ترافق ذلك مع حركة سياسية وأحزاب سياسية نشأت في ذلك الوقت كانت مسؤوليتها تثقيف الناس وتوعيتهم حول أهداف هذا الإستعمار وغاياته، ومسؤولية الحفاظ على ديننا وقرآننا وعدم الإعتراف بهذا المستعمر والحفاظ على الهوية والتحيّن لأي فرصة للتخلص من هذا الإستعمار. إذاً حافظت الجزائر على عاداتها وتقاليدها ودينها وصلاتها بين الجبال وفي الأماكن الوعرة أمام الثقافة الغربية التي جاءت بها فرنسا، لأن فرنسا مستعمر ثقافي هكذا كبرنا على أهداف فرنسا وهذا ما رأيناه، فرنسا تركز على الثقافة كثيراً، عندما تستعمر بلد تعمل على مسح ثقافة وهوية وعادات وتقاليد هذا البلد.
المرأة ودورها المهم في المقاومة الثقافية
الى جانب المقاومة الشعبية والعسكرية والكفاح المسلّح شهدت الجزائر مقاومة ثقافية لا تقل أهمية عن اي نوع آخر من المقاومة، وهنا يستعيد الدكتور إبراهيمي بعض الأبيات الشعرية من قصيدة للشيخ بن باديس عندما أرادت فرنسا عام 1930 الإحتفال بذكرى مرور مئة سنة على إحتلالها الجزائر، يوم اقامت حفلاً باذخاً صرفت فيه ما لا يُعقل وأتت بالضيوف من كل دول العالم لكي تُبيّن للعالم بأن الجزائر أصبحت فرنسية مئة بالمئة، وهنا صاح الشيخ بن باديس: شَـعْـبُ الْجَـزَائِـرِ مُــسْــلِــمٌ ..... وَإِلىَ الْـعُـرُوبَةِ يَـنْتَـسِـبْ...مَنْ قَــالَ حَـادَ عَـنْ أَصْـلِـهِ ..... أَوْ قَــالَ مَـاتَ فَـقَـدْ كَـذَبْ... أَوْ رَامَ إِدْمَــــــاجًـــــا لَــــهُ ..... رَامَ الْـمُحَـالَ مِنَ الطَّـلَـبْ...
هذا يعني أن الشعب الجزائري لا زال ملسماً ولم يمت ولم يغير هويته ولا ثقافته ولا دينه رغم مرور مئة عام من الإستعمار، من هذه الصيحة التي أطلقها الشيخ بن باديس بدأت الويلات تأتي على فرنسا من كل الجهات فلهذا كان هناك ثورة ثقافية حقيقة، إذ كانت المدارس والعلماء يعملون في السرّ، وأخذت جمعية علماء المسلمين على عاتقها بناء المدارس ومقاومة الفكر الإنهزامي، وكأي بلد يوجد في الجزائر من وافق وآمن أن فرنسا قوية ولا يمكن هزيمتها وإخراجها من الجزائر، كما بدأت جمعية العلماء المسلمين معركة ثقافية مع المنهزمين الذين رضوا بالمستعمر وضد المستعمر بحدّ ذاته، إذ كان هناك مدارس فرنسية لتعليم الثقافة الفرنسية فواجهها الشيخ بن باديس بتأسيس المدارس الإسلامية التي تحافظ على هويتنا الإسلامية، وقام الشيخ بن باديس في ذلك الوقت بخطوة مهمة جداً وهي تعليم المرأة،، فكان هذا الرجل أول من أعطى حق البنات بالتعليم في ذلك الوقت، وكان يقول "اذا جئتم بقسم فيه ذكور يجب أن يكون هناك قسم آخر فيه بنات"، لأنه  كان يعرف دور المرأة في إنشاء الجيل والحفاظ على الهوية ودورها في صناعة الرجال لأن المرأة عندما تكون مثقفة تعطيك وعندما تتكون متعلمة تعطيك.
المغرب واحة من واحات الكيان الصهيوني
رغم كل ما عاشته الجزائر تحت الإستعمار الفرنسي، إلاّ أن القضية الفلسطينية كانت ولا زالت نصب عينيها. فلأنها فلسطين القضية، إنتقلنا في حديثنا مع الدكتور ابراهيمي الى مواقف الجزائر تجاه فلسطين، هذه المواقف المشرفة التي يعرفها العالم أجمع، ويقول ابراهيمي بأن من أهم هذه المواقف هو إدخال منظمة التحرير الفلسطينية الى الأمم المتحدة، فالرئيس الفلسطيني ياسر عرفات عندما ذهب الى الأمم المتحدة ذهب بجواز سفر جزائري وبطائرة جزائرية وعندما خطب الرئيس الجزائري الراحل هواري بومدين رحمه الله في الأمم المتحدة وتحدث عن فلسطين وقال الجزائر مع فلسطين ظالمة او مظلومة، كما أن المواقف الأخيرة للجزائر ضد التطبيع واضحة ومهمة، هذا يعني بأننا اليوم في حرب مع الكيان الإسرائيلي الغاصب للأرض والهوية والشعب الفلسطيني، والمصيبة الأكبر أننا كنا نحارب الكيان الصهيوني وهو موجود في فلسطين، اليوم سنحارب هذا الكيان وسنتواجه معه عسكرياً لأن وجوده اليوم أصبح على الحدود بعد التطبيع مع المغرب، إذ اصبح هناك قواعد عسكرية وطائرات ومطارات ومسيّرات، بل نقلوا الكثير من مصانعهم الى المغرب، واصبح المغرب واحة من واحات الكيان الصهيوني ونحن اهل الجزائر نقول أن فلسطين ستتحرر بإذن الله ونحن سنخوض المعركة النهائية مع الكيان الصهيوني على حدودنا الغربية وهذا هو مصير من ينصر القضايا العادلة وينصر أهلنا في كل مكان.
فلسطين أمّ القضايا
هي الجزائر ونصرتها للقضية الفلسطينية التي إمتد عمرها بعمر القضية، وفي حديثنا عن ابرز الإنتصارات التي حققتها الجزائر عبر تاريخها حتى اليوم نصرة لقضية فلسطيني عاد ابراهيمي بالذاكرة الى بيان أول نوفمبر يوم إطلاق رصاصة الثورة الجزائرية، فخلاصة المشروع السياسي والرؤية السياسية للمجاهدين الجزائرين الذين اطلقوا الثورة، كان ذات بعد مغاربي وإفريقي، وكانوا يتحدثون فيه عن دورنا في مساعدة الدول المستضعفة في حال حصلنا على استقلالنا، وكيف يجب أن تكون الجزائر سنداً للمستضعفين، أما فلسطين كانت وصية الشهداء ومنهم القائد العظيم ديدوش مراد الذي أرسل رسالة الى أمه قبل ان يستشهد بأيام وأوصاها على الكثير من النقاط، أما آخر وصية كتبها قائلاً: "يا أماه لن يكتمل استقلال الجزائر إلاّ بتحرير فلسطين"...هذا إضافة الى غيره من الشخصيات التي شدّدت على نصرة فلسطين والتي كانت تتحدث عن فلسفة الثورة والإستقلال والتحرير، والذين كانوا يؤكدون أنه بعد تحرير الجزائر من الإستعمار سيبقى دين في رقابنا هو ان نذهب ونحرر فلسطين، ففلسطين كانت ولا زالت حاضرة في أذهان الجزائريين، ولا ننسى أن الجزائريين ذهبوا في العام 48 شاركوا في المعركة التي حدثت في فلسطين واحد النماذج هو الشيخ بشير ابراهيمي الذي جمع عشرة مليون فرنك فرنسي في ذلك الوقت لصالح المجاهدين في فلسطين، وفي تلك الأيام كانت الجزائر تعاني من مجاعة كبيرة في ذلك الوقت، وكان بعض الناس يتساءلون كيف تُجمع النقود والجزائر يشهد مجاعة لا وصف لها، فكان الجواب الدائم: إلاّ فلسطين فإنها أمّ القضايا، وذهب بنفسه الى فلسطين وشارك بمؤتمر القدس وسلّم المبلغ الى المجاهدين هناك داخل فلسطين، وكان ينقل السلاح من اليمن الى فلسطين وعرف بشخصية القوية. ولو عدنا الى التاريخ وما بعد استقلال الجزائر، الجزائر كان خارجاً من استعمار عمره 132 سنة، البنية التحتية فيه مدمرة، ولا يوجد من الدولة كلها سوى لدولة كلها سوى كلمة "استقلال"، ولبّى الشعب الجزائر نداء فلسطين عام 67، اي بعد الإستقلال بخمس سنوات، هنا يمكن القول بأن كان من الممكن للجزائر أن تأتي بحجة أنها خارجة من استعمار ولا زالت تكوّن بلداً وجيشاً وامناً، لكن الجزائر لم تفكر هكذا، بل ذهبوا مجموعات لمقاتلة العدو الصهيوني في فلسطين مع اخوانهم، إذاً لم يتخل الجزائر عن فلسطين رغم كل الظروف الصعبة، فكانت ولا زالت القضية قضية فلسطين.
الجزائر ضدّ التطبيع ومع فلسطين
ويختم الدكتور أحمد ابراهيمي حديثه: عندما كنت أزور غزة واقود قوافل كسر الحصار ومن خلال مشاركاتي في اسطول الحرية وكان لي العديد من المواقف المشرفة حول فلسطين، وفي يوم من الأيام بينما  كنت اضع الحجر الأساس لمسجد في غزة جاءني أحد الفلسطينيين وقال لي: هنا في هذا المكان الذي تضع فيه حجر اساس سقط شهيدين جزائريين أثناء القتال الى جانب الفلسطينين في معركتنا ضد الصهياينة، تذكرت حينها يوم جاءت منحة 73 وكيف ذهب الرئيس الراحل هواري بومدين الى روسيا وكيف اعطاه الصك على بياض بأن يعطي السلاح الى مصر في ذلك الوقت، ذاك السلاح وتلك الطائرات هي التي تغلبت بها مصر في ردّها على عدوان الصهاينة، وكيف ذهب المجاهدون من الجزائر الى فلسطين بعدما نزلوا من الجبال بعد 7 سنوات ونصف من النضال، لم يهدأ المجاهدون بل ذهبوا لنصرة فلسطين، وما قام به الرئيس الشاذلي بن جديد من أجل تأسيس الدولة الفلسطينية في الجزائر... وهذا المسلسل مستمر حتى اليوم مع الرئيس الجديد تبون الذي وقف وزأر المطبيعين وسماها "الهرولة" الكلمة التي أثّرت فيهم كثيراً وادمت قلوبهم عندما قال ما هذه الهرولة؟ ووقف ضد التطبيع مع الإتحاد الإفريقي وهو ما ترك تأثيره على الرياضيين الجزائريين والسياسيين والبرلمانيين الذين يغادرون اي مكان يحلّ فيه صهيوني، تنازل الجزائريون عن ميداليات ذهبية  والكثير من الألقاب كي لا يعترفوا بهذا الكيان المجرم الذي احتل بيت المقدس ومنعونا من ممارسنا ديننا في هذه الأماكن المقدسة، ونحن لا زلنا حتى هذه اللحظة نناصر فلسطين والقضية ونناضل وندعم مقاومتها بالمال وبكل ما نملك حتى نسترجع بيت المقدس بإذن الله.

البحث
الأرشيف التاريخي