لماذا توقّفت مفاوضات تبادل السجناء بين ايران وأمريكا؟
الوفاق- في الوقت الذي كانت تتقّدم فيه مفاوضات تبادل السجناء بين ايران وامريكا، وبينما كانت تقترب من طاقة الفرج كان هناك أمل في إطلاق سراح الشخص الرابع الذي طالبت به أمريكا، الذي قيل إنه شهاب دليلي، إلاّ أن الأمريكان لا يريدون الحلّ على مايبدو لأنهم زعموا بأنه يجب إطلاق سراح الشخص الخامس أيضاً وهي أمريكية إيرانية أوقف الأمريكيون صفقة تبادل السجناء حتى إطلاق سراحها.
منذ أشهر، كان هناك حديث عن تبادل 4 سجناء بين إيران وأمريكا، وفي نفس الوقت الإفراج عن أكثر من سبعة مليارات دولار من الأصول الإيرانية المجمدة في كوريا الجنوبية ، والتي تم حظرها من مبيعات النفط الإيراني لهذا البلد منذ 5 سنوات، ولكن في كل مرة وفيما يتعاظم الأمل لتنفيذ اتفاق تبادل السجناء مع واشنطن تُقدم الأخيرة على خطوة جديدة من شأنها أن تعرقل المفاوضات. نعلم أنه في الحكومة السابقة ذهب الجانبان مرتين على الأقل إلى نقطة تبادل الأسرى وحتى مرة واحدة كان تاريخ ومكان هذا التبادل معروفًا في يوليو 2021 بين عباس عراقجي والوسيط الأمريكي حينها، لكن الجانب الأمريكي كان جشعا الى أبعد الحدود في عملية التفاوض.
تحطيم طاولة المفاوضات
في الواقع كل ما كان يسعى وراءه الأمريكي هو الحصول على المزيد من التنازلات في الاتفاق النووي الذي دخل في سبات شتوي بسبب "تعنّت" البيت الأبيض، مما عرقل إحياء الإتفاق وحال دون الإفراج عن أرصدة إيران وهو ما كان بمثابة "تحطيم طاولة المفاوضات" في اللحظة الأخيرة، إذ إشتهر الأمريكي بهذا السلوك النابع من نظرة إستكبارية لكل مجريات الساحة الدولية، لكن عدم التوصل الى إتفاق أغضب البريطانيين الذين كانوا ينتظرون الإفراج عن البريطانية من أصول ايرانية "نازنين زاغري" في صفقة التبادل المُنتظر حدوثها.
ومنذ أن شعرت لندن بهذا التعنّت الأمريكي في التفاوض قرّرت إتخاذ مسار آخر عن الأمريكي في عملية تبادل السجناء. في الأيام التي تلت ذلك، وفي ظلّ الحكومة الإيرانية الجديدة وفريق التفاوض الجديد برئاسة علي باقري، كان موضوع تبادل الأسرى لا يزال مطروحا على الطاولة. حيث إرتأت إيران أنها تخوض هذه المفاوضات من زاوية المبادئ الإنسانية وحقيقة أن وجود عدة مزدوجي الجنسية في سجونها لا يفيدها، ومن حيث إهتمامها للمشاكل العائلية للمواطنين الإيرانيين المسجونين في أمريكا لمزاعم الإلتفاف على الحظر الامريكي الجائر، وبهدف الإفراج عن الأرصدة الايرانية المُجمّدة في كوريا الجنوبية، في ظل الحصار الدولي الجائر على الشعب الايراني، أرادت حكومة السيد رئيسي تنفيذ هذه الاتفاقية، لكن الأمريكيين هم من أوقفوا العمل في كل مرة بذرائع جديدة وواهية، دون أن يعيروا أي أهمية لشكاوى أسر هؤلاء السجناء في أمريكا.
آخر مجريات التفاوض
إلاّ أن السؤال الذي يلحّ علينا طرحه هو ما الذي جرى خلال الأسابيع الأخيرة؟ الجدير بالذكر أنه بالرغم من كل المواربات الأمريكية السالفة الذكر، يبدو أننا في الأسابيع الأخيرة نواجه "تدويلاً" جديداً من قبل واشنطن لهذه القضية. حيث كانت جميع اتفاقيات الإفراج عن السجناء بين إيران وأمريكا محصورة في إطار أربعة أشخاص يحملون جنسية مزدوجة هم باقر نمازي، سيامك نمازي، عماد شرقي ومراد طاهباز، والذين كانوا في السجن بتهمة التجسس لصالح الغرب، على أن يكون ذلك بالتزامن مع الإفراج عن أموال إيران المسروقة في كوريا الجنوبية. ولكن بسبب مرض باقر نمازي الشديد، قررت الجمهورية الاسلامية الايرانية إطلاق سراح باقر نمازي من وجهة نظر إنسانية بحتة وبشكل أحادي من طرفها. تم إطلاق سراحه في 9 أكتوبر من العام الماضي بوساطة وتنسيق من سلطنة عمان وقطر والإمارات وسويسرا، وأصبح الأمريكيون الإيرانيون المتبقون في قائمة الاتفاق ثلاثة أشخاص. وتشير جلسات الاستماع إلى أنه على الرغم من هذا العمل الإيجابي وبسبب حسن نية طهران التي كان ينبغي أن يصاحبها ترحيب وموافقة من قبل أمريكا لمواصلة العمل في هذا المسار الإنساني، فإن الأمريكيين في المفاوضات اللاحقة، وعبر إستخدام الأعذار الواهية قرّروا التخلّي عن أبسط الأعراف الدبلوماسية، حيث زعموا أن الجانبين اتفقا على أن هناك 4 أشخاص ويجب إضافة شخص آخر إلى قائمة التبادل، على الرغم من أن إيران لم تتوصل بعد إلى نتيجة ضد هذا المطلب الجديد للأمريكيين وما زالت تبحث هذا الأمر، ولكن العديد من المفاوضات والحوارات غير المباشرة مع الجانب الأمريكي والتي جرت عبر وسطاء إقليميين كانت تقود القضية ليتم حلها في ظل ظروف معينة، وكان هناك أمل في أن الشخص الرابع الذي قيل اسمه شهاب دليلي والمعتقل منذ عام 2016 يتم الإفراج عنه أيضا.
مسرحية السجين الخامس
ولكن زعم الأمريكيون أنه يجب إطلاق سراح الشخص الخامس الذي تم القبض عليه بتهمة التجسس من قبل الجهات المختصة في البلاد، وهذه القضية الأخيرة أوقفت المفاوضات بين الطرفين. في الواقع، بينما صرحت إيران مرارا وتكرارا أنها لا تساوم مع أي طرف فيما يتعلق بأمنها، وطالما استمرت أمريكا والدول الغربية الأخرى في إرسال أشخاص إلى إيران تحت عناوين مختلفة بهدف التجسس، فإن عملية اعتقال الجواسيس لن تتوقف.
وكان قد تم اعتقال شخص خامس في الأسابيع الأخيرة، ويريد الجانب الأمريكي إطلاق سراحه خلال اتفاقية تبادل السجناء. وهي سيدة أميركية إيرانية لها تاريخ في العمل في المنظمات غير الحكومية الأفغانية وقد أوقف الأمريكيون تنفيذ التبادل حتى إطلاق سراحها.
وشهدنا في هذه الأيام زيارة سلطان عمان ووزير خارجيته إلى طهران، كما قام مسؤولون قطريون بزيارة الجمهورية الإسلامية. كما قام وزير الخارجية ومساعده للشؤون السياسية علي باقري بعدة زيارت إلى قطر والإمارات وسلطنة عمان، وكانت هناك محادثات حول المفاوضات غير المباشرة التي أجراها علي باقري مع الأمريكي "برات مك غرك" في عمان، والاجتماع مع المستشارين السياسيين لـوزراء خارجية ألمانيا وبريطانيا وفرنسا في الإمارات، وكان الاجتماع مع إنريكي مورا في قطر جزءا من هذه العملية لحل الخلافات فيما يتعلق بالإتفاق النووي وقضية تبادل وتحويل الأموال الإيرانية المجمّدة.
تخبّط في القرار الأمريكي
رغم كل ما سلف ذكره، فكما أن الأمريكيين ضعفاء في اتخاذ القرار فيما يتعلق بالإتفاق النووي والعودة إلى خطة العمل الشاملة المشتركة، باتت خلافاتهم الداخلية عقبة أمام الخروج من عنق الزجاجة، وهو ما يواجههم فيما يتعلق باتفاقية تبادل السجناء أيضاً، والتي يعتبرها الكثيرون مقدمة أو المحرك الدافع للاتفاق الكبير المقبل. فهم مترددون ويحاولون كسب الوقت بالعديد من المواربات والمزاعم، ومع ذلك فإن قرار إيران بالعودة إلى الإتفاق النووي مؤكد وقد رحبت دائما بإتفاق تبادل السجناء. يوم الخميس المنصرم أجرى علي باقري زيارة إلى عمان مرة أخرى وعقد اجتماعات. وفي هذا الصدد، زعم موقع " ايران نوانس" نقلاً عن مصدر مطلع ، أن زيارة باقري إلى مسقط، بالإضافة إلى بحث القضايا الثنائية والإقليمية، كانت مرتبطة بقضايا دولية، لا سيما المفاوضات بين إيران وأمريكا حول تبادل السجناء والإفراج عن الأصول الإيرانية المجمّدة.
مُقترح جديد على طاولة المفاوضات
يظلّ أن نقول بأنه على الأمريكيين، علاوة على موافقتهم على اتفاقياتهم السابقة بشأن تبادل السجناء وعدم تقديم مطالب جديدة كل يوم، إنهاء أسلوبهم القديم في إرسال الجواسيس من أصول إيرانية لأنهم لن يتمكنوا حينها من التوصل الى أي اتفاق أو مفاوضات بشأن تبادل السجناء، وإبتزاز ايران بأموال شعبها المُجمّدة في الخارج، فواجب المؤسسات الأمنية الإيرانية أن تعتقل المتهمين بالتجسس لصالح العدو بعيداً عن أي إتفاق أو مفاوضات دولية، فهذا الأمر يمسّ الأمن القومي للبلاد. وهو الأمر الذي لابد من طرحه على طاولة أي مفاوضات قادمة مع الغرب، بحيث تكون مقدمة للاتفاقية الرئيسية لإحياء الإتفاق النووي.