فرنسا.. العجوز التي فقدت عكازها الأفريقي
عماد الحطبة
كاتب ومحلل سياسي
في الشمال الأفريقي، تزداد العلاقات بين فرنسا والجزائر توتراً، وخصوصاً بعد تولي الرئيس عبد المجيد تبون الرئاسة. وكانت تلك العلاقات شهدت تحسناً ابتداءً من رئاسة الشاذلي بن جديد، ووصلت إلى ذروة تحسنها عام 2017، عندما أعلن الرئيس ماكرون أن الاحتلال الفرنسي للجزائر كان جريمة ضد الإنسانية.
توجهات الرئيس تبون للبحث عن شركاء غير فرنسا للتغلب على الأزمة الاقتصادية الطاحنة، قابلها اليمين الفرنسي الحاكم بتصريحات رفعت شدة التوتر بين البلدين. بعد تصريح الرئيس ماكرون بأنه لا يوجد شيء اسمه الشعب الجزائري، وأن النظام العسكري اخترع هذا الشعب بعد الاستقلال، فلجأت الجزائر إلى إيقاف العلاقات القنصلية بين البلدين، وأصدر الرئيس تبون مرسوماً يقضي بأداء النشيد الوطني الجزائري كاملاً في المناسبات الرسمية، مُعيداً إلى دائرة النقاش الفقرة الثالثة من هذا النشيد، والتي يتم التغاضي عنها منذ أيام الرئيس الشاذلي بن جديد:
"يا فرنسا قد مضى وقت العتاب/ وطويناه كما يُطوى الكتاب
يا فرنسا إن ذا يوم الحساب/ فاستعدّي وخذي منّا الجواب
إنّ في ثورتنا فصل الخطاب/ وعقدنا العزم أن تحيا الجزائر
فاشهدوا... فاشهدوا... فاشهدوا".
عدّلت فرنسا خطابها بعد رد الفعل الجزائري الغاضب، وخصوصاً قيام وزير الخارجية الجزائري بجولة أوروبية، استثنى منها فرنسا، ثم قيام الرئيس تبون بتأجيل زيارته لباريس، وقيامه بزيارة روسيا، وتوقيع عدد كبير من الصفقات النوعية بين البلدين.
لم يَدُم الهدوء طويلاً، إذ لجأت وكالة "فرانس 24"، الممولة من الحكومة الفرنسية، إلى اتهام الجزائر بالتمييز بين المناطق الجزائرية أثناء جهود إخماد الحرائق، التي تجتاح منطقة حوض البحر المتوسط منذ بداية الصيف. تناول الحديث المناطق القبلية بالتحديد، وهو ما عدّته وكالة الأنباء الجزائرية الرسمية استمراراً في التدخل الفرنسي في شؤون الجزائر الداخلية، بما في ذلك دعم منظمة "ماك" الإرهابية الانفصالية.
هذه الدول المتاخمة لبعضها (مالي، الجزائر، بوركينا فاسو، النيجر) يجمعها، بالإضافة إلى كونها مستعمرات فرنسية سابقة، أنها تعاني آفة الإرهاب الذي تدّعي فرنسا والولايات المتحدة محاربته، وأنها جميعاً تعاني أزمات اقتصادية خانقة على رغم احتوائها على ثروات طبيعية هائلة. تلك الثروات، التي سخّرها النقيب توماس سانكارا (غيفارا أفريقيا) لتحقيق الاكتفاء الذاتي، صناعياً وزراعياً، خلال حكمه بوركينا فاسو في الفترة بين 1983 و1987، قبل أن تدبّر الاستخبارات الفرنسية انقلاباً ضده، أدى إلى اغتياله. وما يجمع هذه الدول أيضاً أنها توجهت إلى روسيا بحثاً عن الحل لمشاكلها. هذا ما قاله الرئيس البوركيني في قمة بطرسبورغ، بشأن الفرصة التي يقدمها التحالف مع روسيا، التي تحاول مساعدة أفريقيا، وخصوصاً من خلال شحنات القمح المجانية التي ترسلها إلى أفريقيا، مع تأكيده ضرورة العودة إلى هذا المؤتمر بعد تحقيق الاكتفاء الذاتي. أمّا مالي فاتُّهمت بالتعاون مع مجموعة فاغنر، واتُّخذت عقوبات بحق عدد من مسؤوليها، بمن فيهم وزير الدفاع. والمواطنون في النيجر هاجموا السفارة الفرنسية وحاولوا اقتحامها، وكانوا يرددون هتافات مؤيدة لروسيا والرئيس بوتين.