هيمنة الغرب في إفريقيا تحت مقصلة الشعوب
انقلاب الأسبوع الماضي بالنيجر أحدث موجة من الصدمة ليس فقط في منطقة الساحل الأفريقي، بل عبر المجتمع الدولي ككل. وكانت النيجر آخر معقل موال للغرب في منطقة تعرف باسم "حزام الانقلابات" في هذه القارة، مما أثار مخاوف من أن الاستيلاء العسكري قد يزعزع استقرار المنطقة فيما تحاول قوى الهيمنة الغربية على رأسها فرنسا وبريطانيا إستخدام الإرهاب كذريعة لتبرير بقائها ووجودها لإمتصاص خيرات وثروات القارة السمراء. ولكن وسط هذه التحولات ما يثير الإهتمام هو ماتم وصفه برغبة الكثير من النيجريين دخول روسيا إلى أفريقيا ومغادرة الغرب لها.
ويرى خبراء أن مشهد النيجريين وهم يلوحون بلافتات الاحتجاج المؤيدة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين والأعلام الروسية بأنه جعل الكثيرين في الغرب يشعرون بالقلق، حيث تقدم هذه الصور تباينا حادا لجمهور غربي قيل له مرارا وتكرارا إن الرئيس بوتين "منبوذ في جميع أنحاء العالم".
تأثير القوى الاستعمارية التقليدية
ولفت إلى ما وصف بأنه "تدافع جديد" شهدته أفريقيا السنوات الأخيرة، حيث تقوم قوى كبرى مثل روسيا والصين علاوة على ايران بالإضافة إلى القوى الإقليمية المتنامية مثل الإمارات بحملات دبلوماسية واقتصادية كبيرة في القارة. وكيف أن هذه القوى، كما تقول رواية "التدافع الجديد" الشائكة إلى حد ما، تعمل على إزاحة تأثير القوى الاستعمارية التقليدية مثل بريطانيا وفرنسا.
يجب أن يقدم الغرب مزيدا من الالتزامات لتوسيع العلاقات التجارية والاستثمار في أفريقيا. ولكسب القلوب والعقول بشكل صحيح يجب أن تكون الصفقات التجارية والاستثمارية الجديدة عادلة ومستدامة، وتشجع تنمية الصناعات الأفريقية والحد من الفقر، وهو ما كان غائباً لعقود عدّة من الإستعمار الغربي للقارة السمراء، إذ تفاقمت حالة الفقر في ظلّ التواجد الغربي في دول إفريقيا التي تستقر على ثروات هائلة. ومع ذلك يرى أن رواية "التدافع الجديد" تفتقد شيئا وهو أن الوجود الروسي في أفريقيا ليس جديدا. وغانا وغينيا ومالي أمثلة على ذلك، حيث يُذكر الاتحاد السوفياتي، بقيادة روسيا، كقوة قوية مناهضة للاستعمار تسعى لتحرير الأفارقة من القمع الأوروبي والأميركي (والرأسمالي). وكان التدخل السوفياتي في أفريقيا واسع الانتشار.
خطط ماكرون تفشل
خلال جولة في أفريقيا قبل 6 أشهر، وعد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بـ"حقبة جديدة" في علاقات فرنسا مع دول القارة السمراء أساسها الشراكة والمساواة. وقال ماكرون حينها إن القواعد العسكرية الفرنسية في أفريقيا ستدار بشكل مشترك بين القوات الفرنسية والقوات المحلية، مع خفض الوجود العسكري الفرنسي في القارة. وكان من المقرر أن تكون الحقبة التي بشّر بها ماكرون مرحلة جديدة في إعادة ضبط العلاقات الفرنسية الأفريقية التي تحدث عنها الرئيس الفرنسي أول مرة في خطاب ألقاه في واغادوغو، عاصمة بوركينا فاسو، عام 2017، قال فيه إنه "ينتمي لجيل لا يأتي إلى القارة السمراء ليخبر الأفارقة بما يجب عليهم فعله".
لكن يبدو أن الانقلاب العسكري، الذي شهدته النيجر الأسبوع الماضي على الرئيس المنتخب محمد بازوم، يقوض الآمال الفرنسية في إقامة علاقات جديدة مع دول القارة السمراء، وفق تحليل نشرته مجلة "إيكونوميست" البريطانية بعنوان "النيجر تفسد خطة ماكرون لإعادة رسم علاقة فرنسا بأفريقيا". فبعد الانقلاب، خرج المتظاهرون في العاصمة النيجرية نيامي في 30 يوليو/تموز المنصرم وهم يهتفون بشعارات أبرزها "تسقط فرنسا!" ويلوحون بالأعلام الروسية.
كذلك هاجمت حشود غاضبة السفارة الفرنسية في النيجر، وأضرم المحتجون النار في باب مبنى السفارة وحطموا نوافذه. في حين بدأت فرنسا إجلاء رعاياها من النيجر في الأول من أغسطس/آب الجاري، وكذلك إجلاء المواطنين الأوروبيين الراغبين في مغادرة البلد الأفريقي.
مصالح فرنسا على المحك
وترى المجلة أن الانقلاب يثير فزع فرنسا، التي أعادت تمركز قواتها في النيجر بعد انسحابها من مالي العام الماضي، الذي مثّل ضربة قوية لهيبتها، واعتبرت النيجر بلدا مستقرا نسبيا في منطقة مضطربة. وتحتفظ فرنسا بقاعدة عسكرية دائمة في النيجر مجهزة بطائرات مقاتلة ومسيرات، ويوجد بها حاليا 1500 جندي فرنسي. كما يأتي انقلاب النيجر بعد انقلابين شهدتهما بوركينا فاسو العام الماضي، وهو ما مثل ضربة أخرى للوجود الفرنسي في منطقة الساحل. وقد أمر قادة الانقلاب الثاني في بوركينا فاسو جميع القوات الفرنسية بالمغادرة، فاضطرت باريس لسحب قواتها العام الجاري.
الانقلاب على رئيس النيجر محمد بازوم لا يبدو أن له علاقة بأسباب إستراتيجية تتعلق بالعداء لفرنسا، بل قادت إليه دوافع شخصية ضيقة، ورغم ذلك فإن كونه استخدم للتعبير عن مشاعر عداء قوية تجاه الفرنسيين يكشف عن مدى عمق المشكلة بالنسبة إلى فرنسا.