علي الأكبر والقاسم في عاشوراء
قدوة الشباب في الوعي والثبات على مر العصور والأزمنة
الشباب هم عماد كل أمة وقلبها النابض وطاقتها الحية، بهم تبنى الأوطان وتستمر الحياة، وبصلاحهم يصلح المجتمع ويولد كل مشروع فكري ونهضوي جديد، والشباب من العمر كالربيع من الزمان، ولهذا حث الإسلام على اغتنام فرصة الشباب في الإكثار من العمل الصالح والجاد الهادف لصلاح الدنيا والفوز بالآخرة ودور الشباب المسلم الذي يسير وفق تعاليم الإسلام وعلى النهج المحمدي، دورٌ عظيم في إصلاح النفوس وتوجيه المجتمع والمحافظة على سلامته وأمنه وازدهاره وتقدمه وبخاصة ممن آمنوا بالمشروع الإصلاحي المنبثق من النهضة الحسينية وتأثروا به، والثورة الحسينية لم تكن حركة مؤقتة أو حركة ذات مطالب محدودة بل كانت حركة مطلقة دائمة لكل الإنسانية في مختلف الأزمنة والمناطق إلى ظهور منقذ البشرية الإمام الحجة (عج) الذي ينطلق للأخذ بثارات تلك الثورة التي لم تعرف الإنسانية مثيلاً لها في أهدافها وغاياتها وثوّارها وقادتها وتضحياتها ومن شارك فيها وحمل لواءها، ثورة كربلاء احتوت جميع فئات المجتمع العمرية فلم تترك فئة إلا وتضمنتها هذه الثورة العظيمة، حتى تصبح هذه الثورة مثالاً يقتدى بها من جميع الفئات العمرية في المجتمع والتي يعول عليها في التغيرات الكبرى التي يحتاجها كل مجتمع.
وللنهضة الحسينية أثرٌ واضح وكبير على سلوك وتصرف أغلب الشباب المسلم وبخاصة الذين ينظرون إليها كمنهج فكري وعملي خطه سيد الشهداء(ع)، فمن دروس النهضة الحسينية أخذت جميع شرائح المجتمع وسيلتها للسير في طريق بناء الأمة والمجتمع الصالح والابتعاد عن طريق الانحراف والفساد، لقد ضرب لنا الشباب المؤمن الذين كانون في عسكر الامام الحسين (ع) أروع الأمثلة في الصبر والعزيمة والتوكل على الله في تحمل المسؤولية مهما بلغ حجمها وعظمها.
فعلي الأكبر لم يكن وقوفه إلى جانب النهضة الحسينية بسبب ارتباطه بأبيه(ع) فقط ولكن السبب الرئيسي هو إيمانه بصدق القضية التي خرج من أجلها الإمام الحسين (ع) وشعوره بالمسؤولية الملقاة على عاتقه كشاب مسلم مؤمن وهو يرى الفساد والانحراف ينخر جسد الأمة ويُمزق أوصالها، وهكذا كان القاسم ابن الإمام الحسن (ع) قدوة الشباب في الإيمان والتضحية وفي كل العصور.
تتطرق مقالتنا إلى نماذج شبابية من لبنان والعراق وإيران اتخذت من شباب كربلاء الشهداء قدوة ً لهم في الوعي الرسالي وفي الشهادة والفداء من أجل العقيدة وإحقاق الحق ومقارعة الظالمين وإعلاء كلمة التوحيد.
الشهيد محمد مهدي حسان أبو حمدان
ولد الشهيد محمد مهدي بتاريخ 10/5/2000 وهو وحيد والديه ولديه شقيقة واحدة اسمها زهراء التي تروي لصحيفة الوفاق في حوار خاص عن تأثره الشديد بسير الشهداء وسلوكهم منذ صغره، وعن رغبته في السير على خطاهم وإتخاذهم قدوةً له، فتقول:" نشأ الشهيد وترعرع في كنف عائلة مجاهدة، وكان منذ صغره يتردّد إلى المسجد – المتراس الأول للمجاهدين- التزم باكراً قبل سن التكليف، تعلم الأحكام الشرعية والمسائل الفقهية، عُرف باهتمامه بإقامة الصلاة في أول وقتها، واظب على قراءة زيارة عاشوراء وعلى ذكر اللهم صل على محمد وآل محمد".
عبق الشهداء حدد المسير
انطلق الشهيد محمد مهدي إلى حياته الجهاديّة من الخلفيّة الاجتماعيّة التي نشأ فيها؛ تقول شقيقته، وتتابع:" تربّى الشهيد في بيئةٍ ملتزمة، تأثر بالشهداء وتعلق بهم وأحبهم كثيراً منهم أخواله الثلاثة ومنهم أيضاً الشهيد مهدي ياغي، الشهيد حسين حمود، الشهيد حمزة رعد، الشهيد أبوعباس شمص الشهيد الحاج حسان اللقيس وإبنه علي، كان دائم التردد على روضة الشهداء يزور أضرحتهم ويحادثهم ويخبر والده برغبته بالدفن قربهم بعد استشهاده، اختزن الشهيد مما عرفه عنهم ما عبأه روحياً، وهو يستقي مِن أحاديث مَن حوله قِصصهم وحكاياهم التي اعتبر منها أيّما اعتبار، لقد تعلّم الشهيد من سير الشهداء ما ساعده في تحديد مساره ومَصيره".
اصرار على الالتحاق بالجبهة رغم صغر سنه
بدأ مسيرته الجهادية بالإنتساب إلى كشافة المهدي (عج) وهو في الخامسة من عمره، والتحق ببرنامج أبناء المجاهدين عن عمر العشر سنوات، وفق شقيقة الشهيد، والتحق بصفوف المقاومة الإسلامية بعمر السادسة عشر، بعد استحصاله على تأييد ومباركة الأهل لإلتحاقه، فهو وحيد أهله وممنوع من الالتحاق إلاّ بعد حصوله على ورقة استثناء وإذن خطي يظهر موافقة الأهل وهذا ما حصل عند بداية التحاقه وتعاقده بالمقاومة".
تكمل شقيقته :" خضع الشهيد لعدة دورات عسكرية، وكان اختصاصه العسكري الدروع، وخدم بعدة مواقع جهادية للمقاومة، كان لديه إصرار شديد على المشاركة في المواقع المتقدمة رغم صغر سنه، ولكن كان مسؤوله يمنعه عن ذلك، لكنه كان يصر عليه دائما ّمطالباً إياه بإبلاغ قراء المجالس إلغاء مجلس "القاسم" كي لا يتعلق به الشباب ويتم منعهم لاحقاً من الاستشهاد".
القاسم قدوة الشهيد في الإيمان والتضحية
وفق رواية أحد المجاهدين لعائلة الشهيد عن المشاركة الأخيرة للشهيد والتي ارتقى فيها، تقول شقيقته:" أثناء فرز الإخوة المجاهدين في محطة الانتظار على النقاط والمواقع العسكرية كان نصيب مهدي التوجه إلى موقع "كربلاء واحد"، لكن لم يقبل مسؤولوه ذلك كونه وحيد والديه ولم يبلغ الثامنة عشر من عمره بعد، أعيد الفرز عدة مرات وكان نصيبه الذهاب إلى الموقع، وفي المحاولة الأخيرة شاهده أحد القادة وهو يبكي فساستفسر منه عن سبب بكائه فأخبره الشهيد كما تروي شقيقته بما قاله:"أريد الذهاب إلى موقع "كربلاء واحد " ولكن يمنعوني من ذلك، علماً أنني شاهدت رؤية عن الشهيد "حمزة رعد" ووعدني باللقاء قريباً، وإذا كنتم مصرين على إعادتي فاطلب منكم إلغاء مجلس "القاسم" (ع) الذي نسمعه في المجالس العاشورائية كل سنة، فأنا في العمر نفسه، حينها طلب الحاج إيصاله للموقع وهكذا كان الوصال مع الشهداء و"القاسم" (ع).
لقاء الله
كانت منطقة العملية في موقع "كربلاء واحد" في منطقة تدمر صحراوية ودرجة الحرارة عالية تصل إلى ٥٥ درجة ولا توجد منازل وأبنية فقط صحراء وتراب، تقول شقيقته وتتابع:" كانت الظروف صعبة مشابهة لواقعة كربلاء، والوقت كان ظهراً الساعة الحادية عشر ونصف وقت الظهيرة، استخدمت في المعركة أنواع متعددة من الأسلحة والقذائف واستمرت حوالي ساعة، انتهت المعركة باستشهاد الشهيد محمد مهدي مع خمسة مجاهدين لبنانيين واستشهد معهم شهيد أفغاني وكان الشهيد أصغر شهيد بينهم، والشهداء هم الشهيد "علي منون" الشهيد "كريم كريم" الشهيد "ابراهيم جوني" الشهيد "محمد الهق" والشهيد الأفغاني.
أصغر شهيد في الحشد الشعبي ... الشهيد مثنى قاسم الكلابي
فتى لم تتجاوز سني عمره 16 ربيعاً درس في مدرسة الولاء الحسيني وتتلمذ على حروف منبرها المعطاء والتحق بمواكب العزاء ليقلد تشابيه القاسم (ع) حتى أصبحت جُل أمانيه أن يُزف شهيداً لتعلق على باب داره يافطة سوداء يكتب عليها عبارة (الشهيد البطل) التي كان يخطها في مقدمة سجلاته المدرسية بعد ان أوصى أمه بنثر الورود والحلوى على جنازته.
إنه الشهيد البطل (مثنى قاسم الكلابي) من محافظة واسط الذي التحق بركب أنصار الامام الحسين (ع) عند مطلع شهر محرم الحرام ليتوج بلقب أصغر شهيد في الحشد الشعبي دفاعاً عن مقدسات العراق وتلبيةً لنداء المرجع الأعلى السيد علي الحسيني السيستاني. ولد الشهيد مثنى قاسم الكلابي في 3/6/1999م ويُعرف بأصغر شهيد في الحشد الشعبي في مصفى بيجي، التحق للمشاركة مع مجاهدي الحشد الشعبي لمقاتلة المجموعات التكفيرية في عمر الخامسة عشر، ولبى نداء ربه ملتحقاً بركب أصحاب الإمام الحسين (ع)، كان في كل سنة يؤدي دور القاسم ابن الإمام الحسن (ع)، فاستشهد مثل من قال "الشهادة عندي أحلى من العسل في تاريخ 17/10/2015م.
الإمام الحسين والقاسم (ع) في الجبهة معنا
قبل استشهاده بيوم اتصل به والده وأخوه الاكبر محاولين إقناعه بالعودة للبيت، وقالوا له الموكب ينتظرك لأداء دور القاسم (ع)، فأجابهم قائلاً: إنّ القاسم والإمام الحسين (ع) يقاتلان معنا على الساتر والميدان، ولن أرجع حتى أقتل دونهم، وفي اليوم الثاني استشهد الشاب الحسيني والتحق بركب الإمام الحسين (ع).
الشهيد حسين فهميدة القائد الصغير
"إن قائدنا هو ذلك الطفل ــ ذو الاثني عشر عاماً، صاحب القلب الصغير، الذي يفوق المئات من ألسنتنا وأقلامنا فضلاً ــ الذي حمل قنبلته ورمى بنفسه تحت دبابة العدو ففجّرها، محتسياً شراب الشهادة". بهذه العبارة وصف الإمام الخميني (قدس) هذا الطفل البطل "محمد حسين فهميده" الذي خلق ملحمة خالدة في تاريخ الثورة الإسلامية والدفاع المقدس، وهذا المجاهد الشجاع الذي أصبح مدرسة وقدوة للأجيال القادمة يقتدى به في الذود عن الإسلام.
ولد الشهيد محمد حسين فهميده عام 1967م، في قرية من قرى مدينة قم المقدسة، وترعرع في أسرة ريفية ملتزمة.
الشهيد والثورة
ورغم صغر سنّه إلاّ أنه لم يدّخر جهداً في نصرة الثورة الإسلامية، لهذا لمّا بلغت الثورة ذروتها كان يذهب إلى قم ويجلب البيانات الثورية ويوزّعها في كرج. وقد تعرض للأذى والضرب على أيدي المعارضين للإمام الخميني (قدس) لكنه تصدى لهم بكل حزم وتحمل كل الإهانات والأذى في هذا المجال.
الالتحاق بجبهات الحق ضد الباطل
مع بدء الحرب المفروضة من قبل الاستكبار العالمي على الدولة الإسلامية الفتية، وصدور أمر من الإمام (قدس) بالتعبئة الشعبية، بذل الشهيد كل ما في وسعه للالتحاق بالقوات الشعبية.
أرسل ذات مرة من قبل مقر التعبئة إلى كردستان دون علم والديه، وعاد بعد فترة مع عدد من عناصر الحرس. وعندما طلب من أمّه التعهد بعدم ذهاب إبنها ثانية إلى الجبهة لصغر سنّه، التفت الشهيد إلى آمر الحرس وقال: لا تكلف نفسك، فلو أصدر الإمام (قدس) أمراً فإنني مستعد للذهاب أينما كان، يجب عليّ أن أخدم بلدي.
العروج الملكوتي
حول استشهاده، يروي أحد الإخوة:" عندما أصيب زميله في الخندق "محمد رضا" بطلقة نارية، نقله حسين إلى الخلف، ثم أراد أن يرجع، فقيل له: إلى أين يا حسين؟ فيجيب: يجب أن أنتقم لصديقي من هؤلاء الأعداء، وعندما رجع إلى موقعه شاهد خمس دبابات تتقدم، فما وجد بدّاً إلاّ أن ربط الحزام الناسف على ظهره وتحرك نحو دبابات العدو، فأصيب بطلقة نارية في رجله، لكن تمكن من إيصال نفسه بأية طريقة ممكنة إلى أوّل دبابة، وفي عملية استشهادية فجّر نفسه تحتها، فدُمّرت الدبابة واحتسى حسين شراب الشهادة. وهنا تصور الإخوة وصول دعم وإسناد، وتصور العدو أنه خدع وانهزم، فانقض الإخوة من قوات التعبئة على بقية الدبابات فدمّروها جميعاً. وعندما ذهبنا في اليوم التالي إلى مكان العملية وجدنا بقايا من أشلاء الشهيد.
سجاياه المعنوية
تقول الوالدة عن الشهيد:" عندما كنت أناديه بصوتٍ عال، لم يكن يجيبني. ثم بعد قليل يجيبني: نعم. أقول له: حسين، أين أنت؟ يقول: إنني واقف على قبري. أقول: وهل قبرك في المطبخ أو الغرفة؟ قال: كلا، إن قبري في جنة الزهراء، القطعة 22، الصف 11. وكلما ذهب إلى جنة الزهراء جاء إلى المنزل وقال لنا ذلك. قلت له ذات مرة. حسين خذني معك مرة فإنني أحب كثيراً أن أذهب إلى جنة الزهراء. قال لي: أمّي، سوف تذهبين كثيراً إلى جنة الزهراء حتى تملّي وتقولي كفى. نعم ليس غريباً علينا أن يخبر هذا الطفل الذي لم يبلغ التكليف، ليس فقط عن استشهاده بل حتى عن موضع قبره حيث دفن في الموضع الذي ذكره، وليس عجيباً أن يقول الإمام (قدس)الذي لا يعرف المجاملة، في حقه إنه قائدنا وإنه يفوق المئات من ألسنتنا وأقلامنا فضلاً. وقد التقى عائلة الشهيد بعد استشهاده في لقاء خاص بالإمام الخميني(قدس)، وعندما نظر والد الشهيد إلى الإمام بكى، فقال له الإمام(قدس): "نأمل لكم من الله الصبر والسلوان".