الصفحات
  • الصفحه الاولي
  • محلیات
  • اقتصاد
  • دولیات
  • الثقاقه و المجتمع
  • مقالات و المقابلات
  • الریاضه و السیاحه
  • عربیات
  • منوعات
العدد سبعة آلاف ومائتان وتسعون - ٢٣ يوليو ٢٠٢٣
صحیفة ایران الدولیة الوفاق - العدد سبعة آلاف ومائتان وتسعون - ٢٣ يوليو ٢٠٢٣ - الصفحة ۷

الشعائر الحسينية ... النشأة والتطور والبروز

إطلالة تاريخية على مراسم إحياء عاشوراء في العالم العربي

ينطوي البحث التاريخي عن الشعائر الحسينية والمراسم العاشورائية على أهمية فائقة، لا سيّما إذا نفذ في أعماق التاريخ، متجاوزاً عشرات القرون التي خلت، ليشمل حضارات وأقوام وفئات مختلفة مارست هذه الشعائر؛ فإن هذه الشعائر والممارسات لم تكن وليدة هذه الأعصار والأزمنة فحسب، أو أنّها نتاج قوم أو فئة معيّنة، وإنّما هي نوع من التعبير الإنساني، والحالات الوجدانية التي تُمليها الفطرة البشرية إزاء ما نال أهل البيت (ع) من المصائب والمآسي، وما وقع عليهم من الظلم والتعدّي.
نجد المظاهر الأُولى لإقامة المآتم والبكاء على الإمام الحسين (ع) في سيرة أهل البيت (ع) والشيعة الأوائل، بعد فترة قصيرة من واقعة عاشوراء، وتتمثل بالمآتم التي أقامها سبايا أهل بيت الإمام الحسين(ع) في الكوفة، وعند مرورهم على  مقابر شهداء عاشوراء، وفي أيام تواجدهم في الشام، وبعد رجوعهم من الشام إلى المدينة المنورة.
ونظراً لأهمية الشعائر الحسينية عند الشيعة في مختلف العصور، وبهدف دراسة التطوّر التاريخي لإحياء ذكرى عاشوراء، وتسليط الضوء على أهم مظاهر العزاء المرافقة لإقامة ذكرى عاشوراء، نحاول أن نستعرض في هذا المقال إحياء ذكرى عاشوراء في كل من لبنان ومصر والعراق عبر التاريخ.
مراسم العزاء في العراق
مَرَّ إحياء الشعائر الحسينية في العراق  بأدوارٍ شتى على امتداد تاريخها وتعرضت لظروف قاسية نتيجة السياسات المتعاقبة.
 الشعائر في العصر الأموي والعباسي
كانت السلطات الأموية تمارس أقسى أساليب القمع والاضطهاد ضد مقيمي هذه الشعائر، مما اضطر الشيعة لإقامتها خفية خوفاً من القتل أو الاعتقال وعندما قام العباسيون الذين روجوا لدعوتهم على أساس الأخذ بالثأر للإمام الحسين (ع) من بني أمية وما إن اعتلوا العروش حتى بانوا على حقيقتهم، فعمدوا وبأسلوب الأمويين نفسه إلى محاربة إقامة هذه الشعائر عبر مداهمة أي بيت أو مجلس والتنكيل بمن فيه، فمرت هذه الشعائر بأقسى من الظروف السابقة وكانت حقبة المتوكل العباسي أقسى فترة مرت بها الشعائر الحسينية إذ أمر بهدم قبر الإمام الحسين (ع) والتنكيل بزواره وممارسة أشد العقوبات بحقهم.
في عصر البويهيين
وإذا كان الشيعة في تلك العصور لم يستطيعوا أن يعبّروا عن حزنهم العميق بمأساة كربلاء تعبيراً كاملاً فإن الظروف اختلفت عليهم، وذلك بعد استيلاء البويهيون على مدينة بغداد سنة (334هـ)، وبناءً على المصادر التاريخية، قد شهدت بغداد إقامة المآتم الحسينية في يوم عاشوراء من سنة (352 هـ)، أي في عهد معزّ الدولة الديلمي.
وقد ذكر المؤرّخ البغدادي ابن الجوزي (ت 597هـ) في حوادث سنة (352هـ): "أنه في اليوم العاشر من المحرم أُغلقت الأسواق ببغداد، وعُطِّل البيع، ولم يذبح القصابون [ولا طبخ الهراسون] ولا تُرك الناس أن يستقوا الماء، ونُصبت القباب في الأسواق، وعُلقت عليها المسوح… وأُقيمت النائحة على الحسين (ع)".وكانت هذه الفترة من أهم الفترات في تاريخ نشوء وتطور الشعائر الحسينية لأنها أقيمت لأول مرة بشكلٍ علني فقد أصبح الطريق معبّداً أمام الشيعة لإعلان شعائرهم بدون رقيب حيث كانت تمارس قبل ذلك بشكلٍ سري ومحدود.
تضييق ومنع عثماني
ولكن ما إن جاء السلاجقة حتى أعلنوا الحرب على هذه الشعائر وصار الشيعة يتخذون احتياطاتهم لإقامة العزاء الحسيني. غير أن الوضع تغير عند مجيء الصفويين إلى السلطة إذ أعطوا للشيعة مطلق الحرية في ممارسة شعائرهم. ولكن ما إن جاء العثمانيون واستلموا مقاليد الحكم حتى أصدروا أوامرهم بمنع إقامة العزاء الحسيني، فاضطر الشيعة إلى إقامة مجالس العزاء في البيوت بصورة سرية بالرغم من المنع الذي فرضته السلطات العثمانية والعقاب الشديد الذي ينتظرهم جرّاء إقامتهم لهذا العزاء. وكان الوالي العثماني على العراق داود باشا والذي حكم من (1817-1831) من أشد الولاة تضييقاً على الشيعة وقد شدد من منعه إقامة العزاء الحسيني مما اضطر الشيعة آنذاك إلى إقامة مجالس التعزية في السراديب بعيداً عن العيون والأسماع.
أمّا في العهد الملكي وبعد سلسلة من المحاولات اليائسة للتضييق على الشعائر الحسينية عادت مواكب العزاء عام (1958)، وفي عام (1968) أظهرت السلطات تسامحاً تجاه العزاء الحسيني في محاولة لاستمالة الجماهير واحتواء مشاعرها لكنهم بعدها بدأوا يضيّقون الخناق تدريجياً في محاولات دنيئة لطمس الشعائر الحسينية وتقييد حركتها ومراقبتها.
تحدي وإصرار
وفي عام 1975م منعت السلطات البعثية جميع المواكب الحسينية ولكن الجماهير أبت إلا أن تُقيم هذه الشعيرة المقدسة فخرجت تظاهرة عارمة من مدينة النجف الأشرف وهي تهتف: "لو قطعوا أرجلنا واليدين نأتيك زحفاً سيدي يا حسين"، وقد أحيطت هذه التظاهرة بالجنود والدبابات وأفراد من الجيش الشعبي وعندما وصلت إلى منطقة خان النص على طريق كربلاء اصطدمت بمجموعة من الجنود التي حاولت أن تمنع التظاهرة من مواصلة مسيرتها وقد سقط عدد من الشهداء والجرحى، وتم اعتقال مئات من الأشخاص وصدرت بحق عدد كبير منهم عقوبات بالإعدام كما تم قتل بعض المعتقلين تحت التعذيب.
أخيراً انتهت هذه الفترة المظلمة التي كانت أشد فترة عاشتها الشعائر الحسينية على امتداد تاريخها عام 2003 مع سقوط نظام الطاغية صدام حسين،  بسقوط حكمه عادت الجموع تهتف باسم الإمام الحسين (ع) لتؤكد للتاريخ إنّ هذه الشعائر التي استمدت من ثورة سيد الشهداء (ع) ديمومتها واستمراريتها لن تموت أبداً ما دام فيها ذكره (ع) وسيتوارثها الموالون جيلاً بعد جيل.
مراسم العزاء عند الفاطميين
كان الشيعة في مصر منذ وجودهم بأرض الكنانة بُعيد الفتح الإسلامي يمارسون شـعائرهم، ويتوارثونها أباً عن جد، حتّى نهاية الدولة الفاطمية سنة (567هـ)، ومجيء صلاح الدين الأيوبي؛ إذ ثبت - وفق المؤرّخين- أنّ الشعائر الحسينية كانت أمراً متعارفاً لدى المصريين قبل مجيء الفاطميين؛ لعمق التشيّع في تلك البلاد الإسلامية، وما مشاهد أولاد الرسول (ع) كمشهدي السيّدة زينب والسيّدة نفيسة (ع)، ومشهد رأس الحسين (ع)، إلّا أحد الأدلّة على ذلك.
كان المصريون الشيعة يمارسون العزاء في يوم عاشوراء أيام الحكومة الإخشيدية في مصر، يقول الدكتور عبد المنعم ماجد في كتابه ظهور الخلافة الفاطمية وسقوطها في مصر حول ذلك: "وكذلك كانوا [الفاطميون] يحتفلون بذكرى مقتل الإمام الحسين بن علي (ع) في العاشر من المحرم (عاشوراء) سنة (61هـ)، باحتفال رسمي وشعبي كبير؛ إذ كان المصريون الشيعة يحتفلون به قبل مجيء الفاطميين في أيام حكّامهم الإخشيديين، وقد استمر الفاطميون يحتفلون به من(366) هجرية إلى انقراض دولتهم في (567) هجرية"، وهذا النص يُدلل بشكلٍ واضح على وجود الشعائر الحسينية في المجتمع المصري قبل نشوء الدولة الفاطمية.
مظاهر إحياء عاشوراء في العصر الفاطمي
هذا، وقد أفادنا مؤرّخو مصر بأخبار توضح كيفية إحياء ذكرى عاشوراء بمدينة القاهرة في العصر الفاطمي، ثمّ أخذت الشعائر الحسينية في مصر بالاتساع تدريجياً بعد قيام الدولة الفاطمية، وقد ورد في كتاب الشيعة في الميزان للشيخ محمد جواد مغنية: "أن شعائر الحزن يوم العاشر من المحرم كان أيام الإخشيديين، واتسع نطاقه في أيام الفاطميين، فكانت مصر في عهدهم تُعطِّل الأسواق، ويجتمع أهل النوح والنشيد يكونون بالأزقة والأسواق، ويأتون إلى مشهد أُمّ كلثوم ونفيسة، وهم نائحون باكون".
ودأب الفاطميون من كل سنة في اليوم العاشر من المحرم على إقامة العزاء والمراسم الحسينية وسط حضورٍ رسمي وشعبي كبيرين، وقد اتخذت مظاهر العزاء الحسيني إبان الدولة الفاطمية صوراً وأشكالاً متعددة ـ كما هو الحال قبل الدولة الفاطمية، كدولة الإخشيديين والطولونيين، منها: خلو الشوارع والأزقة من المارّة، وتعطيل الأسواق والدكاكين. أمّا الشعائر فمنها: نزول المواكب الحسينية إلى الشوارع بحالة من الحزن، يصاحبها إلقاء الشعر والأناشيد المعبرة عن الحزن والأسى لمقتل السبط الشهيد(ع). وعقد مجالس الرثاء وذكر المصيبة، وما يصاحبها من بذل الطعام، حتّى عُرف السماط الذي يُبذل عليه الطعام بـ(سماط الحزن)، بل إنّ آثار ذلك ما زالت قائمة إلى اليوم بما يسمّى بـ(موائد الرحمن). ولم تقتصر تلك الشعائر على المصريين فحسب، بل تعدّت إلى غيرهم ممّن سكن أرض الكنانة، كالفُرس ومَن خالطهم من العجم.
إنّ تلك الشعائر إن دلّت على شيء فإنّما تدلّ على عمق الحب والولاء من قبل أهل مصر لأهل بيت نبيّهم(ع). كما أنّ الدولة الفاطمية لم تنشئ تلك الشعائر أو تبتدعها عند تسلمها لزمام الحكم في مصر، بل رفعت الموانع التي أقامها الحكّام السابقون في طريقها، ونظّمت ووسّعت تلك الشعائر الخالدة.
محرم الحرام بعد زوال الدولة الفاطمية
أما فيما يتعلّق بمصير مراسم ومآتم يوم عاشوراء في مصر بعد زوال الدولة الفاطمية، فقد ذكر المقريزي أنه: "اتخذ الملوك من بني أيوب يوم عاشوراء يوم سرور، يوسّعون فيه على عيالهم، ويتبسطون في المطاعم، ويصنعون الحلاوات، ويتخذون الأواني الجديدة، ويكتحلون ويدخلون الحمام، جرياً على عادة أهل الشام التي سنَّها لهم الحجاج في أيام عبد الملك بن مروان؛ ليرغموا بذلك شيعة علي بن أبي طالب (ع)، الذين يتخذون يوم عاشوراء يوم عزاء وحزن فيه على الامام الحسين بن علي(ع)؛ لأنه قُتل فيه. وقد أدركنا بقايا مما عمله بنو أيوب من اتخاذ يوم عاشوراء يوم سرور وتبسط".
مراسم العزاء في لبنان
لم يُعرف من تاريخ مجالس التعزية العاشورائية لدى شيعة لبنان على امتداد الوجود العثماني من 1516-1918، سوى أنّها كانت تُقرأ سرّاً في البيوت بسبب منع العثمانيّين الطائفة الشيعيّة من إقامة شعائرها الخاصة.
وبسبب سرّية الإحياء لم تحظ كيفية ممارسة هذه الشعيرة بالتدوين من قبل المؤرخين والباحثين، وذلك خوفاً من التعرض للملاحقة بسبب رقابة الدوريات العسكرية العثمانية التي كانت تدور في الأزقة والأحياء طيلة أيام عاشوراء من أجل منع الاجتماعات وإقامة التظاهرات. لذلك، اقتصر ما تم تدوينه حولها على التأريخ الشفوي المنقول عن المعمّرين الذين عايشوا وشاركوا في مجالس التعزية.
قمع العثمانيين والمجالس السرية
كانت الذكرى تُعاش في جوٍ من الضغط والخوف لدى أبناء الطائفة الشيعية عند إقامتها، ولو بالشكل الشفوي الذي كان يقتصر على جلسات تُروى خلالها سيرة الإمام الحسين(ع) وأهل بيته في كربلاء.
يذكُرُ السيد محسن الأمين في مذكراته أنّ "المجالس كانت تقام في أيام طفولته في أواخر القرن التاسع عشر، وكان يقرأ في الليالي العشر الأولى من محرم في كتاب إسمه المجالس، أما في اليوم العاشر فكان يقرأ في كتاب أبي مخنف، وهو من المؤرخين الأوائل في تاريخ الإسلام"، ثّم يؤتى بالطعام إلى المساجد وعادةً ما تكون الهريسة وهي طعام خاص بيوم العاشر عند شيعة جبل عامل .
البروز العلني
أمّا في مطلع القرن العشرين، سُمح للإيرانيين بإحياء مراسم عاشوراء فقط في مدينة النبطية عندما قدمت إلى المدينة عائلات إيرانية هرباً من نظام رضا شاه البهلوي، حيث بادر أحدهم وهو الطبيب إبراهيم الميرزا الذي حضر إلى جبل عامل في سنة 1917 واستقر فيها مزاولاً لمهنته، إلى إستصدار ترخيص من الخارجية العثمانية في إسطنبول بواسطة القنصل الإيراني في بيروت...
وفي العام 1919، وإبان انسحاب الحكم العثماني من لبنان، بدأ الإحياء بشكلٍ علنيٍ ومشترك ٍ بين الإيرانيّين وأهالي مدينة النبطية ثّم بدأ العدد بالتزايد ليشمل كل شيعة جبل عامل .
الشعيرة الحسينية في مرحلة التوسع
كانت الندبيّات تتردد باللغة الفارسية، وتجوب مسيرات اللطم أحياء المدينة يرأسها الطبيب ميرزا طيلة ليالي عاشوراء، " وكان يُقرأ مقتل الإمام الحسين (ع) باللغة الفارسيّة، ثم أصبح باللغة العربية عام 1926".وفي اليوم العاشر من محرم عام 1921م، قامت مجموعة من الشباب اللبناني بتمثيل واقعة الطف لأول مرة في النبطية، لم يكن العمل المسرحي حينها يقوم على نص مكتوب، بل على حوارات مجتزأة، وقد استمر العرض المسرحي بهذه الطريقة إلى العام 1936،إذ عمد العلامة "عبدالحسين صادق" إمام مدينة النبطية إلى صياغة نص مسرحي متكامل إستناداً إلى روايات المؤرخين الشيعة بلغة فصيحة ومتينة. وقد حقق العرض المسرحي الجديد نجاحاً كبيراً وقد جعل هذا التطور في العرض المسرحي النبطية مقصداً للكثير من المهتمين الذين كانوا يتوافدون إلى البلدة ليلة العاشر من المحرم، من أجل المشاركة بمراسم اليوم التالي.
إذاً بعد بدايات متواضعة شهدتها احتفالات عاشوراء في النبطية منذ بدايات القرن العشرين، نمت هذه الاحتفالات نمواً مضطرداً وشهدت ازدهاراً واسعاً، وما لبثت أن تحولت إلى مهرجان ديني يستقطب الآلاف من المشاركين في يومي التاسع والعاشر الذين يتوافدون إليها من مختلف المناطق اللبنانية.
ختاماً شكلت وما تزال الشعائر الحسينية في مختلف مناطق إحيائها في العالم أفضل وسيلة للرفض والتحدي والمقاومة وجسراً للتعبير عن الذات وصراعاً أزلياً بين الحق والباطل.

 

البحث
الأرشيف التاريخي