الصفحات
  • الصفحه الاولي
  • محلیات
  • اقتصاد
  • دولیات
  • الثقاقه و المجتمع
  • مقالات و المقابلات
  • الریاضه و السیاحه
  • عربیات
  • منوعات
العدد سبعة آلاف ومائتان وستة وثمانون - ١٨ يوليو ٢٠٢٣
صحیفة ایران الدولیة الوفاق - العدد سبعة آلاف ومائتان وستة وثمانون - ١٨ يوليو ٢٠٢٣ - الصفحة ۸

تركيا والناتو.. مصالح تطغى على المبادئ والأهداف

 

وسام اسماعيل
كاتب ومحلل سياسي
يوماً بعد يوم، تؤكد القيادة التركية قدرتها على إدارة ملفاتها الخارجية وفق منطق البحث عن مصلحة الدولة بعيداً من الشعارات والمبادئ الأيديولوجية التي تلازم خطابات الرئيس التركي
ومعاونيه.
وعلى الرغم من إعلان الرئيس التركي رجب طيب إردوغان رفضه انضمام فنلندا والسويد إلى الحلف، وتبرير هذا الرفض بأسباب موضوعية تتعلق بالأمن القومي التركي، لناحية اتهام الدولتين باستضافة جماعات تعتبرها تركيا إرهابية، وتظهير هذه الاستضافة على أنها من الخطايا التي لا تغتفر، أظهر الرئيس التركي، من خلال موافقته على عرض ملف انضمام فنلندا إلى الحلف على البرلمان التركي في آذار/مارس الماضي، ثم موافقته على عرض ملف السويد أمام البرلمان قبل قمة ليتوانيا، استناد خياراته في مقاربة سياساته الخارجية إلى مفهوم الأثمان التي يمكن أن تحصل.
من حيث المبدأ، لا يمكن تصنيف موقف حزب العدالة والتنمية من حلف شمال الأطلسي أو الاتحاد الأوروبي على أنه مبدئي ينطلق من الإيمان بمبادئ مشتركة، كالحفاظ على المجتمعات الديمقراطية أو الالتزام بالقيم العليا الغربية، أو يهدف إلى التكامل والاندماج في المنظومة الغربية، إنما يُصنف في إطار تقديره للمصلحة التركية، إذ إن وجود الدولة التركية في الحلف يساعد دائماً، إضافةً إلى مظلة الحماية الغربية لتركية، في تطوير قدرات الجيش وضمان دمجه في المنظومة العسكرية الغربية، بما يصَعّب عملية عزل تركيا. في هذا الإطار، تختلف مقاربة الدولة التركية، ومن خلفها حزب العدالة والتنمية، عن مقاربة الدول الغربية، وخصوصاً الطامحة حديثاً إلى عضوية الحلف أي السويد وفنلندا، لواقع العلاقات الأطلسية أو الأوروبية.
وعلى الرغم من اعتبار تركيا من الدول التي تشكل ركناً أساسياً من أركان الحلف، إذ يشكل عديدها العسكري القوة الثانية بعد الولايات المتحدة الأميركية، ومع أنها شكلت طيلة فترة الحرب الباردة سداً منيعاً في مواجهة التمدد السوفياتي، فإنها لم تتوانَ عن البحث عن إطار أمني رديف؛ فالعلاقات التي نسجتها مع روسيا وموقفها الرافض لتوسيع الحلف يظهران فهماً تركياً خاصاً لمفهوم الحلف ودوره.
وفي هذا الإطار، يبرز التوجه التركي نحو محاولة الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي؛ فمرحلة ما بعد الحرب الباردة كانت تفترض محاولة تركية للبحث عن إطار اقتصادي سياسي يستهدف تحقيق التنمية المستدامة وتعزيز التقدم العلمي والتكنولوجي وزيادة معدلات النمو، بالتوازي مع محاولة عدم إثارة روسيا الغنية بالنفط والغاز والموارد، من خلال محاولة الحد من عدائية حلف شمال الأطلسي ومعارضة تمدده نحو الشرق. وبعد مسار طويل من التفاوض الذي لم يؤدِ إلى تحقيق الحلم التركي بالانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، ذهبت الدولة التركية باتجاه تحقيق نوع من التوازن عبر محاولة ابتزاز الطرف الأوروبي الذي يفضّل تصنيف تركيا شريكاً إستراتيجياً مهماً.
من ناحية تركيا، تظهر واقعية قراءة القيادة التركية للموقف الأوروبي، إذ إنّها لم تقدم أي تنازل مجاني، إنما ركزت على كيفية استغلال موقعها وعلاقاتها وشراكاتها من أجل تحقيق غاياتها، فالموقف التركي المتوازن من العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، ورفض إدانة روسيا، والاصطفاف خلف الدول الغربية، لم يكن إشارة عابرة تؤكد البحث التركي عن مصلحة مفترضة؛ فقد سبقها في المرحلة الماضية توجه تركي نحو توثيق العلاقات الأمنية والعسكرية مع روسيا عبر شراء منظومة S400 ، إضافة إلى مخالفة التوغل التركي في الشمال السوري للتوجهات الغربية، بما أدى إلى سلسلة من العقوبات الأميركية والأوروبية ضد تركيا.
وبناءً عليه، يمكن الحديث عن نوع من الاختلاف بين الخطاب التركي الأيديولوجي والقيمي الموجه إلى الرأي العام التركي والإسلامي وحقيقة التوجه السياسي البراغماتي التركي الهادف إلى تحقيق أكبر قدر من الفوائد للدولة. وفي هذا الإطار، لم يكن من المنطقي القول إن الرفض التركي للقبول بانضمام السويد وفنلندا إلى حلف الناتو هو قرار واقعي، إذ إنه قد يفسر على أنه خضوع للإرادة الروسية، إضافة إلى إمكانية تعرض تركيا داخل الحلف لإمكانية عزلها أو التشدد في علاقة دول الحلف معها.
ويُطرح بعد ذلك سؤال عما يمكن أن تحققه تركيا في حال أصرَّت على رفضها انضمام فنلندا والسويد. ولذلك، يبقى المنطقي في هذا الإطار مقاربة مسألة الموقف التركي انطلاقاً من الثمن الذي قبلت به تركيا لقاء موافقتها. وبما أن الثمن الحقيقي لقبول تركيا بانضمام السويد وفنلندا، لناحية تعهد السويد وفنلندا بتقييد نشاط الجماعات الكردية والتركية المعارضة، مع الإشارة إلى إمكانية الالتفاف على هذا التعهد، وكذلك لناحية قبول الولايات المتحدة الأميركية بتسليم تركيا عدداً من طائراتF16 ، إضافة إلى مجموعة من قطع الغيار الضرورية لتحديث الأسطول الجوي التركي مع وعود أميركية بالدفع لإعادة إطلاق مفاوضات انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي، وحصولها على مساعدات غربية ضرورية لتخطي الاقتصاد التركي المتعثر مشكلاته، كان بعيداً عن أية إشارة لتطوير آليات الحلف وما يعترض استراتيجياته من عقبات، يصبح بالإمكان الحديث عن تعقيدات تعترض إمكانية المحافظة على أهداف الناتو ومبادئه.

 

 

البحث
الأرشيف التاريخي