المستشارة التربوية فاطمة فنيش للوفاق:
يجب تعزيز مهاراتنا في شبكات التواصل لتخدم تطلعاتنا
الوفاق / خاص
سهامه مجلسي
تحظى مواقع التواصل الاجتماعي باهتمام الكثير من مستخدمي الإنترنت لأغراض متعددة، وعلى رأسها التواصل مع مجتمع الأهل، والأصدقاء، وزملاء العمل، وكذا إتمام العديد من الأعمال، وأغراض أخرى.
ويؤثر التقدم التكنولوجي بشكل كبير على جوانب كثيرة من حياتنا. وكلما ازداد هذا التقدم كلما أثر في تغيير نمط حياة الأشخاص. ومع الاعتماد المتزايد على الإنترنت، أصبح استخدام منصات التواصل الاجتماعي جزءاً أساسيا للتواصل اليومي واستقبال المعلومات لكثير من الأشخاص في العالم. فهناك من يستخدم مواقع التواصل الاجتماعي كوسيلة للترفيه وتقضية الوقت، وربما لإضاعة الوقت، وآخرون أدركوا مدى قوة وسائل التواصل الاجتماعي، فاستخدموها بشكلها الفعال.
واتاحة فرص للشباب في التعبير عن أفكارهم: أصبح العالم في ظل مواقع التواصل الاجتماعي والمدونات متصل بدرجة كبيرة حيث يسهل على أي شخص التعبير عن أفكاره وجمع المهتمين لها من كل أنحاء العالم، وفي هذا الصدد اجرت صحيفة الوفاق حوارا مع الاستاذة فاطمة فنيش باحثة ومستشارة تربوية وفيما يلي نص الحوار:
كيف يمكن تقديم أهمية التواصل الإجتماعي في وقتنا الحاضر؟
يعتبر التواصل الاجتماعي اليوم من أهم المهارات التي يجب أن يُعمل على تعزيزها لدى الأفراد. حتى أنها أدرجت في المناهج التعليمية تحت عناوين مهارات القرن. لا يخفى على أحد أن ميزات العصر الذي نحيا فيه وسرعة التطور والانفتاح الذي يتصف به، بالإضافة إلى التسارع التكنولوجي، كلها جعلت من عملية التواصل عملية مفروضة ومفتوحة. بل كل شيء اليوم يرتكز على مبدأ التواصل والاتصال ويعتمد على مهارات التواصل بشكل عام. وأكبر تجليات هذا الموضوع هي وسائل التواصل الاجتماعي التي باتت متداخلة مع كل العوالم والمهن.
هل استطاع المجتمع الاسلامي ان يعمل على الاستفادة من وسائل التواصل بما يخدم تطلعاته؟
مازالت مجتمعاتنا بشكل عام في موضع المتلقي. فهي تنتج أفكارا ومبادرات خجولة نوعا ما. بل إن غالبية جهودها تنصب في محاولة صد الهجوم الثقافي أو الدفاع عن عاداتها ومعتقداتها. المبادرة في هذه العوالم ما زالت تفتقر للإمكانيات المالية واللوجستية والفكرية. ولذلك نرى أن غالبية المتصدين ليسوا من أهل العلم والاختصاص، بل يغلب عليهم طبع الهواة والمبتدئين. وهو برأيي ما يعيق عملية التأثير السليم عبر هذه العوالم.
هل يمكن القول ان وسائل التواصل اصبحت تخدم القضايا العربية والاسلامية وكيف؟
مضى زمن على هذه المقولة. يدرك الجميع اليوم أن هذه المنصات متاحة للجميع، وأنها في المستقبل القريب ستكون هي المهيمنة ولن يستطيع احد الوقوف في وجه هذا المد. التطور التكنولوجي والعلمي في مجال التواصل يتسارع بشكل هائل، فما نراه اليوم لن يكون هو ذاته ما سنشهده غدا.
أما فيما يخص القضايا العربية والإسلامية. فالاستفادة من منصات التواصل الاجتماعي خدمة لها ما زال موضع جدل. وذلك بسبب الضوابط الصارمة والقوانين التي تتحكم بهذه المنصات من تحديد لما ينشر وما لا ينشر ومن حظر وعقوبات تطال مخالفيها.
شخصيا أعتقد أن الاستفادة من مواقع التواصل لم تتجاوز حتى اليوم الدور الدعائي والإعلامي لقضايانا. وهو أمر مهم ولا يمكن الاستهانة به. فنحن بحاجة لتفعيل هذا الدور تثبيتاً لبعض الحقائق ونشرا لها، ومن جهة أخرى مساهمة منا في دحض الأكاذيب والتشويهات.
أعتقد، فيما يخص قضايانا وقيمنا، أننا يجب أن نفعل عملنا على الأرض من خلال التواصل الحقيقي مع الناس ومن خلال العمل الجاد. ولا يمكن لأي موقع تواصل أن يترك الأثر الراسخ الذي يتركه التواصل الواقعي والفعال. لا مجال للمفاضلة هنا.
هل استطاعت المرأة ان توظف وسائل التواصل بما يخدم اهدافها وتطلعاتها كامرأة مسلمة؟
أتاحت هذه المنصات للمرأة الوصول للجميع، ولم تعد محكومة لقانون كذا او ذاك، او لفرصة هنا أو هناك. تقول المرأة المسلمة اليوم للآخرين من خلال تواجدها على هذه المنصات: أنا موجودة. لي رأي. هذا رأيي. هذا عملي. هذه قيمي. فهي لم تعد غير مرئية، ولم يعد بالإمكان إقصائها أو تجاهلها. النماذج كثيرة في هذا المجال، ولكنني لست بوارد تسمية أحد.
في الوقت الذي بدأنا نشاهد ونرى وسائل التواصل بما فيها تويتر وانستغرام وغيرها اصبحت كأنها تخدم فئة وكأنها وسيلة للتسلية، نرى في المقابل صفحات اجتماعية، ذات اهداف انسانية، اخلاقية، تطوعية، هل يمكن التشجيع ودعم القيمين على مثل هذه الصفحات.
علينا ان ندرك أولا ان هذه المنصات ليست منصات هواة وإن بدت كذلك. وأنها وسيلة إعلامية ودعائية وتأثيرية ووسيلة لصناعة الراي العام. ولذلك نعم يجب تشجيع ودعم القيمين على الصفحات الهادفة، إنما ليس بالقول، بل بالفعل. على الجهات المعنية تقديم الدعم التقني والمالي والدعم التوجيهي أيضا لأصحاب هذه الصفحات. كما أنه يتوجب على أصحاب هذه الصفحات والقيمين عليها التعامل مع المحتوى الذي يقدمونه بدقة وجدية متناهيتين، وعليهم أن يدركوا حجم أثر عملهم وكلمتهم بل هيئتهم أيضا على المتلقي. المسؤولية مزدوجة هنا.
أما إذا كنتم تقصدون تشجيع المتلقي لأصحاب المحتوى، ففي هذه الحالة المحتوى الناجح والمتقن يفرض على الآخرين متابعته والترويج له، وهنا يكمن الدور الأكبر لأصحاب المحتوى أي العمل على التحضير والابتكار والإنتاج بجودة ودقة.
كيف يمكن للمرأة المسلمة ان تقدم نفسها على وسائل التواصل الاجتماعي بحجابها وشخصيتها؟
كما تقدم نفسها في الحياة اليومية في بيتها أو عملها أو مع محيطها وغيره بحسب الدور الذي تؤديه. فالضوابط الأخلاقية والشرعية التي تخضع لها المرأة المسلمة في حياتها العادية لا تختلف عن تلك التي تحيط بعوالم التواصل الاجتماعي. نعم، في بعض الأحيان نلحظ أن بعض النساء أو الفتيات لا يدركن أن للشاشة والصورة خصوصية تختلف عن الحياة الواقعية، وتختلف أيضا عن الوقوف أمام المرآة، ولذلك نراهن يتصرفن بعفوية غير محبذة. أنصحهن بالخضوع لدورات إعلامية ودورات خطابية تتيح لهن تطوير مهاراتهن التواصلية عبر منصات التواصل الاجتماعي. كما انصحهن بمتابعة الإعلاميين المتخصصين وملاحظة أدائهم على شاشات التلفاز
وغيره.
ما هي الضوابط التي يجب على المرأة المسلمة مراعاتها على وسائل التواصل وفي نفس الوقت تحافظ على هدفها من اي منشور تريد تقديمه بقالب اسلامي للمتابعين؟
عدم الافراط باستخدام الفلاتر البصرية، التكلم بوقار، الابتعاد عن العفوية المفرطة، التواصل الخلوق مع الآخرين، تفادي الهزل مع المتابعين... أي مراعاة الحشمة والضوابط الأخلاقية التي يظهرها الحجاب الإسلامي. فالحجاب الإسلامي ليس مجرد لباس وغطاء من قماش، بل هو كبطاقة الهوية التي تعرف المرأة على أنها امرأة مسلمة تخضع لقانون الأخلاق الإسلامية وتحترمه.
هل يمكن اعتبار وسائل التواصل منبرا اعلاميا اجتماعيا كاي وسيلة اعلامية اخرى؟
طبعا هي كذلك. بل المستقبل لها. كل التوقعات تشير إلى أنها هي الوجه الجديد لعالم التواصل والاعلام والعلوم والعمل وغيره. وأن السنوات المقبلة ستشهد تطورا ملحوظا في عوالم الذكاء الاصطناعي. وعلينا أن نكون على جهوزية تامة لذلك.
تخضع هذه القضايا لما يعرف بالترند. أي أن قضية ما تكون مطروحة في وقت كذا، تصبح رائجة فيشاركها الجميع، ثم ينتهي الترند، ثم تعاد الكرة مع موضوع آخر بعد أن يصبح الموضوع السابق في دائرة النسيان. كما تخضع هذه القضايا لحالات الجدال والنقاش الذي يتصف غالبا بالعقم والانفعال. هنا تطرح إشكالية النخبوية على هذه المواقع، فبعد أن كانت المواضيع والقضايا تناقش في الصحف والبرامج التلفزيونية والكتب، أصبحت معروضة للنقاش على مواقع التواصل وصار بإمكان الجميع المشاركة بذلك حتى أولئك الذين لا يملكون أدنى حدود المعرفة أو الدراية. وقد لوحظ أيضا أن هذه العبثية أجبرت النخب في بعض الأحيان على التراجع او الانكفاء عن هذه المنصات.
ومع تضاعف النشاط التواصلي والإعلامي على هذه المنصات وتطور دور الاعلام، وخفوت ضوء الوسائل الإعلامية التقليدية، وعدم قدرة النخب على مواكبة التطور التكنولوجي، أصبح وجود بعض النخب خجولا جدا وغير مطابق للمعايير التقنية لهذه المنصات.
إن هذه المنصات ليست منصات عفوية كما تبدو، بل تخضع لضوابط ومعايير معينة، وتخضع لأجندات أيضا. كما أن دائرة المؤثرين العالمين سرعان ما تتحد للترويج لقضية ما. شاهدنا سابقا كيف اتحدوا دعما لقضية مهسا أميني، وكيف يروجون بغالبيتهم للشذوذ الجنسي، وكيف وظفوا كل جهودهم لتسييل القضية الفلسطينية في الأحداث الأخيرة في غزة لتبدوا مجرد ترند يستطيع من خلاله الشباب التعبير عن ذواتهم دون أن يكون لهم أثر يذكر على أرض الواقع... القضايا توظف على هذه المنصات لكن ليست قضايانا.
قضايانا إن وظفت تتسم بالعفوية والتلقائية أو يتم حجبها أو تخضع للعقوبات فما هو الحل؟
لا بديل عن العمل على أرض الواقع. تعزيز الأدوار الفاعلة في الحياة اليومية، وتعزيز ثقافة العمل والإنتاج هي الحل. وتعزيز التثقيف والتعليم وتطوير القدرات للافراد امر ضروري.
أما منصات التواصل فعلينا أن نوظفها بالشكل الذي يخدم عملنا الواقعي باعتبارها منصات إعلامية ودعائية. وعلينا ان نتواجد عليها وأن نتخصص بها، انما ليس بعفوية ولا اندفاعية ولا عبثية. لاشيء عفوي.