في رحيل عالم الفقه والفكر والمقاومة والأدب والشعر
العلامة عفيف النابلسي.. أديب وعالم وحدوي آثاره خالدة
علماؤنا لهم مكانة خاصة في أي زمان ومكان، ولكن للبعض دور هام، وخاصة عندما يتزين بميزات خاصة ويكون عالماً وأديباً ومقاوماً ويسكن القلوب، ففقدانه يكون أليما ومنهم العلامة الشيخ عفيف النابلسي.
توفي رئيس هيئة علماء جبل عامل العلامة الشيخ عفيف النابلسي، بعد حياة صاخبة، وحافلة بالعطاء والإلتزام والإستقامة والتدين والتدريس والتبليغ والإرشاد والإستنهاض وكل ما يفعله الكبار، فقالوا عنه: هو من رعيل العلماء الكبار البارزين المرابطين على ثغور الأمة، والأرض، وقضايا الإنسان.
الشيخ عفيف النابلسي يطوي مسيرة حافلة بالعطاء، وتبقى آثاره الخالدة التي تنير الدرب للآخرين، كان العلامة النابلسي هو الحارس الأمين على فكرة الوحدة بين المذاهب الإسلامية والحريص على ترسيخها دائماً وأبداً، كونه من أبرز العلماء الكبار الذين أسسوا لهذا المسار، وعملوا على هدم الجدران الوهمية بين الشيعة والسنة، وكان سبَّاقاً أيضاً في وضع الأُسس الأولية للمشروع التنويري الحقيقي القائم على الإعتدال، وترشيد البوصلة الجهادية في اتجاه العدو الحقيقي والوجودي للدين والأمة وللإنسان.
سيرته هي شهيرة وهو غني عن التعريف، يعرفه الجميع، درس على الطريقة التقليدية لأبناء جيله فحفظ القرآن الكريم، وظهرت لديه موهبة الشعر باكراً، فنظم القصائد في العامية والفصحى. وكان من أوائل المترددين على الإمام موسى الصدر حينما وصل إلى لبنان، والتحق بمعهد الدراسات الإسلامية الذي أسسه الإمام في مدينة صور.
له مواقف مهمة فيما يتعلق بالحوار مع الغرب وقضايا حقوق الإنسان والمرأة والعدل والسلام في العالم وكان من العلماء البارزين في مجال الفقه والفكر والمقاومة.
آثاره الخالدة
للعلامة الشيخ عفيف النابلسي عدد كبير من المؤلفات، منها: فقه الأئمة عليهم السلام (6 مجلدات)، فقه أهل البيت (ع) (2 مجلد)، فقه الجهاد، القواعد الفقهية، الأصول العامة لـ "علم الحديث" و "علم الرجال"، حوارات عقائدية هادئة، المواريث على فقه الامامية، الإجتهاد والتقليد، تحديات الوحدة وثقافة الحوار، على طريق الحياة كلمات في السياسة والدين، النبي محمد (ص) حاضن أهل الكتاب وحاميهم، الامام موسى الكاظم (ع) عرض وتحليل، الامام علي الرضا (ع) عرض وتحليل، الكلمة الزاهرة في العترة الطاهرة، بحوث في شخصية الامام الخميني (قدس)، علاقة المسيحيين بأهل بيت النبي (ص)، صلاة الجمعة في عصر الغيبة، مشاهدات وتجارب، لقطات من سيرة الامام موسى الصدر، ظرائف وطرائف، اشراقات كربلائية، حاجة المبلغين، زيد بن حارثة ربيب النبوة، خفايا وأسرار من سيرة الشهيد محمد باقر الصدر، ومضات مشرقة من تاريخ علماء جبل عامل، شذرات مضيئة- صفحات من وحي التبليغ وماضي الذكريات، نظرات ورؤى في قضايا المرأة، طريق العروج إلى الملكوت (شرح رواية عنوان البصري، أوراق متناثرة (مقالات في الدين والمجتمع والسياسة)، المسك الفواح لتطييب القلوب والأرواح، الأربعون حديثاً، شعر الخلود والهاشميات هديل في ازاهر امير المؤمنين (ع)، قصائد للمقاومة والشهادة (نفحات عاملية)، خمينيّات، ملحمة الزهراء (ع)، إخوانيات، ملحمة الامام الصدر، وفيما يلي نتطرق إلى بعض مؤلفاته الأدبية وكتاب في الوحدة والحوار، كأنموذج من نشاطاته الثقافية وهو من البارزين في مجال التأليف والمقاومة والوحدة.
المسك الفواح لتطييب القلوب والأرواح
كتاب "المسك الفواح لتطييب القلوب والأرواح"، لـلراحل العلامة الشيخ عفيف النابلسي من إصدارات دار المحجة البيضاء للطباعة والنشر والتوزيع، واختار العلامة هذا العنوان لكتاب يجمع فيه أجمل القصص والنوادر والطرف والملح والطرائف والظرائف وتيمناً بقول الإمام علي (ع): "إن كتاب الله أحسن القصص وأصدق الحديث" وكما ورد عنه عليه السلام: "إن القلوب تمل كما تمل الأبدان فابتغوا لها طرائف الحكمة".
وفي هذا السياق يختار العلامة النابلسي من بطون الكتب الفريدة في موضوعاتها، الشيقة عند قراءتها، الهادفة في معناها ماورد عن علماء المسلمين ممن اهتموا بالأدب والعلم والدين والفلسفة أمثال كتاب "العقد الفريد" للأندلسي، و "الأمالي" لأبي علي القالي، و"الأمالي" للشريف المرتضى وغيرها، ويقدمها للقارئ كونها تحتوي كما يقول: "وفي هذه الكتب على ملاحتها كثير من الفوائد العلمية والإنشراحات العرفانية وقصص علمائنا الأبرار وأسرار أهل المعرفة ولطائف أصحاب الذوق، كما فيها ظرائف أهل الفن وفلتات لسان الشعراء وغزليات أولياء الله وألغاز أصحاب الحيل- كما فيه الحديث عن الفرائض وعلوم الميزان والفقه والجدليات الفكرية والمذهبية.. هي صفحات اعتصرها فكرنا، وهذبها قلمنا، التزاماً بالأدب الملتزم الذي ننهجه، واعتصاماً بالفضل الذي نسلكه.. فكان الكتاب قطعة أدبية وقصة أخلاقية ومدرسة فكرية ولطائف نورانية..".
إشراقات كربلائية
كتاب"إشراقات كربلائية" للعلامة الشيخ عفيف النابلسي من إصدارات دار الهادي للطباعة والنشر، جاء في تعريف الكتاب: "هذا الكتاب جزء من المكتبة العامة التي كتبها العلماء بمدادهم والشعراء بقرائهم والشهداء بدمائهم يتكامل مع الثقافة الحسينية، وهو يمتاز بأنه توجه جديد عالج الفكر المستوحى من عصمة الامام الحسين (ع) معالجة علمية وأخلاقية تنسجم مع إشراقة الحسين (ع) وسموه النفسي وهو إظهار لقدرة الإمام الحسين (ع) على صناعة الأبطال في أحرج الأوقات وأدقها وله عليه السلام من جاذبية الروحية وأخلاقه المعنوية العالية ما تجعله من أكابر أهل الكشف والعرفات.
كما فيه مقدمة منسجمة مع موضوعها ونرى أيضاً قدرة أصحاب الحسن على الإلتحاق بسيدهم بسرعة مذهلة وكأن استعدادهم الكامن في أعماقهم كان بحاجة إلى مفتاح فكانت كلمات الحسين (ع) هي المفتاح السحري الذي جعلهم يخلعون لباب الأبدان".
علاقة المسيحيين بأهل بيت النبي (ص)
كتاب " علاقة المسيحيين بأهل بيت النبي (ص)"، من تأليف العلامة الشيخ عفيف النابلسي ومن إصدارات دارالهادي للطباعةو النشر، جاء في تعريف الكتاب: "يشاهد في تاريخنا المعاصر نماذج من الكُتّاب تكتب في اهل البيت عليهم السلام، وتؤلف مؤلفات ما استطاع الكتّاب عبر عصورهم أن ينتجوا مثل هذا النتاج شعراً ونثراً وفلسفة وأدباً وتحليلاً للتاريخ وفهماً للنصوص ومحاكمة للكتاب والمؤرخين عالم خلف عالم وعلامة بعد بحاثة وهكذا المرء يحار أمام هذه الظاهرة.
ما هو السبب الذي جعل المسيحيين وعلماءهم يهيمون في أهل بيت النبوة عليهم السلام وينشدون فيهم الأشعار الجزلة والفخمة ويحللون أيامهم وثقافتهم كأحسن ما يكون على
أميرالمؤمنين (ع).
حول هذا الموضوع يدور البحث في هذا الكتاب والتي يقدم فيه المؤلف لمعة مختصرة يبين فيها الأسباب التي جعلت المسيحيين يحبون أهل بيت النبي (ص)، والدوافع الكامنة وراء حماية علي(ع) للمسيحيين قانوناً وسلوكاً وتطبيقاً، كما ويشرح المؤلف في هذه الدراسة موقف الإمام العادل مع المسيحي العادي من الناس، وموقف الرهبان النصارى من الإمام علي (ع).
الديوان الكامل للعلامة النابلسي
صدر عن دار فيلوسوفيا الديوان الشعري الكامل لسماحة العلامة الشيخ عفيف النابلسي 2020 م، الذي يحتوي على قصائد قديمة كان العلامة قد كتبها في مطلع شبابه ثم ما كتبه عندما كان تلميذاً في صور والنجف الأشرف وفيها ما يدور في ذهن الشاعر من أحلام وتطلعات واختلاجات ثم المرحلة اللبنانية حيث الاجتياح الصهيوني ومعاناة الجنوبيين وبروز المقاومة كمدافع عن لبنان وصولاً إلى الفترة الأخيرة التي قضاها سماحته ينظُم القصائد في رثاء ومديح أهل البيت عليهم السلام.
في مقدمة الديوان كتب الإعلامي والأديب عبد الحسين دهيني التالي: "ديوان، بل ستة دواوين في ديوان، وأكثر من مائة وثمانين قصيدة لا تشبه غيرها، لأنها ذات صفات خاصة بها لا يشركها فيها سواها من القصائد: هي أولاً جادت بها قريحة عالم علم، بل عالم في الفقه والفكر والمقاومة والأدب والشعر، لا يمكن للمرء أن يغض الطرف عن مؤلفاته ومواقفه ودروسه وذلك الصرح الذي شيّده في صيدا وتحنو عليه السيدة الزهراء عليها السلام سيبقى على مر الزمن صرحاً إسلامياً فكرياً تربوياً حوزوياً أعطى وسوف يبقى يعطي للإسلام والمقاومة فيضاً من المداد والدماء لإعلاء رايته وتقوية شوكته، هو سماحة العلامة الشيخ عفيف
النابلسي.
وهو ثانياً شعر العلامة النابلسي من عيون الشعر، جميلةٌ مفرداته، بديعٌ قوامه، صلبٌ عوده، يصطف إلى جانب أمهات القصائد التي نقلها التاريخ لكبار الشعراء وبقيت خالدة على مر الزمن، لم يترك الشيخ عفيف باباً من أبواب الشعر إلا طرقه، ولا غرضاً من أغراضه إلا نظم فيه، في ديوانه هذا المديح والرثاء والوصف والغزل والحماسة واللطائف والإخوانيات وغيرها.
تحديات الوحدة وثقافة الحوار
كتاب " تحديات الوحدة وثقافة الحوار"، نافذة إيمانية وقيمية تُعرّف القراء على مواقف وآراء سماحة الشيخ "عفيف النابلسي" وفيه يتطرق إلى مسألة الإجتماع الإنساني في مكوناته الدينية والعرقية والمذهبية والسياسية، حيث يطل سماحته على الموقف الإسلامي النابع من حرية التفكير وحرية التدين تحت سقف الإيمان والإلتزام بالقيم السماوية، وكذلك في دعوته إلى ثقافة الحوار والتعايش والأخوة الإنسانية المنفتحة، التي لا ترضى بالحواجز الطائفية والمذهبية والسياسية ونحو ذلك مما يعقد العلاقات الإنسانية بين أتباع الأديان بين بني البشر.
يعتبر الشيخ النابلسي أنه من الضروري " ... أن يحمل المشروع الإسلامي بالإضافة إلى هموم الواقع تحليلاً للحقائق والوقائع، واستجماعاً لاحتياجات الأمة المادية منها والفكرية والثقافية والنفية والإنسانية (...) وأن يتأسس فكر ديني متجدد مفتوح على السياسة بانشغالاتها وأشكالها المتعددة ووظائفها ووسائلها المتبدلة والمتنوعة للإطلالة على المستقبل بفكر مستقبلي سليم ...".يبقى أن نشير إلى أن هذا الكتاب مقسم إلى أربعة أقسام، القسم الأول: منتخب من استقبالات الشيخ النابلسي، والقسم الثاني: بعض المواقف والتصاريح، والقسم الثالث: المقالات، والقسم الرابع: بعض المقابلات التي أجريت معه.