آية الله بهبهاني رائد الحركة الدستورية وشهيد التحرر من الاستبداد
السيد عبدالله بهبهاني؛ من الوجوه الشهیرة لعائلة بهبهاني العریقة
عائلة بهبهاني هي إحدی العائلات العریقة في مجال العلوم الدینیة والفقه في البلاد، إذ انتشر ثمار هذه الشجرة الطیبة والمجاهدة و ذات الأخلاق النیرة والطیبة في مدن النجف الأشرف والبصرة وخرمشهر وبوشهر وشيراز وطهران والعدید من المدن الإیرانیة الأخری.
ومن الوجوه الشهيرة والممیزة لعائلة بهبهاني العریقة، هو السيد عبدالله بهبهاني، نجل السيد إسماعيل بن السيد نصرالله ، بن محمّد شفيع الموسوي الغريفي البهبهاني، من ذرية السيد عبدالله بلدي. أصل عائلة بهبهاني من البحرين، وينحدر كثير من العلماء من هذه الأسرة. بعد سيطرة الخوارج على البحرين، واضطهادهم للشيعة، وخاصةً علمائهم، هاجر أجداد السيد عبدالله وغيره من كبار علماء الشيعة من البحرين إلى إيران والعراق، كما هاجر جد بهبهاني السيد عبدالله بلدي، إلى إيران ومدينة بهبهان. ولد العالم والفقیه السيد عبد الله بهبهاني، المجتهد وأحد القادة الروحيين للحركة الدستورية الإيرانية، في النجف الأشرف عام 1256 م، وذکر البعض أن تاريخ ميلاده في 1257م، 1260 و 1262 مـ.
والده سيد إسماعيل، ولد في بهبهان عام 1229 هـ ، وبعد أن تلقى دروسه الأولية في مسقط رأسه ذهب إلى النجف الأشرف واستفاد من وجود معلمين مثل الشيخ مرتضى أنصاري صاحب "الجواهر" والشيخ حسن آل کاشف الغطاء. وفي عام 1287 هـ ، بناءً على طلب ناصر الدين شاه، جاء إلى طهران ودرّس العلوم الدينية. وتوفي في طهران عام 1295 م ونقل جثمانه إلى النجف الأشرف.
السید عبدالله بهبهاني بعد أن تعلم القراءة والكتابة، بدأ دراسة العلوم الإسلامية، وبعد أن أنهى العلوم والمقدمات الابتدائية، درس السطوح والأبحاث العالیة علی ید كبار العلماء والفقهاء مثل الشیخ مرتضی أنصاري والحاج ميرزا حسن شيرازي وآية الله السيد حسين كوه كمري والشيخ راضي النجفي والسيّد حسين الترك والشيخ حبيب الله الرشتي، وبعد حصوله على إذن الاجتهاد في العلم. انتقل عام1295 هـ إلى إيران واستقر في طهران، وحل محل والده من جهة المکانة الدينية والاجتماعية والزعامة الدينية، وأصبح له شأن واعتبار بين الأوساط الروحية والحكومية والشعبية، وشارك في الحياة السياسية بالمطالبة بالدستور، فضيّق عليه وهجّر وجرت له أُمور ووقعت وقائع يطول شرحها حتى استشهد في منزله. كتب آية الله السيد عبدالله بهبهاني مجموعة رسائل فقهیة، وهي 20 رسالة (و ذکر البعض أنها 25 رسالة)، كل منها يتعلق بموضوع فقهي واحد.
الخصائص الأخلاقية لآية الله بهبهاني
كان آية الله بهبهاني منخرطاً في أداء الواجبات الدينية والمذهبیة في طهران وحل المشكلات الاجتماعية للمجتمع. وكان شخصیة اجتماعية، وكلما تواصل معه شخص محتاج، حاول حل مشكلته بأفضل ما لديه. وكان مهتماً بمساعدة الناس في المشاکل وعند الحاجة، و کان ملتزماً أشد الالتزام بالقوانین والمقررات. کما كان آية الله بهبهاني رجلاً شجاعًا و قويًا وذا إرادة راسخة، وعندما ینطلق في طريقٍ ما، یمضى قدماً دون تردد أو ضعف، وبشجاعة من أجل الوصول إلى الهدف. لم تكن كلمة الخضوع في قاموس حياته ولم يُظهر الضعف أبداً.
السيد عبدالله بهبهاني؛ من قادة الثورة الدستورية
يُعد السيد عبد الله بهبهاني من الشخصيات المهمة في "الثورة الدستورية" التي يعتبره البعض قائد هذه الثورة والبعض الآخر يعتبره أحد قادتها. و حول دور وأداء آیة الله السید عبد الله بهبهاني في الحركة الدستورية، يتفق جميع المؤرخین تقريباً على موقع آیة الله بهبهاني المتفوق والریادي في انتصار الحركة الدستورية. ومن الأحداث التي تسببت في تسريع الحركة الدستورية آنذاک، هي قضیة " مُسيو نوز" المسؤول البلجيكي في الحکم. فلقد وجّه الاتفاق الجمركي مع روسيا وتعيين البلجيكي "مسیونوز" رئيساً للجمارك الإيرانية ضربةً قوية لاستقلال إيران السياسي والاقتصادي. تسبب هذا الاتفاق في استياء شديد للشعب والقادة الدینيون، وأجبر معارضي الحكومة الاستبدادية على التفكير في طریق للحل.
في الوقت نفسه، تم تداول صورة ل "مسيونوز" بملابسٍ دينية. بعد نشر هذه الصورة ظهرت وبشکلٍ واضح معارضة للحكومة الاستبدادية. آية الله بهبهاني، وفي خطابٍ ألقاه من منزله، أدان هذا الفعل الذي قام به "مسيونوز" ، وطلب من مظفر الدين شاه إقالته.
على الرغم من معارضة آية الله بهبهاني وغيره من العلماء والقادة الدينيين والمثقفين لأفعال وأعمال "عين الدولة" القاسية، لم يحدث أي تغيير في إدارة البلاد، وحتى تم تعيين "مسیونوز" البلجیکي كرئيس لوزارة البريد والبرق، بالإضافة إلى رئيس الجمارك. ومنذ ذلك الوقت، بدأ آية الله بهبهاني صراعه الشامل مع الحكومة الاستبدادية. لذلك بعث برسالة إلى علماء ورجال الدين في طهران دعاهم فيها إلى التعاون ضد هذه الحکومة المستبدة.
دور آية الله بهبهاني في النضال ضد الاستبداد
أدى قمع الحكام والولاة المحليين في مختلف المدن إلى زيادة حماس الناس للقتال ضد هذه الحكومة الاستبدادیة ؛ ومع ذلك، أدت أحداث مثل بناء بنك القرض الروسي في مقبرة قديمة وإغلاق البازار إلى تأجج الصراع. وتجمع الناس في المسجد احتجاجاً على هذه الأعمال، فقامت القوات الحكومية بعدما تبين لها خطورة الوضع بمحاصرة المسجد والاعتداء على هذا المبنى الديني. وقرّر آية الله بهبهاني وآية الله طباطبائي اللجوء إلى مرقد السيد عبدالعظيم حسني (عليه السلام) لمنع إراقة الدماء. صدر هذا القرار بتاريخ 16 شوال 1323 م. وأبلغ المتظاهرون المتشددون الحكومة بمطالبهم وأهمها إنشاء دار عدالة لمنع القهر والظلم. وأمام هذه المقاومة والاستمرار في الاعتصام والنضال، رضخ الحاكم آنذاک لمطالبهم، وبإعلان الاتفاق علی تلبیة مطالب المعتصمین، عاد آية الله بهبهاني ورجال دين آخرون إلى المدينة.
"عين الدولة"، الذي استغل ضعف الشاه وأصبح زعيماً سياسياً ، وجد تحقيق مطالب المقاتلين ضد مصالحه، فرفض تنفيذ هذه المطالب وواجه المقاتلين بقوة أكبر.
لذلك ، تم تعیین "نير الدولة"، الذي كان شخصاً مستبداً وظالماً، حاکماً لطهران بدلاً من علاء الدولة، إذ قام بنفي سيد جمال الدين واعظ إلى مدینة قم واعتقل الشيخ محمد واعظ، لمنع القتال. و زاد هذا التصرف من غضب الأهالي واستيائهم، وهاجموا محل سجن الشيخ محمد للإفراج عنه، وفي هذا الصراع استشهد أحد الطلاب باسم سيد عبد الحميد.
وعلى إثر شهادته، أغلق السوق. في الأثناء ذهب كل من آية الله بهبهاني وآية الله السيد محمد طباطبائي إلى منزل آية الله الشيخ فضل الله نوري وطلبوا منه مرافقتهم في النضال. ووعد الشيخ فضل الله نوري بالتعاون، وبهذه الطريقة توحد رجال الدين في طهران في محاربة الحكومة الاستبدادية.
كلمات آية الله بهبهاني عززت قلوب الناس ومثابرتهم، واستمرت المقاومة والمثابرة. هددت الحكومة المقاتلين وطلبت منهم إنهاء الاعتصام. قال آية الله بهبهاني وآية الله طباطبائي إما الموافقة على مطالبنا أو السماح لنا بمغادرة المدينة والذهاب إلى النجف وكربلاء.
على أمل أن تنخفض معارضة الحكومة مع رحيل القادة الدينيين، سمحت لهم الحكومة بالرحيل، وذهب آية الله بهبهاني، إلى جانب زعماء ورجال دين آخرين، إلى مدینة قم، و قاموا بالاعتصام في مرقد السیدة المعصومة (سلام الله علیها).
الاعتداء على البرلمان واعتقال آية الله بهبهاني
محمد علي شاه، الذي أصبح ملكاً بعد وفاة والده ، لم يكن یقبل القانون بسبب مزاجه الاستبدادي؛ ولكن مع تظاهرات أهالي تبريز وطهران ومدن أخرى، ودعم علماء النجف للدستور، وافق ووقع عليه في 29 شعبان عام 1325 هـ، لكنه كان لا يزال يحاول الانتقام والإطاحة بأساس الحرکة الدستورية. ولتنفيذ أهدافه الشريرة ، أعدّ القوات الحكومية واختار الروسي "لياخوف" كقائد لها، وهاجمت القوات الحكومية بتاريخ 13 جمادي الأول عام 1326 هـ، البرلمان تحت قيادة الروسي "لياخوف".
عندما انتشر خبر الهجوم على المجلس في المدينة، توجه آية الله بهبهاني برفقة آية الله طباطبائي إلى المجلس لمنع الصراع وإراقة الدماء، لكن القوات العسكرية التابعة للحكومة لم تلتفت إلى كلام أحد واشتبكت مع قوات المجاهدين الذين لم تكن لديهم القوة الكافية للقتال تراجعوا وسقط المجلس في أيدي القوات الحكومية. في هذا الصراع قُتل عدد من رجال الحرکة الدستوریة. في الأثناء اجتمع آية الله بهبهاني مع مجموعة من القادة الدینیین والدستوريين الآخرين في حديقة أمين الدولة، وهاجمت القوات الحكومية هناك واعتقلت آية الله بهبهاني، وآية الله طباطبائي، ونجل آية الله بهبهاني، وأصیب آیة الله بهبهاني ونجله سيد محمد بهبهاني، بجروحٍ خطيرة، وبعد أيام قليلة تم نقلهم إلى محمد علي شاه، الذي عاملهم بعنف وأهانهم.
آية الله بهبهاني، الذي كان أسيراً في يد ذلك الرجل القاسي والمستبد، قال بشجاعة فطریة التي کان یمتلكها: "اقتلونا ؛ لكن لا تتحدث معنا بقلة احترام ".هزّ هذا الخطاب الملك المستبد، فغير لهجته وتحدث إليهم بلطف. و بعد مرور عدة أیام، تم نفي آیة الله بهبهاني، الذي أثار غضب محمد علي شاه واستياءه، إلى كرمانشاه ومن هناك ذهب إلى مدينة النجف الأشرف.
استشهاد آیة الله عبداله بهبهانی
بعد فتح طهران من قبل الدستوريين، تم تشكيل الأحزاب في البلاد وحاول كل حزب الاستيلاء على البرلمان والحكومة. الحزب الديمقراطي والحزب المعتدل، كانا الحزبين الرئيسيين في هذه الفترة من تاريخ البلاد، وتقي زاده ورجال آخرون ينتمون إلى الدول الأجنبیة كانوا من قيادات الحزب الديمقراطي، ومن جانب آخر آية الله بهبهاني(الذي عاد من النجف الأشرف إلى إيران) وآية الله طباطبائي ومعظم رجال الدين والعلماء الكبار كانوا أعضاء أو مؤيدين للحزب المعتدل. اختلفت آراء رجال الدين، ولا سيّما آية الله بهبهاني وآية الله طباطبائي، جوهرياً مع آراء الديمقراطيين، ما تسبب في خلافات وصراعات داخل البرلمان وخارجه، وجعل الوضع في البلاد متوتّراً.
کان یحاول الحزب الدیمقراطي إبعاد علماء الدين من مسرح إدارة البلاد. وحظي رجال الدين والعلماء للحركة بدعم الملا "أخوند خراساني" والشيخ "عبد الله مازندراني" وعلماء آخرين من النجف الأشرف .وأصدر رجال الدین والعلماء، الديموقراطيين، بيانات أكدوا فيها أن ما عنوه بالحرية هو التحرر من طغيان المسؤولين الحكوميين وعدم الخروج عن الالتزامات والواجبات الإلهية والدينية وعندما أدركوا أن أقوالهم لیس لها أي تأثیر في التغيير، صوتوا علی فساد مسلک وسياسة "تقي زاده" والديمقراطيين.
أثار هذا التصويت لعلماء النجف الأشرف، غضب وكراهية الديمقراطيين. واعتبروا أن"آیة الله بهبهاني" هو السبب في هذا الإجراء، وإلى جانب ذلك أن "آیة الله بهبهاني" وبسبب نفوذه الاجتماعي، منع الديمقراطيين من تحقيق أهدافهم، لأنهم كانوا ضد الحکم الاسلامي. وهكذا اتحد معارضو الحكم الإسلامي، ومعظمهم من الحزب الديموقراطي.
استطاع "تقي زاده" والذي كان مفتوناً جداً بالثقافة الغربية، عبر هذا التحالف، أن يجلب معه "حيدر عمو أوغلي" ، الذي نشأ في القوقاز وكان مقرباً لروسيا آنذاك. وأخيراً یروی عن قيام قوات بقيادة "حيدر أوغلي" في ليلة 9 رجب سنة 1328 هـ، بمهاجمة منزل "آية الله بهبهاني" ، نتج عن هذا الهجوم استشهاد هذا المجاهد الدؤوب الذي ضحى بحياته ضد اضطهاد الحكومة الاستبدادية وعانى کثیراً من السجن والنفي والتعذيب.
عندما انتشر خبر استشهاد "آية الله بهبهاني" في المدينة، توقف الناس عن العمل وتوجهوا إلى منزله الذي لم يستطع استيعاب كل هذه الجموع، فتجمع الطلاب والعلماء والنقابات الأخری ومجموعة من المجاهدین، في مدرسة "مروي" .في الأثناء حضر سيد "محمد بهبهاني" ، الابن الأكبر "لآية الله بهبهاني" ، وسط حزن الآلاف من الناس الذين تجمعوا هناک.
وتجمهر آلاف الأشخاص حول منزل "آیة الله بهبهاني"، وساد خوف من أحداث مؤسفة، لكن السید محمد نجل "آیة الله عبد الله بهبهاني" أطفأ نار الفتنة وحافظ على سلام المدينة.
وخاطب السيد محمد حشود الناس قائلاً: "علینا أن نستسلم لما قدر الله وقضی، استمر المرحوم بهبهاني في طريق خدمة شعب الله حتى المرحلة الأخيرة وحقق الدرجة العالية من الاستشهاد. أطلب منكم الهدوء وتجنب الفتنة والانتقام".
هذه الكلمات التي أظهرت الحنکة واليقظة والإيمان بالحقيقة وعظمة التسامح من قبل نجل "آیة الله بهبهاني"، بردت من نار غضب الناس وبغضهم وحالت دون اندلاع حرب وسفك دماء في طهران. ورغم ذلك أغلقت الأسواق لمدة يومين ونعاهم الناس في المساجد والحسینیات.
ووري جثمانه الثری في طهران أوّلا، ثمّ نقله ولده السید محمّد إلى مدينة النجف الأشرف ودُفن في العتبة العلوية.