العصف المأكول : المقاومة تقلب موازين القوى
يصادف في هذه الأيام الذكرى السنوية التاسعة للحرب الأخيرة التي شنها العدو الصهيوني على قطاع غزة صيف 2014، فلقد شنّ الاحتلال عدواناً واسعاً على قطاع غزّة تحت اسم "الجرف الصامد"، بعد سلسلة من الجرائم في القدس والضفة الغربية والداخل الفلسطيني، اذ حرق الاحتلال الطفل محمد أبو خضير من شعفاط (القدس)، وإعادة اعتقال أسرى محررين في صفقة "شاليط" بالإضافة الى دهس فلسطينيين في حيفا المحتلّة.
مجازر الاحتلال
نفّذ الاحتلال حوالي 60 ألف و664 غارة في مناطق متفرقة من القطاع، أدت الى استشهاد 2322 فلسطينيًا، بينهم 578 طفلاً و489 امرأةً (20-40عاماً)، و102 مسناً و64 لم يتم التعرف على جثامينهم لشدّة الإصابات والحروق. وقد ارتكب الاحتلال 114 مجزرة بحق العائلات الفلسطينية ومنها مجزرة خانيونس" في اليوم الأول على العدوان والتي راح ضحيتها 11 شهيدا و28 جريحاً فلسطينياً.
المساجد في قلب المعركة: تدمير المقدّس
وقفت شامخة، فتكرر استهدافها. لم تتأثر بالصاروخ الأول فلحقه الثاني، لكنها لم تنهر. استهدفت بصاروخ ثالث فمالت على المنزل المجاور لها. إنها مئذنة مسجد «السوسي» في مخيم الشاطئ غرب مدينة غزة. لم يبق من هذا المسجد سوى المئذنة التي عانقت أحد بيوت الحي، فقد أتت عليه مقاتلات العدو ودمرته على غرار عدد كبير من المساجد في مناطق متفرقة من قطاع غزة.
سبق هذا المشهد بقاء مئذنة مسجد «الفاروق» في حي الشابورة في رفح، وأيضاً مئذنة مسجد «المحكمة» في حي الشجاعية شرق غزة. بقيتا واقفتين رغم الاستهداف، كأن تكرار المشهد في أكثر من حي يوحي بصمود ناسه ومقاومته.
وتضمن العدوان الصهيوني في عام 2014م على غزة تدمير مساجد أثرية في مناطق مختلفة عمرت لمئات السنين، وأهمها مسجد «المحكمة البردبكية» الذي صدحت مئذنته بالأذان لنحو 600 عام، ومسجد «الإصلاح» الذي شيّد قبل سنوات طويلة. وهناك بعض المساجد كانت قد قصفت في الحرب الأولى عام 2008 ثم أعيد إعمارها، لكن العدو عاود قصفها مرة ثانية في حرب 2012، ليعاد إعمارها لاحقاً، ثم قصفها في هذه الحرب.
رد المقاومة
أطلقت المقاومة الفلسطينية خلال 53 يوماً مئات الصواريخ التي غطّت المناطق المحتلّة كافة، واستهدف مرافق حيوية لدى الاحتلال منها مطار بن غوريون. وأعلنت عن صناعات عسكرية جديدة لم تقتصر على الصواريخ بمديات جديدة وطويلة بل أيضاً أدخلت سلاح المسيرات متعددة المهام ومحليّة الصنع (أبابيل). وتصدّت المقاومة لاقتحامات وتوغلات الاحتلال البرية بل وتمكنت من أسر جنود صهاينة. كذلك نفّذت المقاومة إنزلاً على قاعدة "زيكيم" البحرية العسكرية للاحتلال. وشكّات الانفاق رأس حربة عمل المقاومة.
المقاومة تقهر الوهم
بالمعنى العسكري والاستراتيجي، تتلخّص أمثولة حرب غزّة في العبارات المرتبكة التي قالها الجندي الصهيوني لصحيفة «هآرتس» إثر معركة الشجاعيّة: «إنهم يقفون ويقاتلون، هم لا يذوبون أمامنا كما في السابق".
للمرّة الأولى منذ عام 1948 يواجه الجيش الصهيوني، على أرض فلسطين التاريخيّة، قوّةً قادرة على «الوقوف والقتال»، وايقاع خسائر رهيبة في صفوفه، ورسم حدود لقدرته العسكريّة.
تغير المعادلات وانقلاب موازين القوى
قلبت معركة "العصف المأكول" التي خاضتها حركة حماس وجناحها العسكري الى جانب جميع الفصائل الفلسطينية في تموز / يوليو وآب / أغسطس من العام 2014 موازين القوّة مع الكيان المؤقت وثبّتت معادلات جديدة في 51 يوماً. وفي رسالته في اليوم 23 من المعركة وصّف قائد أركان كتائب القسام "محمد الضيف" الوقائع الميدانية وشرح تقدّم المقاومة مقابل إخفاقات جيش الاحتلال محدّداً هذه المعادلات، نذكر أهمها:
الأمن مقابل الأمن
قال الضيف في هذه الرسالة "لن ينعم الكيان الغاصب بالأمن ما لم يأمن شعبنا به"، فقد كثّفت كتائب القسّام من الرشقات الصاروخية التي ضربت عمق الاحتلال لتولّد ضغطاً عسكرياً في الجبهة الداخلية. وأطلقت "القسّام" 3621 قذيفة صاروخية، وأصابت "تل أبيب" بـ 109 صواريخ، والقدس المحتلّة بـ 19 صاروخاً، وحيفا المحتلّة بـ 8 صواريخ، واللد والرملة و"هرتزليا" و"وريشون ليتسيون" وصولاً الى بئر السبع. كذلك شمل بنك الأهداف المواقع الحيوية للاحتلال منها مفاعل ديمونا النووية بـ 12 صاروخاً ومطار بن غورين، وقواعد عسكرية لجيش الاحتلال، بالإضافة إلى عدد كبير من الصواريخ التي سقطت على مدن غلاف غزّة ومستوطناتها.
غزّة: مصيدة الجنود
بعدما فشل الاحتلال من تحقيق أهدافه عبر الجو وارتكاب المجازر بحق المدنيين، حاولت قوات الاحتلال اقتحام قطاع غزّة برياً فوقعت جنود وآليات الجيش في كمائن كتائب القسّام حيث نفّذت الأخيرة العشرات من عمليات الصد والاستدراج لقوات الاحتلال منها 22 عملية قنص، واستهدفت 91 آلية، وأطلقت 57 قذيفة مضادة للدروع و11 صاروخاً موجهاً. كما فجّرت 28 عبوة، وخاضت 38 اشتباكاً مسلحاً.
إلا أن المعضلة الأساسية التي وقعت بها مستويات الاحتلال الى جانب فشل أهداف الاقتحام البري هو تحوّل قطاع غزّة الى مصيدة لجنود الاحتلال حيث أسرت كتائب القسّام الجنديين هدار غولدن وشاؤول آرون ليبقى ثمن الاجتياح البري مستمراً الى اليوم ومطلوب دفعه في تنازلات صفقة التبادل القادمة.
ختاماً أثبتت كتائب القسّام خلال "العصف المأكول" القدرة والإمكانات لإدارة معركة شاملة في مختلف الساحات في البر والبحر والجو لـ " نؤكد جاهزيتنا واستعدادنا جيداً لهذه اللحظة، وأننا نعمل وفق سيناريوهات أعدت مسبقاً لا نتعامل بردة فعل" كما شدّد القائد العام محمد الضيف.