صناعة الانسان وأخطاء التربية المعاصرة
عزيز ملا هذال
کاتب
بين فرحة ولادة مولود جديد والهم الذي يحيط بالوالدين لتوفير مستلزمات الحياة لهذا الطفل تسقط الكثير من الاعتبارات سهواً او عمداً فلا يحسب حساب لها، ويستمر الامر دون ان تدرك نتائجه على المدى القريب لكنها تبدو واضحة فيما بعد ولات حين مندم.
يقول (واطسن) وهو أحد علماء النفس ومؤسس المدرسة السلوكية "أعطني اثني عشر طفلاً أصحاء، سليمي التكوين، وهيئ لي الظروف المناسبة لعالمي الخاص لتربيتهم وسأضمن لكم تدريب أي منهم، بعد اختياره بشكلٍ عشوائي، لأن يصبح أخصائياً في أي مجالٍ ليصبح طبيباً، أو محامياً، أو رساماً، أو تاجراً أو حتى شحاذاً أو لصاً، بغض النظر عن مواهبه وميوله ونزعاته وقدراته وحرفته وعرق أجداده"، هذه المقولة تعطي الانطباع الكامل عن كيفية صناعة الانسان وفي اي قالب يوضع سيظهر بهذا القالب من دون ادنى شك.
الاطفال يكونون كالطين الصناعي بيد الأهل ولهم الحرية والقرار في تنشئتهم تنشئة جيدة او جعلهم اناسا وضيعين تافهين لا يشتملون على معاني الانسانية من غياب الاهداف الى الضياع والى غير ذلك من امراض العصر ومشكلاته الكثيرة، لكون الطفل يكتسب العادات التي يتعود عليها والتقاليد التي ينشأ في وسطها.
هذه الفترة (فترة الطفولة) يطلق عليها علماء النفس اسم الفترة التكوينية لأن الإنسان يتكون فيها ويتحدد فيها ذكاؤه، وتتلخص اهمية مرحلة الطفولة في اكساب الطفل للعادات والتقاليد والقيم المتنوعة، فإن نشأ في أسرة سوية أصبح سويا والعكس هو الصواب.
لكن كلامنا لا يعني بالضرورة ان استحالة ان يعدل سلوك الانسان ذاتياً او محيطياً، فجميعنا لدينا القدرة في التخلص من طباعنا السلبية واكتساب طباع وقيم جديدة إذا امتلكنا التقرير قبله النية للتغير وبدون هذه النية لن يتغير شيء لكون الدافع النفسي غائب.
من الظلم الذي يتعرض له الاطفال انهم يمنحون كل ما يطلبون في فترة مبكرة جداً من حياتهم لكن هذا الدعم يتوقف بعد النزوة الاولى اما بسبب القصور عن التوفير او عدم وعي الحاجات الحقيقية له فيزج بهم في سوق العمل دون الاكتراث للنتائج التي تترتب على ذلك، وجميعنا يشاهد مثل هؤلاء الاطفال المظلومين اقول مظلومين لكونهم لم يختاروا طريقة حياتهم انما فرضت عليهم ووجدوا أنفسهم مجبرين لتقبل هذا الواقع والتعايش معه.
فنشاهدهم يجوبون الشوارع بحثا عن المال مقابل تلوثهم بأدران الشارع واكتسابهم لألفاظ غير لطيفة كما اتصافهم بالعدوانية نتيجة للظلم الذي وقع عليهم، ومن ذلك تنتج رغبة عارمة في الانتقام من المحيط لتعويض الحرمان والقهر، كما انهم حين يتركون في الشارع بهذه الكيفية سيتعرضون للعنف الجسدي والاستغلال بكل انواعه.
ومن الاخطاء الكارثية التي يمارسها الاهل في التربية سيما غير المتعلمين منهم انهم لا يعيرون اهتماماً لموضوعة دراستهم وتركهم يقررون بأنفسهم الاستمرار في الدراسة ام عدمه وبذا تنتج المجتمعات في كل مرة اجيالاً سطحية التفكير بسيطة العقول للحد الذي يجعلها تفكر في قوت يومها وحين تحصل عليه تكتفي به ولن تبحث عن غير ذلك وهي بذلك الى الحيوانات أقرب من الانسان للأسف.
كما يخطئ الابوان ايضاً حين يسلمون ابناءهم للأجهزة اللوحية والحواسيب وجميع اشكال التكنلوجيا لتربيهم هي كما تشاء ومن ذلك يلاحظ انسلاخ تام عن محددات وقيمه والانصياع لما يشاهد في العالم عبر الشاشات اللعينة التي اوصلت الطفل الى ان يكون بشخصية لا تشبه شخصيته الحقيقية بالمرة من حيث الألفاظ الغريبة والسلوكيات المستوردة وما اكثرها وأسخفها، وبهذه السلوكيات لا ينبغي ان نلوم الاطفال على افعالهم بل الاحرى ان نلوم ونحاسب من اوصلهم الى هذه الحالة السيئة، فهم ضحايا وليس سيئون في الغالب.
إذا كنت ترى نفسك غير قادر توفير مايليق بأبنائك من جميع متطلبات العيش الكريم فلا تأتي به الى دنيا المصاعب فالعمل ليس مبرراً لإجبارهم بترك تعليمهم فأنت المسؤول عنهم وهم في هذه المرحلة ليسوا مسؤولين عن شيء مادي ومسؤوليتهم الاهتمام بتعليمهم فقط، كما حري بك ان تحدث توازناً بين الواقع الذي يعيش الطفل وبين ما يراه في الاجهزة كي لا يكون اسيراً لثقافات وقيم دخيلة لا تمت الى واقعنا بصلة من قريب ولا من بعيد وهنا يمكن ان نجعل من ادميتهم محفوظة ومحترمة.