يومهُ تكريم للكلمة وكتّابها
القلم.. لغة العقل والمعرفة
الوفاق/ القلم لغة العقل والمعرفة وأداة للتعبير عن مشاعر البشر وأفكارهم وشخصياتهم. والاحتفال بالقلم هو احتفالٌ بالكتّاب والأدباء والمفكّرين الذين تركوا إرثاً للبشر يبني لهم حضاراتهم وتاريخهم. هو احتفالٌ بالحرف الذي أقسم به الله عزّ وجلّ في محكم كتابه، وبالكلمة التي كانت قبل كلّ شيء في هذا الوجود.
غير أنّ هذه المناسبة تختصّ بإيران، إذ لا يزال تاريخها غير معلوم بالنسبة للكثيرين. يُقال إنّ أحد ملوك ايران كان يكنّ احتراماً كبيراً لأصحاب القلم من أدباء وكتّاب فقرر أن يحدّد لتكريمهم يوماً في السنة فكان الخامس من تموز، الذي أقرّ أخيراً من قبل المجلس الأعلى للثورة الثقافية في إيران، ويصادف اليوم الأربعاء 5 يوليو/تموز، يوم القلم.
ما بين القلم والإنسان علاقة حميمة، تبدأ باكراً عندما يكون القلم من أغلى ممتلكات الطفل وأكثرها حضوراً في حياته اليومية ما بين البيت والمدرسة، وعندما يكبر الإنسان يبقى القلم في أقرب جيوب الملابس إلى القلب.
كلّ أنواع النمو والتقدّم والنصر والسلام والمعرفة والإعتراف، متأصّلةٌ في القلم. الحضارات، التجارب والعلوم على اختلافها محفوظةٌ في الكتابة ومن خلالها يمكن لأيّ شخص أن يمسك قلماً بين أصابعه ويكتب ما يخرج من خياله. القلم يكشف الحقائق، في الحقيقة، القلم معجزة أبدية، لأنه به بدأ التدوين، فكل ما قبله هو ما قبل التاريخ، وكل ما بعد ابتكاره هو ما نسميه التاريخ، فالقلم هو لسان البشرية، الراوية الخالد، والأداة الأساس في حفظ كل المعارف الإنسانية ونقلها.
وهو المتحدث، الباقية روايته بعد انقضاء العصور والآجال، لا يفنيها بليها تعاقب ُمرّ الأيام والسنين، ولا يُبليها تعاقب القرون.
أقسم الله به بالقرآن
القلم يعبّر عن صاحبه، فهو لسانه الصامت، الذي يتكلّم حبراً، وتسمعه العيون إذ تقرأ، ومداد القلم ليس بمحبرة ترافقه، وإنما مداده ما سال من عقل صاحبه فأوحى فيه من وحيه وأنار فيه من بصيرته، فالقلم يكتب ما يملى عليه من عقل صاحبه، ولا ننسى أن الله عز وجل قد أقسم في كتابه الكريم بالقلم حيث كانت السورة باسمه: "ن، والقلم وما يسطرون" (القلم /1و2)، وفي الراجح أن هذا الموضع هو الثاني نزولاً بعد مطلع العلق، ولا تستغرب أن يبدأ ربنا بنا أول أوامره بالقراءة، ثم يقسم بعد ذلك بالقلم وما يكتب الكاتبون.
فالكتابة عبر التاريخ هي وسيلة تعبيرية لما شكلته التجارب في عقول الخبراء والحكماء والمرشدين والمصلحين والعلماء، ولا كتابة بلا قراءة، وكما الترتيب في القرآن يكون الترتيب في شأن القراءة والكتابة، وكما نقل أحدهم عن "طه حسين"، أنه قال: "مشكلة كتابنا اليوم أنهم يكتبون أكثر مما يقرأون!".
إنّ قَسَم الله في القرآن بالقلم هو أفصح دليل على كرامته وقدسيته، ومن خلال إستعراض سيرة الرسول (ص) وأئمتنا عليهم السلام، يمكننا أن نفهم اهتمامهم بالكتابة من متونهم وسيرتهم.
كان هذا الإهتمام كبيراً لدرجة أنه كان يدفعهم أحياناً إلى إطلاق سراح أسرى الكفار. في صدر الإسلام، كان النبي (ص) بعد نهاية الحروب، يأمر بإطلاق سراح الأسرى الذين يعلّمون عشرة مسلمين القراءة والكتابة. كان هذا الفعل ولا يزال أجمل رسالة وأكثرها فاعلية للإعلاء من مكانة القلم والعلم في مجتمع محروم من الحضارة تلك الفترة.
للقلم أهمية خاصة ومكانة في نمو الحضارة الإنسانية وتطورها. ذلك أنّ ما يسطره المرء بواسطة القلم يبقى ويمتاز بالدقة والعمق، على عكس الكلمة التي تقال شفهياً حيث أنها تنسى مع الوقت وقد تتغيّر.
اللوح والقلم مفردتان تختزلان الوجود وعملية الخلق بأسرها، من هنا، نزلت الكتب السماوية لكلّ الأديان على شكل كلمات، ولولا القلم لما كان هناك وجود للقارئ ولا الكاتب، ولم تكن بينهما هذه العلاقة التي تنمّي الوعي وتساهم في صناعة الحضارات.
القلم وأهميتة في الحياة اليومية
تأتي أهمية وجود القلم الذي لا نعتقد أننا يمكن أن نستغني عنه، فوجوده ليس للوجاهة أو للتوقيع على الشيكات أو التوقيع للمعجبين على إهداء كتاب، إنما هو لمن أدمن اقتناءه واستخدامه؛ حيث لا يجد راحته سوى في الكتابة بالقلم و "الخربشات" على الورق، بدءاً من فكرة الكتابة.
إن الإمساك بالقلم ورائحة الورق، طقس مقدس يضيف إلى الكتابة رونقاً يختلف عن كتابة لوحة المفاتيح التي لا طعم لها ولا لون ولا رائحة، متعة الكتابة وإعادة التعديل والشطب والحذف والإضافة بالقلم، لها طعم خاص جداً، لا يعرفه من تركها، واستعاض عنها بالأجهزة الحديثة، غير المضمونة البتة.
ما قيل في وصف القلم
القلم كالمغرفة والعقل هو الإناء، وكلما امتلأ الإناء أكثر، كان الإغتراف أسهل وأيسر، وأينما مددت مغرفتك خرجت بالنفع والفائدة العظيمة، وكلما قلّ صعب أن تجد الكثير والجديد، وإذا كان ضحلاً فإنك ستعرف ضحالة الإناء من صوت المغرفة في
قعر الإناء.
- القلم.. مراءة القلب وترجمان العقل.
- القلم.. أصم يسمع النجوى، وأخرس يفصح بالدعوى، وجاهل يعلم الفحوى.
- القلم.. شجرة ثمرتها الألفاظ، والفكر، بحر لؤلؤه الحكمة.
- القلم.. بريد القلب يخبر بالخبر، وينظر بلا نظر.
وما أجمل قصيدة الشاعر العراقي المقاوم "أحمد مطر"، الذي أنشدها تحت عنوان "قلم" وقال:
جسَّ الطبيبُ خافقي
وقالَ لي:
هلْ ها هُنا الألَمْ؟
قُلتُ له: نعَمْ
فَشقَّ بالمِشرَطِ جيبَ معطَفي
وأخرَجَ القَلَمْ!
هَزَّ الطّبيبُ رأسَهُ .. ومالَ وابتَسمْ
وَقالَ لي:
ليسَ سوى قَلَمْ
فقُلتُ: لا يا سَيّدي
هذا يَدٌ.. وَفَمْ
رَصاصةٌ.. وَدَمْ
وَتُهمةٌ سافِرةٌ.. تَمشي بِلا قَدَمْ!