وزير العمل اللبناني في مقابلة مع صحيفة «الوفاق»:
أميركا منعت المساعدات الإيرانية؛ والإلتفاف على الحظر ضروري
دُريد الخمّاسي
أجرت صحيفة الوفاق مقابلة مع وزير العمل اللبناني "مصطفى بيرم" الذي يجري حالياً زيارة للجمهورية الإسلامية الإيرانية، وحاورته حول القضايا التي ناقشها مع الجانب الإيراني وتفاصيل مذكرة التفاهم التي أبرمتها وزارة العمل اللبنانية مع نظيرتها الإيرانية، والمساعدات التي بإمكان طهران تقديمها لبيروت لتتجاوز أزمتها المالية، ومعوقات تعزيز التبادل التجاري بين البلدين، وأزمة الكهرباء في لبنان وسبب تسييسها، وآخر الأخبار حول تزويد لبنان بالفيول الإيراني، وأهمية الإتفاق الإيراني – السعودي بالنسبة للبنان، واقتراح حزب الله وحركة أمل لتنفيذ رؤية السيد حسن نصرالله بخصوص "قاعدة لا تسوية في المنطقة"، وفيما يلي نص الحوار:
ما هي أهمّ القضايا التي ناقشتموها مع الجانب الإيراني؟ وما هي تفاصيل مذكرة التفاهم التي تمّ التوصل إليها مع وزارة العمل الإيرانية؟
نعتبر هذه الزيارة جزءاً من العلاقات البينية التي يجب تفعيلها بين دول المنطقة، لأننا نؤمن باستراتيجية تقول أن العلاقات البينية هي التي تضمن مصالح الشعوب والبلدان ودول المنطقة. أيضاً نظراً لموقعية الجمهورية الإسلامية الإيرانية بما تشكله من محورية كبيرة جداً في التوازنات القائمة في العالم والإقليم والمنطقة، وضرورة الإستفادة من الخبرات المتبادلة والتجارب التي حصلت في بلدان المنطقة، لأننا نؤمن بأن الزيارات المتبادلة تعزز الآفاق وتكتشف الفرص، وهي مسألة ضرورية جداً، خاصة وأننا نعاني جميعاً من حصار من هنا، ومن تضييق من هناك، ومن عقوبات من هنالك، لذلك يجب ألّا نستسلم لهذا المسار الظالم والجائر، بل أن نفتح كوة وأكثر من كوة في هذا الجدار. أما بخصوص مذكرة التفاهم، فقمنا بتوقيع مذكرة تفاهم بين وزارتي العمل في البلدين وتمّ توقيع هذه الإتفاقية ويصار إلى دراسة إتفاقية أخرى أو أكثر مع مؤسسة التدريب المهني والتقني وجمعية الإمداد في إيران.
ما هي المساعدات التي بإمكان إيران تقديمها للبنان ليتجاوز أزمته المالية؟
عرضت الجمهورية الإسلامية الإيرانية أكثر من مرة وعلى أكثر من صعيد مساعدة لبنان. هناك شيء مرتبط بمترو الأنفاق، وهناك أمور مرتبطة بالفيول، وأمور مرتبطة بإنشاء محطات كهرباء تغذي كل إحتياجات لبنان. أقولها بكل بصراحة: أعتقد أن العائق ليس في الجمهورية الإسلامية الإيرانية، العائق هو عند الطرف اللبناني. لماذا؟ لأن هناك أسباب أهمها هو التهديد الأمريكي بفرض عقوبات على الدولة والمسؤولين اللبنانيين، وهي أعلنت ذلك بصراحة بدليل أن الهبة لا تخضع لنظام العقوبات بغض النظر عن الظلم الذي تشكله هذه العقوبات لأنها عقوبات أحادية الجانب تخالف العلاقات الدولية والقانون الدولي وهي تتجاوز مسألة الأمم المتحدة وفلسفة الأمم المتحدة، إذ أن دولة تلجأ إلى ما لديها من قوة ونفوذ واستئثار وتسلط وتفرض عقوبات أحادية الجانب بمعاييرها الخاصة، وليس تبعاً للمعايير الدولية، إذن هذه عقوبات ظالمة وهي هددت الطرف اللبناني حتى على مستوى الهبات. أقولها بكل صراحة: المانع الرئيسي التهديد والمنع والحظر الأمريكي، كنا لنقول أنه يمكن تجاوز ذلك لو أن أمريكا منعت المساعدة من إيران لتسمح بها من جهات أخرى. للأسف الولايات المتحدة الأمريكية منعت المساعدة من إيران ولم تسمح بمساعدات من طرف آخر.
ما هي معوقات تعزيز التبادل التجاري بين إيران ولبنان؟ ولماذا لم ترتق علاقاتهما الإقتصادية إلى مستوى علاقاتهما السياسية؟
قد يكون سبب ذاتي عند كلا الطرفين الذي هو مرتبط بأنه حتى لو هناك عقوبات نحن معنيون في زيادة عمليات التبادل والتواصل والزيارات. أنا في زياراتي للمسؤولين الإيرانيين قلت لهم عن فائدة الزيارات المتبادلة. هذه الزيارات تستكشف الأفق والفرص المتاحة والمواهب المتوفرة في البلدين ولا أحد يمنعنا من ذلك، هذا جانب وهناك أمور أخرى. هذه الأمور مرتبطة بمنظومة العقوبات الجائرة التي تكلمت عنها. مثلاً هناك الكثير من الشركات اللبنانية ترغب بالإستثمار في إيران؛ لكنها تخشى العقوبات. هذه من المآزق الكبيرة جداً، بالتالي يجب العمل على الإلتفاف على هذه العقوبات بطريقة وبأخرى وتعزيز هذا التواصل لأن إيران لديها فرص إستثمارية مهمة جداً ولديها مكامن مكتنزة ومهمة جداً. إيران دولة قانون ومؤسسات، دولة تحترم شعبها، دولة مكتملة، فيها بنى تحتية، فيها نظام، فيها نظافة، فيها شيء يدعو للعجب، واستطاعت بحكمة قائدها وثقافة شعبها الضاربة في التاريخ القائمة على الإنتاج والإعتداد بالذات والإهتمام بأمور المسلمين بتركيبة الجمهورية الإسلامية، الأمر الذي أوصل هذه الدولة إلى مصاف الدول ذات الهيبة وذات المكانة الإقليمية وأيضاً الدولية.
ما هي المساعدة التي بإمكان إيران تقديمها لحل أزمة الكهرباء في لبنان؟ ولماذا تمّ تسييس هذا الموضوع؟
هذه من المشاكل والعُقد اللبنانية. نحن داخل لبنان نعاني من "متلازمة التايتانيك"، كما أسميتها، يختلفون على سطح السفينة والسفينة تصطدم في جبل الجليد. هناك شيء إسمه "روح النكاية" في لبنان، هذا أمر عجيب حقيقة، ولا يفصلون لدينا بين المسائل السياسية التي من الطبيعي أن يكون فيها اختلافات وبين المسائل ذات الطابع التقني والحيادي والعلمي، مثلاً حل مسألة الكهرباء أمر تقني وعلمي، حل المشاكل الاقتصادية أمر تقني وعلمي، يجب عزله عن المسائل السياسية، خاصة أن الفائدة وتحقيق الإنجاز في هذا الأمر مصلحة للجميع. يعني عندما تأتي الكهرباء أنا أستفيد وأنت تستفيد. فبالنسبة للمسائل السياسية كيف يمكن أن أستفيد أنا وأنت لا تستفيد؟ لنضع هذه المسائل إلى جانب. في لبنان لا يفعلون ذلك. في ما يتعلق بهذا الملف تحديداً، التقيت مع معالي وزير الخارجية حسين أمير عبداللهيان عندما كان في لبنان قبل أشهر وهو أخبرني أن إيران للمرة التاسعة قد عرضت حل مشكلة الكهرباء في لبنان. السبب هو خشية المسؤولين اللبنانيين من التهديدات الأمريكية في هذا المجال أقولها بكل بصراحة وأحمّل الولايات المتحدة المسؤولية التي تمنعنا من ذلك، كما منعتنا من أمور غير متصلة بإيران، متصلة بمصر، متصلة بالأردن، باستجلاب الغاز المصري والكهرباء الأردنية، وقد قام معالي وزير الطاقة والمياه في لبنان الدكتور وليد فياض بكل ما يلزم من هذه الإجراءات، وبالتالي أميركا منعت وضغطت على البنك الدولي وتذرعت بالعديد من المسائل لتمنعنا من هذا الأمر، كما أن الوعود الأمريكية التي صدرت بعدما أعلن سماحة السيد حسن نصرالله استعداد الجمهورية الإسلامية الإيرانية لمساعدتنا، هذه الوعود كانت وعود هوائية لا فائدة منها ولا مصداقية لها بدليل أنه مضى أكثر من عام ونصف العام وهذه الوعود متبخرة أصلاً، وبالتالي الجمهورية الإسلامية الإيرانية مستعدة وقد عرضت بناء معملين على طريقة الـ "B.O.T" واحد في بيروت العاصمة وواحد في الجنوب ليولد ما يزيد عن ألفي ميغاواط، علماً أن الاحتياج اللبناني لا يتجاوز الـ 1600 ميغاواط. المشكلة كما قلت هي في العقوبات والتهديدات الأمريكية التي تمنع لبنان من الإستفادة من هذه العروض. هذه العقوبات الوقحة التي تقوم بها أميركا، وما يساعدها على ذلك هو الانقسام داخل لبنان، لأنه ليس في لبنان رأي عام يصل إلى مستوى ما يعرف في علم الاجتماع السياسي بـ "الكتلة الحرجة" التي تتجاوز هذه المنغلقات المذهبية وتفصل السياسة عن الإدارة والإقتصاد والإجتماع وتشكل رأياً عاماً ضاغطاً، بل أن الرأي العام ووسائل الإعلام في لبنان تنقسم، وبالتالي تدخل المسألة في إطار المتاريس السياسية وإطلاق النار السياسي والنكايات، وهذا أمر مؤسف.
هل هناك تطورات بخصوص تزويد لبنان بالفيول الإيراني؟
لا، الكل يخضع للعقوبات.
ما الذي يمنع الحكومة اللبنانية من الإستفادة من خبرات الشركات الإيرانية في عمليات الحفر والتنقيب عن النفط والغاز؟
خوف العقوبات أساس المشكلة، والتخاذل ومراعاة المصالح عند المسؤولين اللبنانيين.
هل يساعد الإتفاق الإيراني – السعودي في حل مشاكل لبنان الإقتصادية؟
نشجع هذا الإتفاق، ونشجع كل إتفاق وتواصل عربي – عربي وعربي – اسلامي وأي تواصل بين دول المنطقة، كما نشجع على إطفاء الحرائق في المنطقة التي لا تعود بالفائدة على أي أحد. كل الصراعات في المنطقة تحكمها عقلية "خاسر – خاسر"، لا يوجد فيها "رابح – خاسر" أو "رابح – رابح". هذا الإتفاق هو خطوة في الطريق الصحيح لأننا أمام كتلتين كبيرتين في العالم الاسلامي، دولتين عندهما وزن كبير جداً من مصلحة الطرفين وشعوبهما ودول المنطقة هذا الاتفاق. نحن نؤمن بالمدى الإقتصادي الإقليمي وهذا يحتاج إلى ما يزيد عن 150 مليون نسمة لكي يكون لديك نوع من التسويق نوع من التفاعل الاقتصادي، هذا يؤمنه التواصل والتفاعل بين شعوب المنطقة ودولها، من المؤكد أنه سينعكس إيجابياً على الواقع اللبناني. القابليلة اللبنانية هي التي تسرّع أو تبطئ هذه الاستفادة. كلما اتفقنا في لبنان، كلما أنجزنا الاستحقاقات السياسية والدستورية كلما أصبحت لدينا الجاهزية المؤسساتية لاستقبال كل تغيير ايجابي يحصل في هذه المنطقة.
طالب السيد حسن نصرالله بوضع رؤية إقتصادية على قاعدة أنه لا توجد تسوية في المنطقة، ما هو إقتراح حزب الله وحركة أمل لتنفيذ هذه الرؤية؟
أطلق سماحة السيد، عقب الإنهيار الإقتصادي الذي حصل عام 2019، ما يُعرف بـ"الجهاد الزراعي"، وأكد على أهمية إعادة الإنتاج وتفعيله لأن الاقتصاد اللبناني هو اقتصاد ريعي، اقتصاد خدماتي، ليس اقتصاداً منتجاً، وبالتالي هذا الذي ساهم في عملية الإنهيار الاقتصادي لأنه خالف البديهيات الاقتصادية التي تمنعك أن تضع البيض في سلة واحدة وأن لا تنوع في المحفظة الاستثمارية. في لبنان كان كل الاقتصاد قائماً على الريع، هذا الريع يتم وضعه في المصارف بأعلى نسبة من الفوائد، بالتالي ضرب الحافزية لدى الشباب اللبناني والشركات والمستثمرين أن يستثمروا في لبنان، لذا حصل الانهيار دفعة واحدة، ومن المؤسف أن المعروف عن سهل البقاع اللبناني أنه منذ ألفين وخمسمائة عام كان يعرف بإهراءات إمبراطورية قمح روما، اليوم في القرن الواحد والعشرين لا يستطيع أن يُطعم اللبناني، هذا من العجب، لذلك العودة وضرورة العودة إلى الاقتصاد المنتج إلى إعادة الحافزية إلى إخراج أنفسنا ليس من البطالة، بل من العطالة وهذا أمر مهم جداً، وأيضاً إيجاد المعنى في الحياة وإيجاد نوع من بداية الإكتفاء الذاتي لأن في لبنان لدينا الموهبة، الشاب اللبناني موهوب ولديه القدرة في هذا المجال ما يحتاجه هو سياسة حكومية تضع استراتيجية ورؤية اقتصادية، هذه الاستراتيجية والرؤية الاقتصادية على مستوى الدولة اللبنانية ليست متوفرة لحد الآن، هل ننتظر؟ لا، كما فعلنا في المقاومة الأصل أن الدولة هي التي تدافع عني، عندما لم تستطع الدولة أو لم تفعل في الدفاع عني ماذا فعلت؟ قمت ودافعت عن نفسي؛ لكننا لم نطرح أنفسنا بديلاً عن الدولة، واليوم الدولة التي يجب أن تضع سياسة اقتصادية واستراتيجية في هذا المجال لم تفعل لحد الآن، هل ننتظر؟ لا، لم ننتظر، علينا أن نقوم نحن بمبادرات في هذا المجال، نحن نريد دولة المؤسسات دولة العدالة دولة الاقتدار التي تستفيد من أوراق القوة لديها، وكما استطعنا ونجحنا في المقاومة وقدمنا نموذجاً مؤسساتياً ناجحاً إحترافياً لدينا القدرة والقابلية على ما يُعرف في علم النفس السلوكي بـ"إستنساخ القدرة" كما نجحت هناك أستطيع أن أنجح هنا، وبالتالي هذا تحدٍّ يُفرض على اللبنانيين والمجتمع اللبناني في أن نبني اقتصاداً جديداً ورؤية اقتصادية جديدة تستفيد من الموهبة اللبنانية، من العلاقات اللبنانية، من التعددية في لبنان والانفتاح اللبناني عبر دولة مؤسسات ومواطنية.
هل لديكم كلمة أخيرة؟
نحن متفائلون في المستقبل رغم المرحلة الصعبة، التضحيات التي قدمت لا تذهب سدى، إنها سنّة الله، وكما قال الشهيد الشيخ راغب حرب: إن "دم الشهيد إذا سقط فبيد الله يسقط، وإذا سقط بيد الله فإنه ينمو"، هذه التضحيات التي قُدِّمت لبلادنا وأمّتنا لإعادة النهضة الحضارية لن تذهب سدىً.
نعم، التوقيت مرتبط بنا، إمّا نُسرِّع في قطف النتائج عبر مزيد من القابليات والجهوزيات، وإمّا نتأخر في ذلك؛ لكن في الحالتين نحن متفائلون.