الطّفل العربيّ ولغته العربية
الوفاق/ خاص
د.سناء الشعلان
إنّ الرّهان على مستقبل الطّفل العربيّ يبدأ من اللّغة العربيّة؛ فهي ليست فقط شريان تواصله الرّئيسيّ مع مجتمعه وحاضره، وإنّما هي تشكّل وعيه الخاص وحسّه الذّاتي تجاه مجتمعه وحضارته وتاريخه وتحدياته،كما هي بكلّ بساطة من تحكم نوابض مشاعره واستجابته؛ إذ يرث عبرها منظومة شعوريّة وتفاعليّة وحسيّة وانطباعيّة كاملة، هذا إلى جانب أنّ اللّغة العربيّة هي المعوّل الوحيد عليه في اتّصال الطّفل العربيّ بل الأمة جمعاء مع ماضيها وتراثها وحضارتها، وبخلاف ذلك ينقطع الاتّصال مع الأصل، ويضيع الطّفل العربيّ في عالم يعجّ بالأفكار والرؤى، وتتقاذفه الأوهام، وتسرقه الادعاءات الباطلة، إلى حدّ أنّه قد ينكر ماضيه، ويغفل رسالته، ويجحد أصله، ويتنكّر لأمّته، وهذه هي
الطّامة الكبرى.
ولذلك تقع مسؤوليّة اللّغة العربيّة وتعليمها للطفل العربيّ على عاتق ثالوث المجتمع والمدرسة والأسرة، ومن الأسرة تكون الانطلاقة ومن المدرسة تكون الفكرة والمناهج والتدريس والتأصيل والتّدريب، ويأتي المجتمع بكلّ شرائحه وطبقاته وأنظمته وتفعيلاته وهيئاته ومؤسساته وتشريعاته ليجعل اللّغة العربيّة هي ناقل الحضارة، وآلية التّواصل.
وهذه الجهات جميعا عليها أن تفعّل العربيّة لا استخداماً فقط، بل وحضوراً نفسيّاً وحضاريّاً وشعورياً؛ ليدرك الطّفل العربيّ أنّ لغته لغة حضارية عريقة يُفتخر بها، لا مجرد منظومة لغويّة رومانسّية تليق بالشّعر القديم، وتنحني بخزي أمام الحضارة والتكنولوجيا والاختراع والمستقبل، وتهرب من الحاضر نحو الماضي.
إنّ الرّهان على اللغة العربيّة وعلى الطّفل العربي هو الرّهان ذاته على المستقبل، وكي نربح الرّهان علينا أن نربح أبناءنا وأن نحسن الاستثمار بهم، ولا يمكن أن يكون ذلك إلاّ عبر استنهاض لغتنا، وزرعها في أبنائنا عبر جهد رسمي وفردي وأخلاقي وتربوي وديني جادّ ومتكاثف في هذا الشّأن.