لبنان... فرصة الرئاسة الضائعة
زياد ناصرالدين
كاتب ومحلل اقتصادي
على مرّ العقود الماضية دفع لبنان ثمن التحوّلات السياسيّة والاقتصاديّة الكبرى في المنطقة باصطفافه مع المحاور الخاسرة وابتعاده عن واقعه الجغرافيّ، وعدم التزامه بالقوانين التي تحدّ من سياسة وثقافة الارتهان والخوف، حتى بات السياسيون اللبنانيون أرباب هذه المدرسة. وفي العام 1973 مع ثورة النفط العالمية والخليجية تحديداً، اختار الواقع السياسي اللبناني الانغماس في وحول الحروب بدلاً من أن يتحوّل إلى مركز استقطاب أكبر للأموال والاستفادة من استثمارات استثنائية، في بلد كان يمتلك القدرات العلمية والموقع والطبيعة والمرافق والمصارف، وهكذا تبخّرت الفرصة ونتائجها الإيجابية.
وفي العام 1990، كان لبنان لا يزال يمتلك قطاعاً صناعياً جيّداً رغم الحرب، حيث تميّز بصناعته المتطوّرة والعالية الجودة. بالتزامن كانت دول الخليج الفارسي تمرّ بثورتها الثانية التي قادت إلى إعمارها. وبدلاً من دعم الصناعة لتحويل الخليج الفارسي بحلته الجديدة إلى سوق أساسي للمنتجات اللبنانيّة، كانت نظرية ضرب الصناعة وزيادة الضرائب عليها وإعفاء البضائع المستوردة من الجمارك وقتل حلم عشرات آلاف الصناعيين. ولو كنا في بلد عادل كان لا بدّ من محاكمة هذا الفكر بشخصياته ومنظّريه الذين لا يزال بعضهم يعطينا حتى اليوم دروساً في مواجهة الفساد!
بين عامي 2005 و2008، كانت السنوات الأثقل على لبنان من ناحية:
1- توقّف النظام المالي العام.
2- توقّف العمل بالموازنات والتأسيس لمرحلة الانهيار.
3- الصرف الكبير على القاعدة الاثني عشرية من دون رقابة.
4- إصدارات اليوروبوند التي أرهقت الدولة بالفوائد واستعمالها في مشاريع غير مفيدة.
5- توقّف حسابات القطع.
6- عدم تسجيل الهبات المرسلة من الخارج ضمن حسابات الدولة.
7- تكثيف الضرائب على الفئات الفقيرة وإعفاء القادرين من دفع الضرائب.
8- تحفيزات المصارف لتشجيع الاستيراد على حساب الإنتاج.
9- رهن لبنان المالي والنقدي بسياسة المصارف.
10- سيطرة المصرف المركزي بسياسته على كل المفاصل النقدية والمالية والاقتصادية في البلد.
تطول اللائحة لكن النتيجة كانت واحدة، وهي رهن الاقتصاد اللبناني بالكامل للخارج وصولاً إلى الانهيار الشامل في العام 2019. أما في الوقت الراهن، يتكرّر مشهد إضاعة الفرص انطلاقاً من التعاطي باستخفاف في:
1- مشروع الغاز الذي يسيطر على فكر العالم.
2- مشروع الكهرباء، حيث الإخفاق الأكبر الذي كلّف الدولة 40 مليار دولار لصالح شركات استيراد الفيول.
3- تلزيم الاتصالات التي وصل وضعها إلى الحضيض، وإضاعة الفرصة للتقدّم بالاقتصاد الرقمي.
4- دولرة الاقتصاد بسبب العجز الكامل عن تحمّل مسؤولية حلّ يكون لمصلحة الناس، لا لخدمة رأس المال والطوائف والدولة العميقة.
5- أكبر عملية احتيال وسرقة للمودعين للاستفادة من 93 مليار دولار دُفعت كفوائد دين عام.
6- تحقيق المصارف أرباح 4% من الناتج المحلي بمشهد غير مسبوق عالمياً.
عام 2023 يُعد استثنائياً على صعيدين، الأوّل هو الاتفاقيات الإقليمية الكبرى انطلاقاً من السعودية وإيران وصولاً إلى العراق وسوريا، أمّا الثاني فهو رسم أفق جديد خارج سياسات صندوق النقد الدولي. وقد تساءل مرجع سياسي عربي: لماذا يذهب لبنان إلى صندوق النقد الدولي في حين أنّ صندوق استثمار عربياً يمكن أن يكون الحلّ البديل والأفضل من خلال الاستثمار المباشر بضمانة الاتفاق الإيراني السعودي؟ مع الأخذ بالاعتبار أيضاً أهمية المرافئ اللبنانية، ولا سيّما طرابلس بالنسبة لخطة التنمية العراقية، والتحضير لإعادة بناء سوريا وحلّ قضيّة النازحين. وعليه نسأل: لِمَ الإلحاح على الإتيان برئيس مشروع صندوق النقد الدولي إلى قصر بعبدا والإصرار على فرصة ضائعة جديدة؟