الأديبة والإعلامية اللبنانية «فاطمة بــرّي» للوفاق:
ثقافة المقاومة.. تذوّق للفن والأدب وتسلح بالوعي
موناسادات خواسته
أدب المقاومة هو الكتابة الأدبية المعبرة عن الحروب والمعارك ومقاومة العدو، ويعتبر اصطلاح المقاومة هو الأكثر شمولية من أدب الحرب أو أدب المعارك، ويعبر هذا اللون عن القهر والاستبداد الذي تعانيه الشعوب تحت العدوان والاحتلال، ومن ثم ترسيخ فكرة المقاومة للعدو سواء كان شخصاً أو فكرة، وارتبط أدب المقاومة بالصراع العربي- الصهيوني، والآن القضية الفلسطينية هي التي تستحوذ عليه بصورة كبيرة، وهناك تأليفات كثيرة بموضوع أدب المقاومة بصورة عامة ومؤلفون ومؤلفات كثيرون تطرقوا إلى الموضوع بأقلامهم التي هي السلاح الأدبي، وقد تركوا آثاراً رائعة وخالدة، ومن ضمنهم الأستاذة الأديبة والإعلامية اللبنانية "فاطمة برّي بدير" التي لها نشاطات كثيرة في مختلف المجالات.
"فاطمة برّي بدير" هي أول فتاة محررة وكاتبة في جريدة "العهد" في لبنان من 1989-1993 بشكل يومي، وكاتبة قصص قصيرة ومقالات في العديد من الصحف والمجلات اللبنانية وغير اللبنانية، والمواقع الإعلامية، كما أنها شغلت لفترة طويلة الميدان الثقافي في تلفزيون المنار، وقناتَي الكوثر والثقلين، وشاركت في المؤتمرات المتعلقة بتجربة المرأة المحجبة في وسائل الإعلام، وحالياً هي أستاذة في الجامعة اللبنانية، ومتفرغة للكتابة والبحث والتأليف، ولها تأليفات كثيرة في أدب المقاومة منها: "رائحتها تراب"، الذي هو عيّنة من الأدب المقاوم الذي ينشغل البعض بالبحث عنه، قصص تستند جميعها إلى وقائع وحقائق جرت، كان قطبا الرحى فيها العدو الصهيوني والمقاومة، نقلت فاطمة برّي بدير في هذه النصوص قصص الشهداء والأسرى والجرحى والمعتقلين، كما هي.. بأحزانها وشجونها وشموخها وكبريائها.. وكما عايشتها في السنوات الممتدة من التسعينيات وحتى ما بعد عام 2000 ، كما أن لها تأليفات أخرى مثل "للشهداء شيخ" وهي محطات من سيرة الشهيد الشيخ راغب حرب، وغيرها من الكتب.
تجد فاطمة برّي اليوم أنّ الكتابة على ضفاف الشهادة والشهداء، وعن ميادين الجهاد والمقاومة أصبحت عملاً مقبولاً ومطلوباً، لا بل مدعوماً، وتقول: الأمر اليوم لم يُعد حكراً على الكتابة فقط؛ إذ تمتلئ حياتنا ببرامج تلفزيونيّة وأفلام وثائقيّة ومهرجانات عالميّة، تتحدّث جميعها عن المقاومة التي صارت اليوم محرّك العالم وملهمة الشعوب.
ونظراً لنشاطاتها الكثيرة وتأليفاتها الرائعة في أدب المقاومة، إغتنمنا الفرصة وأجرينا حواراً معها، وفيما يلي نص الحوار:
رحلة مع الأدب والمقاومة
بداية طلبنا من الأستاذة "فاطمة برّي" لكي تُبدي لنا رأيها حول الأدب والمقاومة وكيف بدأت الكتابة في هذا المجال وما هو الذي شجعها للسير في هذا الطريق، فقالت: رحلتي مع الأدب والمقاومة رحلة بعيدة تعود إلى سنوات الطفولة والمراهقة والصبا، ففي طفولتي ذكريات عن الحرب الأهلية في لبنان ثم الغزو الإسرائيلي لبيروت صيف العام 1982 ثم ذكريات سنوات الطلقات الأولى.. من عايش تلك المرحلة لا بد ان يتأثر بها لأنها بدايات الوعي والمعرفة والتفكير.
وأنا كنت قارئة نهمة منذ الطفولة ثم انتقلت الى تجارب الكتابة، فكان من الطبيعي ان تأتي الكتابة في بيئتها الاجتماعية والسياسية. بدات العمل في جريدة العهد الناطقة باسم المقاومة الإسلامية في لبنان بعمر 17 سنة، ومنذ تلك السنوات امتهنت الكتابة والاعلام قبل ان انتقل للإذاعة والتلفزيون لأتابع العمل الإعلامي في ميادين الإعلام المقاوم المختلفة.
نشر ثقافة المقاومة
أما حول كيفية نشر ثقافة المقاومة عن طريق الفن والأدب، قالت "برّي": ينبغي في البداية تكوين جمهور يتعاطى الفن والأدب ويفهمهما ويتذوقهما.
مهما كان العمل الفني او الأدبي مهماً ورائعاً وقيّماً، فإنه يموت ويذوي بلا جمهور من القراء الذين يتلقفونه ويتداولونه. المشكلة أننا لم نربِّ مجتمعاً ولا بيئات على تذوق الأدب والفن، كانا موضوعين للرفاهية او لبعض المتخصصين، فحتى ننشر ثقافة المقاومة علينا ان نجهز ارضية صالحة لذلك، جمهورها مثقف، مجموعات تفكر وتنتقد وتشارك، والحمدلله إن إحدى حسنات السوشل ميديا أنها جعلت كل المواضيع بمتناول الجميع.
التسلح بالوعي والمعرفة
وفيما يتعلق بالطريق الأفضل لمواجهة الحرب الناعمة التي يشنها العدو والإعلام المطبّع والمزيّف، وكذلك دور الإعلامي الملتزم، هكذا قالت الأديبة الإعلامية اللبنانية: أفضل طريق للمواجهة هو التسلح بالوعي والمعرفة.
ان العلم يطرح لنا يومياً عشرات الإختراعات الجديدة المغرية والجذابة، التي قد تكون مساعداً سهلاً على المزيد من الإختراقات الثقافية الفكرية والقيمية الأخلاقية. لذلك فإن السلاح الأهم هو الوعي والبصيرة والروحية الإيمانية التي لا تنهزم سريعاً.
اما السؤال عن دور الإعلام فهو ربما لم يعد مجدياً لأن كل فرد يمتلك اليوم منصاته الإعلامية الخاصة في عصر التطور التكنولوجي وتعدد المنصات والوسائل.
"حديث الذكريات" تجربة مميزة
وعندما سألنا "فاطمة برّي" عن تأليف "للشهداء شيخ" وكذلك "حديث الذكريات"، وأن ما هي القضايا التي واجهتها حتى انتجت هذه الأعمال، هكذا ردّت علينا بالجواب: "للشهداء شيخ" تجربة مبكرة جداً بعمر 18 عاما. وهي عبارة عن نصوص متسلسلة تحكي محطات من سيرة شيخ الشهداء الشيخ راغب حرب. طبعه أحدهم بنسخة جيب صغيرة، لكنه اليوم مفقود وغير موجود.
اما "حديث الذكريات" فأمر مغاير تماماً. هو برنامج تلفزيوني حاور أهم أعلام الثقافة والأدب في نهاية القرن العشرين وبداية القرن الحالي.
شخصيات ذهبنا لتوثيق سيرتها من لبنان وفلسطين وسوريا ومصر والأردن والمغرب وليبيا والجزائر، وكي لن يضيع الجهد الذي بذلته في الإعداد للحوارات قررت نقلها إلى كتاب بهذا العنوان. وهي تجربة مميزة لها محطات وتفاصيل كثيرة أعتز بها. يعني مثلا كنت أنا وفريق العمل نبقى بضيافة الشخصية يومين لإنجاز العمل.. كان تجربة جداً مميزة.
رواية عن الأسيرات الفلسطينيات
لفاطمة برّي رواية حول الأسيرات الفلسطينيات، تحت عنوان "لما جاءها المخاض"، فسألناها حول رأيها عن دور المرأة في النضال ومواجهة الاحتلال، فقالت:
روايتي "لما جاءها المخاض" رواية توثيقية بدأت أعمل عليها تقريباً في 2003 وأنهيتها في 2008، ورصدت خلال سنوات مسيرة كل النساء الأمهات المعتقلات داخل السجون الإسرائيلية.
كتبت عن كل زوجة وأم وحالات الولادة في الأسر وكيف تكون الأم مكبّلة بالحديد. تلك الرواية الحزينة والمؤثرة والحقيقية بكل ما جاء فيها أثّرت عليّ نفسياً وجسدياً.
أتعبتني كثيرا، ومن يومها لم أعد للكتابة الأدبية لأنها عملية شاقّة جداً تشبه وقت المخاض. تفرغت للعمل الأكاديمي والجامعي والتوثيقي. وطبعا كنت بفترة سابقة أكتب قصص المقاومة والشهداء والجرحى.
تنسيق الأمور وإنجازها
ونظراً للنشاطات الأدبية والفنية والإعلامية الكثيرة التي تطرق إليها "برّي"، سألناها عن كيفية تنسيق أمورها، فقالت:
بحكم العادة والتجربة يصبح الإنسان شبيها بالآلة أحياناً، فيتعود إنجاز أموره بطريقة اوتوماتيكية، وطبعاً شخصية كل فرد تلعب دوراً مهماً هنا، لأن كل شخصية لها سماتها وقدراتها وحدودها.
لا نستطيع الحديث عن مقياس واحد او قالب واحد. هناك شخصيات مرنة تقوم بأكثر من عمل خلال اليوم، وهناك أشخاص على العكس من ذلك... انا مثلاً حين لا يكون عندي أعمال كثيرة أمرض! وأبدأ الشكاوى المتعددة وأصاب بآلام غريبة وهذا يضحكني لكني تعودت على شخصيتي
وفهمتها أكثر.
خصوصا بعد تخصصي الأخير في علم النفس العيادي، الذي أفادني كثيراً في إدراك تفاصيل كثيرة عن نفسي وعن الآخرين، وعلّمني كيفية التحكم بالإنفعال وكيفية ضبط النفس والتفكير والسلوك... الخ.
المرأة المحجبة والنشاط الإجتماعي
وأخيراً سألنا الأستاذة اللبنانية"برّي": هل كما يقول البعض، الحجاب مانع ومعوّق لنشاطات المرأة في المجتمع؟، فردّت بالجواب: أنا شخصياً ولدت وعشت وكبرت وتعلمت في مجتمع لا يعرف غير الحجاب وبالتالي لم أعرف شيئاً عن هذه المعوقات.
ماذا تريد المرأة المحجبة خارج أطرها التي تعرفها جيدا؟ هل أقول مثلاً أريد ان أعمل في ملهى والحجاب يقف عائقاً؟ هذه ترهات، المحجبة منذ عشرين عاماً موجودة في الإعلام والطب والفن والتمثيل والموسيقى والمختبرات والإكتشافات والمغامرات العلمية وقيادة الطائرات والشرطة والديبلوماسية. انا اصلا لا أؤمن بموضوع الحجاب العائق هذا.