الصفحات
  • الصفحه الاولي
  • محلیات
  • اقتصاد
  • دولیات
  • خوزستان
  • الریاضه و السیاحه
  • عربیات
  • منوعات
العدد سبعة آلاف ومائتان وثمانية وستون - ٢٦ يونيو ٢٠٢٣
صحیفة ایران الدولیة الوفاق - العدد سبعة آلاف ومائتان وثمانية وستون - ٢٦ يونيو ٢٠٢٣ - الصفحة ۱۰

تحقيق خاص لصحيفة الوفاق حول المعالم الإسلامية في البحرين

مقام« صعصعة بن صوحان».. بين الهوية التراثية والصراعات السياسية

إنها البحرين، البلد الذي يعيش أبشع أنواع الإضطهاد اليومي بشكل مستمر، لم يعرف يوماً معنى الراحة بسبب القمع الذي تمارسه السلطات بحق الشعب وأرضه، من الإنتهاكات الحقوقية اليومية، إلى أسوء أنواع التعذيب داخل السجون، إلى الإعتقالات التي لم تتوقف يوماً، إلى الإعتداءات التي تطال معالم إسلامية ترتبط بأكبر مكوّن اساس في البلد. فبعد أن أكتظّت سجون النظام البحريني بعلماء الدين والأساتذة والنخب والشخصيات الوطنية الذين يتعرضون لأبشع انواع التعذيب والاذلال والاحتقار بسبب آرائهم الدينية والسياسية والاجتماعية والحقوقية، وبعد الواقع المظلم والظالم الذي وصلت إليه البحرين الى الحد الذي لا يمكن القبول به من وجهة النظر الانسانية، عادت السلطات لتستفز الشعب بالإعتداء على مقام ومسجد صعصعة بن صوحان والذي يمثل معلماً إسلامياً تراثياً ذات مكانة مهمة عند الشعب البحريني.

وفي ظل هذه الحرب الشعواء التي تقودها السّلطة على مقام الصّحابيّ صعصعة بن صوحان في منطقة عسكر، في محاولة منها لمحو هويّة المزار، وإرساء منها في استمرار منهج الاضطهاد، جريدة الوفاق اجرت تحقيقاً خاصاً حول واقع هذا المعلم الإسلامي، وفتحت صفحات البحرين التراثية، متساءلة عن أسباب هذه الإنتهاكات ومطالب الشعب ومخاطر ما تقوم به.
بين التاريخ والواقع والهدف من إغلاق وطمس هوية هذا المعلم، إلتقينا كل من الباحث والمؤرخ البحريني جاسم آل عباس في البحرين، حيث توقفنا معه عند المكانة التاريخية لمقام صعصعة، ثم إلتقينا رئيس منتدى البحرين لحقوق الإنسان باقر درويش في بيروت وتحدثنا معه عن أهداف إغلاق هذا المقام من قبل السلطات البحرينية.

 

«صعصعة بن صوحان» أحد الرموز الإسلامية التي يجتمع حولها المسلمون
حكاية هذه البلاد مع المعالم التاريخية قديمة، وهي ليست مجرد قبور وحسب، بل هي شواهد لا تمحى على تاريخ وأصالة وهوية هذا الشعب. يحتل صعصعة بن صوحان مكانة مهمة في التاريخ البحريني، وهو صعصعة ابن صوحان العبدي الذي ينتمي الى قبيلة عبدالقيس، القبيلة العربية التي تنحدر من قبيلة ربيعة، وهو شخصية إسلامية لعب دوراً كبيراً في تاريخ الإسلام، ويعدّ صعصعة تابعياً، والبعض يعدّه صحابي لأنه أدرك زمن رسول الله( ص) ولكن لم يره أو لم يقابله، بعكس أخويه الإثنين سيحان وزيد اللذين قابلا رسول الله( ص) فسميا "صحابيين".
طبعاً صعصعة كان واحداً من سادة قبيلة عبدالقيس، وهي القبيلة التي إنتقلت من اليمامة قبل ثلاثة قرون تقريباً واستقرت في إقليم البحرين القديم، وتعتبر قبيلة عبدالقيس القبيلة التي قطنت البحرين، هذا الإقليم الممتد من البصرة الى عمان، ومن الساحل "جزيرة أوال" الى نجد تقريباً، فكل هذه المساحة الواسعة جداً التي تمعض اليوم عدة دول كانت مسكونة من قبل قبيلة عبدالقيس، وكان صعصعة بن صوحان من أهم القادة ومن أهم سادتها وكبار قبيلته، ونضيف بأن عبدالقيس لعبت دوراً كبيراً في الإسلام في زمن رسول الله( ص) وفي زمن أمير المؤمنين الإمام علي عليه السلام، إذ كان صعصعة يعتبر الذراع اليُمنى لأمير المؤمنين في كثير من المواقف والقصص.
مقام صعصعة أحد أهم المعالم الدينية في قرية عسكر
الى مقام صعصعة ننتقل في الحديث مع المؤرخ جاسم آل عباس، حيث يعرفنا على تاريخ المقام وصولاً الى يومنا هذا، يقول آل عباس: "واقعاً لو تابعنا النصوص القديمة والتاريخ والمخطوطات والوثائق القديمة جداً سنجد أن مقام صعصعة كان موجوداً منذ قرون طويلة، ولهذا فإن صعصعة بعد أن نفاه معاوية الى البحرين، اي الى" جزيرة أوال"، مثل ما يذكر ابن حجر العسقلاني، بأن المغيرة نفى صعصعة من الكوفة الى" جزيرة أوال" بأمر من معاوية، ولهذا بعد نفيه توفي صعصعة أو استشهد، تقريباً قبل أربع سنوات من واقعة الطف، فدفن في منطقة "عسكر"، و "عسكر" هي قرية قديمة جداً، وتعتبر قرية علمية وأبرز معالمها مقام صعصعة بن صوحان، كما يوجد في الجهة الجنوبية مقام يعود الى حيان العبدي ،وهو أحد صحابة رسول الله( ص)، وقد توفي في الجهة الجنوبية من قرية عسكر ودفن فيها، كما يوجد في هذه القرية مقام ثالث يعود الى إبراهيم ابن مالك ابن ابراهيم ابن مالك الأشتر، حفيد مالك الأشتر، ما يعني هذا بأن قرية "عسكر" قرية مهمة جداً، وصعصعة هو من ابرز المقامات فيها، وذكر مقام صعصعة في العديد من الوثائق القديمة، بعضها قبل 500 سنة علاوة على هذا، أيضاً توجد نقوش صخرية أو حجرية في مقام صعصعة نقشت قبل 800 سنة، تشير إلى أنها هذا القبر هو قبر صعصعة بن صوحان، وألفت النظر أن مقام صعصعة موجود قبل 800 سنة، وما حدث فيما بعد كان تجديد المقام وليس تأسيسه، لذا فإن هذا المقام قديم جداً جداً، وهو من أقدم المعالم الإسلامية في البحرين.
الوثائق والوقفيات تدلّ على وجود صعصعة في البحرين
طبعاً المتعارف عليه والمشاع عند اهل البحرين منذ القدم بأن صعصعة مدفون في هذه المنطقة في منطقة عسكر، والروايات التي تتحدث عن عبدالملك بن مروان عند مجيئه الى البحرين ليعاقب أهل البحرين على تمردهم على الدولة الأموية ومن ثم العباسية ايضاً، إذ  كان تاريخ البحرين تاريخ تمرّد على الدول، ولهذا تقول الرواية في بعض الكتب بأن عبد الملك بن مروان جاء الى البحرين أو بعث جيش الى البحرين لمعاقبة اهل البحرين، كان صعصعة بن صوحان في تلك الفترة موجود في البحرين، عموماً يوجد إشارة الى وجود المقام وصعصعة في البحرين منذ القرون الأولى للإسلام الأول، أضافة الى وجود الوثائق التي تشير الى المقام، وايضاً هناك وقفيات قديمة جداً تعود الى مسجد صعصعة ومخطوطات ووثائق جميعها التي تدل على ان مقام صعصعة بن صوحان موجود في البحرين، ومن المهم أن أشير الى أن مسجد صعصعة الموجود في الكوفة هو مسجد فقط، ولا يوجد قبر لصعصعة في الكوفة، وهذا ما يذكره المؤرخون من الخارج بأن مقام صعصعة وقبر صعصعة موجودان في البحرين.
شواهد البحرين دليل على هوية الشعب وأصالته
البحرين بمسماها إقليم تضم العديد من المناطق، القطيف والإحساء وقطر والكويت والبصرة، أو حدود البصرة، هذه كانت البحرين القديمة، لكن نحن اليوم نتكلم عن البحرين الجزيرة،" جزيرة أوال" التي اقتصرت عليها اسم البحرين، يقول المؤرخ عباس آل جاسم، طبعاً هذه الجزيرة رغم إنها صغيرة، لكن تاريخها عميق جداً ومتشعب جداً، وفيها الكثير من المقامات، والمساجد القديمة الأثرية والمعالم الإسلامية التي تفتخر بها البحرين كثيرة، ومن أبرزها المسجد أو المشهد ذو المنارتين ويسمونه "مسجد الخميس" وهو موجود في منطقة البلاد القديمة، ويوجد فيه مقبرة قديمة جداً جداً تعود الى فترة الدولة العيونية قبل 900 سنة أو ما قبل، وفيها الكثير من الأسماء والأضرحة والقبور التي تعود الى علماء وفقهاء أجلّاء عظام كانوا معروفين على مستوى العالم الإسلامي، ويوجد ايضاً مقام صعصعة ومساجد تحوي على قبور علماء عظماء عبر التاريخ ومنهم على سبيل المثال الشيخ راشد الجزيري المدفون قبل 800 سنة ويوجد قبره في جزيرة النبي صالح، ايضاً موجود مقام النبي صالح في جزيرة النبي صالح، وهو مقام كبير جداً ويشكل اليوم مزاراً تاريخياً مشهوراً، كما يوجد مقامات في منطقة سترة مثلاً قبل 700 سنة، بالإضافة الى وجود أضرحة لفلاسفة كبار منهم الشيخ أحمد بن سعادة صاحب كتاب "رسالة العلم" وهي رسالة فلسفية قبل 700 سنة، كما أن تلميذه مدفون معه وهو الشيخ علي بن سليمان الستراوي وله الكثير من المؤلفات الفلسفية والعلمية الدينية، اضافة الى وجود الشيخ علي بن حسين بن سليمان الستراوي مع الإشارة الى أن جميعهم موجودين في مقام واحد، ويوجد مقام الشيخ مثيم البحراني، والشيخ ميثم هو ايضاً أحد تلامذة الشيخ أحمد بن سعادة الستراوي، وهؤلاء كلهم من الفلاسفة، وغيرهم من العلماء الكثيرين ومنهم الشيخ عيسى ابو رمانة صاحب بعض الكتب التاريخية، كما يوجد مزارات في منطقة العكر وقرية سبسب وغيرها من المعالم الإسلامية، وجميع هذه المقامات والمعالم الدينية والأثرية هي شاهد على تاريخ وهوية وأصالة البحرين وشعبها.
الثروات الطبيعية في البحرين كانت ولا زالت محط إطماع الدول
بالعودة الى الإعتداءات المتكررة التي تعرضت المعالم الدينية في البحرين عبر التاريخ والهدف من هذه الإعتداءات، يقول آل عباس بأن البحرين ومنذ القدم وحتى اليوم، كجزيرة أوال كانت ولا زالت متميزة بثروات طبيعية شكلت محط إهتمام وأطماع بعض الدول، إذ تشتهر جزيرة أوال بنخيلها وتمرها ذات الجودة العالية، ولو عدنا الى الماضي لوجدنا أن التمر في الزمن القديم كان مصدراً اقتصادياً مهماً جداً، وكان المصدر الأساسي للحياة خصوصاً في المناطق المحيطة بالخليج الفارسي، ذلك أن التمر يلعب دوراً كبيراً في مسألة تأمين الجانب الغذائي.
 هذا من جهة، ومن جهة اخرى البحرين غنية بافضل أنواع اللؤلؤ في العالم، ويمكن القول بأن البحرين تحتوي على أهم المباحر الغنية بالمحار والهيرات التي يستخرج منها اللؤلؤ، هذا أضافة الى وجود الينابيع والمياه والعيون العذبة، بإختصار يمكن القول بأن البحرين كانت جنّة، ولهذا من الطبيعي أن تصبح مطمع للغزاة وللقوى الإقليمية أو الدولية أو غيرها، ولهذا نجد الكثير من الدول حاولت أو قاتلت من أجل السيطرة على البحرين منهم البرتغاليين والعمانيين والعتوب والوهابية وغيرها من الدول التي عملت جهدها من أجل السيطرة على البحرين، ولا ننسى اطماع كل من بريطانيا وأميركا،  لهذا هذه البحرين الغنية بطبيعتها وبحرها هي مطمع للأعداء.
الشعب البحريني رفض ويرفض الإستسلام رغم سياسات الإقصاء
ورغم كل هذه المحاولات للسيطرة والأطماع الموجودة يضيف آل عباس، لا بد من القول بأن هذه المحاولات للسيطرة كانت تقابلها مقاومة ورفض وعناد من الناس والاهالي رغم كل ما كان يُمارس بحق الشعب من سياسات اقصاء، لكن الشعب البحريني كان يقف بالمرصاد ولم يستسلم، وفي التاريخ قصص كثيرة وأحداث عن رفض الشعب البحريني للإستسلام، ونذكر على سبيل المثال قصة ابو رمانة والتي تقول أحداثها انه في فترة التي جاء بها البرتغاليون الى البحرين للسيطرة، وهم بطبيعة الحال غير مسلمين، ومن نصبهم على البحرين كانت شخصية مخالفة لديانة ومذهب أهل البحرين، وكان يهدف الى إزعاج وإغاظة أهل البحرين الذين كانوا يرفضون وجود البرتغالين ولم يسلموا بوجودهم، لهذا كان البرتغاليون ينكلون بأهل البحرين تنكيلاً شديداً بسبب رفضهم وجود أجنبي عليهم، وكانوا يتعرضون لكل ما يرتبط بالدين والمعالم الإسلامية، وحتى القرامطة الذين وصلوا الى البحرين وأقاموا فيها وسيطروا عليها لم يتركوا مسجداً إلاّ ودمروه، ولم يتركوا معلماً إسلامياً إلاّ وتعرضوا له، وكل هذه الأحداث الأليمة التي عاشتها البحرين موثقة في كتب التاريخ، وهنا استذكر بيت شعر للشاعر المهذب علي بن مقرب في بعض قصائده بقوله:
"سل القرامط من شظى جماجمهم ... طرا وغادرهم بعد العلا خدما...وما بنوا مسجدا لله نعلمه ... بل كلما وجدوه قائما هدما وحرقوا عبد قيس في منازلها ... وغادروا الغر من ساداتها حمما فسبحان الملك الحق المبين الذي لا يزول ملكه ولا يبقى إلا وجهه له الحكم وإليه ترجعون"....
في العموم أقول بأن القرامطة الذين كانوا يعادون اهل البحرين هدموا مساجدهم، كذلك فعل الوهابية حيث نكلوا بأهل البحرين واعتدوا على المقامات ولا ننسى العمانيين وما حفظته كتب التاريخ بما فعله العمانيون في البحرين من هدم للأضرحة والقباب والمدارس العلمية، ونختصر بالقول بأن تاريخ البحرين تاريخ وحاضر مؤلم بما تعرضت له من إعتداءات على المقامات والرموز والأضرحة.
مسؤولية الحكومة إدراج أهمية المقام في المناهج الدراسية
مع هذه الإعتداءات المتكررة ، يمكن القول أنه منذ العام 2002، يقول المؤرخ جاسم آل عباس، وحتى اليوم ناشدتُ الحكومة كثيراً كما ناشدتُ وزارة الداخلية ووزارة العدل من أجل حماية مقام صعصعة وفتحه أمام الزائرين، لأن هذا المقام يجب ان يكون بعيداً عن اي صراع سياسي موجود الآن، هذا المقام يمثل البحرين كل البحرين وهو مفخرة إسلامية للوطن ككل، ويجب أن يُحيّد عن اي صراع، كما يجب أن يُعاد بناء مسجد صعصعة وان يوضع حتى في المناهج الدراسية حتى يعرف الطلاب أهمية هذا المقام التاريخي، كما يجب أن يدرج ضمن وسائل الإعلام السياحية وغيرها من اجل التعريف بأهمية صعصعة ومقامه، ونحن نعلم بأن كثيراً من الدول تتمنى أن يكون لديها معلم مثل معالمنا أو مقام مثل مقام صعصعة، والكثير من الدول التي ليس لها تاريخ تتمنى أن يكون لديها معلم إسلامي أو تراثي واحد وتتمنى وجود مقام واحد مثل المقامات الموجودة في البحرين.
شعب البحرين تمسك ولا زال بالرسالة الإسلامية والولاية
وفي أهمية حضارة البحرين يضيف آل عباس بأن حضارة البحرين حضارة مهمة جداً في التاريخ الإسلامي، وكل من يتتبع حضارة البحرين وشعبها وتراثها في الفترة الإسلامية سيجد بأن البحرين احتلت مكانة مميزة جداً جداً، منذ بداية الإسلام، والتاريخ يذكر بان اهل البحرين هم الذين ذهبوا من أجل البحث عن رسول الله النبي محمد(ص)، وذلك يعني بانهم هم الذين سعوا الى النبي( ص) ووصلوا إليه واعلنوا اسلامهم، وهذا ما لم يحدث مع اي أحد أو اي دولة في العالم الإسلامي، وأضيف ما قال رسول الله( ص) ومعه الصحابة حين نظر الى الطالع اي الى السماء وقال: "سيطلع عليكم من ها هنا"، مشيراً الى المشرق، "سيطلع عليكم ركب هم خير اهل المشرق" وهذه الرواية موجودة في كتب التاريخ، ولهذا هذه هي صفة شعب أهل البحرين، خير أهل المشرق، لهذا قاتلت مع أمير المؤمنين عليه السلام  قبيلة عبدالقيس في كل حروبه، حتى قال عنهم أنتم درعي ورمحي، ومن أقوال الإمام علي عليه السلام: "خيركم ربيعة وخير ربيعة عبدالقيس"... لذا، قبيلة عبدالقيس هم الذين بنوا حضارة البحرين في الفترة الإسلامية، وما يميزهم بأنهم حملوا الرسالة الإسلامية وإلتزموا بالتعاليم الدينية وبالتمسك بأمير المؤمنين وولايته حتى يومنا هذا.
آل عباس: مطالبنا ان نصون معالم البحرين عن الصراعات السياسية
رغم سنوات على هذه الإعتداءات المتكررة، ولأن الشعب في البحرين لم ولن يتنازل عن حق من حقوقه، فإن المطالب كثيرة  تتراوح بين المطالب الحقوقية والمطالب بحفظ التراث، وهنا يختم المؤرخ جاسم آل عباس: "طبعاً مطالبنا كانت ولا زالت واحدة وستستمر إن شاء الله، فنحن كشعب البحرين نطالب بحماية هذه المعالم الإسلامية والآثار والمساجد وغيرها من المعالم التاريخية، لأن هذه المعالم التي تشكل هوية هذا البلد والوطن لم تكن يوماً ولا اليوم تمثل طائفة معينة، بل تمثل البلد كل البلد، فصعصعة بن صوحان ليس ابن اليوم بل تاريخه قديم جداً، وحتى حيان العبدي أو غيرهم، هؤلاء جميعهم هم تاريخ بلد وليسوا تاريخ طائفة فقط، ومن الطبيعي أن نطالب بالمحافظة على مطالبهم وعلى آثارهم ومقاماتهم، وكل هذا من المفروض أن يؤخذ بعين الإعتبار، لأن التاريخ يجب ان يتم ابعاده عن الصراعات السياسية ويبقى تاريخ البلد كما هو، ونتمنى ان يتم اعمار كل المقامات، وإعادة فتحها أمام الزائرين".
السلطة تعتمد سياسة الإضطهاد الطائفي ضمن تدابير الإنتقام السياسي
ومن الجانب التاريخي الى واقع الإعتداءات اليوم إنتقلنا في هذا التحقيق لنتعرف مع رئيس منتدى حقوق الإنسان في البحرين باقر درويش في الحديث الى صور الإضطهاد الطائفي حيث يقول درويش بأن هذه الصور تكررت بكثرة في السنوات الماضية، وكان أحد أبرز تلك الصور ما تعرضت له عدد من المساجد ودور العبادة من الهدم والتخريب، أما  لماذا تتكرر مثل هذه الصور و ما سبب ذلك أن السلطة تعتمد سياسة الإضطهاد الطائفي ضمن تدابير الإنتقام السياسي التي تستخدمها لأغراض سياسية ولأغراض تتعلق بالتمييز؟
قال درويش: هنالك عدة اهداف لأشكال الإضطهاد الطائفي بحسب المستهدف منها طبعاً، فقد تعددت صور الإضطهاد والتمييز عند كبار السلطة، فعلى سبيل المثال مقام الصحابي صعصعة بن صوحان هو شاهد بليغ على أصالة هذا الشعب الذي يعتزّ بشخصية إسلامية رفيعة لا يمكن إنكار حقيقتها التاريخية وهنالك العديد من الوثائق المتصلة بهذا المقام، ولكن السلطة يزعجها أن يكون هنالك معلم ديني يرتبط بمكون كبير عمره اكثر من ألف سنة.
بين السلطة والشعب اشتباك في المستوى الثقافي
السلطة تتعمد إهمال ما يتصل بالهوية الثقافية والدينية للشعب البحريني ونحن نتحدث عن هوية كبيرة ممتدة عبر التاريخ، يقول درويش، ومن معالمها الحركة العلمية التي يفخر بها الشعب البحريني التي خرجت مئات الفقهاء، وما زالت آثارهم العلمية بعضها غير مكتشفة الى هذا اليوم، وما زالت حديثة، اما مراكز الأرشيف التي تحتفظ بالمخطوطات وهي بحاجة الى بحث وتحقيق وجهد واسع من الباحثين، إضافة الى أمر أساسي وهو الإهتمام بمظاهر الهوية الثقافية... اليوم يوجد بين السلطة والشعب حتى على المستوى الثقافي يوجد حالة اشتباك، ولطالما كانت هناك اطراف محسوبة على الخطاب الرسمي تحاول أن تستهدف هوية هذا الشعب وأصالته وتاريخه.
مئات الوقفيات في الأوقاف الجعفرية لم يتم حسم ملفاتها
وفي السؤال حول صور الإعتداءات التي تمارسها السلطة في البحرين أورد درويش بأن أبرز صور تلك الإعتداءات هي مصادرة الوقفيات، ونحن لدينا في البحرين مئات الوقفيات في الأوقاف الجعفرية التي لم يتم حسم ملفاتها وإنهائها واستكمال إجراءاتها الرسمية، ومنها المئات من الوقفيات الموجودة والمثبتة في الوثيقة التاريخية "سجّل السيد عدنان الموسوي"، وكثير من تلك الأوقاف إما تعرض الى الإهمال من قبل الدولة أو المصادرة بشكل غير شرعي، وفي السنوات الماضية كان يتم التصرف ببعض الأراضي الوقفية بما هو خلاف مقررات الفقه الجعفري وبخلاف القانون، والمهم أن ملف الأوقاف الجعفرية هو أحد الملفات الموجودة منذ سنوات طويلة والتي لم يتم حسمها لأن الدولة تضع يدها على الكثير من الوقفيات.
يجب أن تتوقف خطابات الكراهية
ولأن الإضطهاد الطائفي مستمر ولم يتقف حتى اليوم في كل البحرين، يؤكد درويش بأن هذا الإضهاد الطائفي يجب أن يتوقف، كما يجب أن تتوقف خطابات الكراهية التي تحض على الإضطهاد الطائفي، وفي سبيل ذلك كان هناك عدد من التوصيات التي تقدمت بها لجنة مكافحة التمييز العنصري في الأمم المتحدة وهي من الممكن أن تشكل خارطة طريق لمكافحة صور الإضطهاد الموجودة منذ سنوات طويلة في سبيل الحفاظ على الهوية الثقافية والدينية لمكوّن رئيس وكبير في البحرين.
سياسة التسويف والإهمال خطر كبير على البحرين
وفي سؤال ما إذا كان بالإمكان القول أنه مع محاولة تهويد البحرين التي تشهدها اليوم من محاولات بناء وبيع أماكن للصهاينة، وما اذا اصبح الخطر أكبر وأكثر على معالم المسلمين، قال درويش بأن مشروع المنتفعين في كيان الإحتلال في البعد التجاري وما يتعلق بالأراضي غير الواضح بشكل كامل في البحرين ولكن بلا شك عندما تكون هنالك سياسة تسويف وإهمال وتعدّي على الأوقاف الجعفرية من قبل الدولة فإن هذا يجعلها عرضة لخطر الإستهداف بأي طريقة كان.
وفي المطالبات على الصعيد الحقوقي يضيف درويش بأن "المطالبات اليوم هي بفتح هذا المقام وحمايته وصيانته وإيقاف الإضطهاد الطائفي ومساءلة كل من تورطوا في كل تلك الإنتهاكات في السنوات الماضية وهو أحد مظاهر الأزمة السياسية الحقوقية في الخلاف التي تعرض عنها السلطة".
الوفاق البحرينية: إغلاق مقام صعصعة تحدٍ صارخ لمشاعر وعقائد المواطنين
في الختام، إذاً تتكرر المطالبات الشعبيّة الحثيثة بفتح وصيانة مقام الصحابي “صعصعة بن صوحان” الواقع في منطقة “عسكر” بعدما أغلق لسنوات رغم وعود إدارة الأوقاف الجعفرية والجهات الرسمية المختصة بتوفير الحماية له وفتحه وصيانته بعد تكرر الاعتداءات عليه، وقد طالبت ايضاً جمعية الوفاق الوطني الاسلامية في بيان لها بفتح المقام، مؤكّدة أن له مكانة خاصة لدى جزء واسع من المسلمين في البحرين وخارجها، وإغلاقه ومنع المواطنين من زيارته يشكل تحدٍ صارخ لمشاعر وعقائد المواطنين ويعبر عن حجم الاضطهاد والازدراء للمواطنين في شعائرهم وعقائدهم.

البحث
الأرشيف التاريخي