دور إيران وموقعها الاستراتيجي في الممرات الدولية
أشار محلل الشؤون الدولية، حسين مهدي تبار، إلى دور إيران وموقعها الاستراتيجي في الممرات الدولية، وقال: لفتت زيادة العقوبات الاقتصادية التي تسببت في مشكلة خطيرة لتصدير المنتجات النفطية الإيرانية إنتباه الخبراء إلى طرق بديلة غير نفطية أهمها تطوير دور الترانزيت الإيراني كوسيلة مربحة للتجارة والاقتصاد.
إذا أردنا تعريف الترانزيت أو الممر الدولي بأبسط تعريف، فهو طريق اقتصادي للغاية لنقل البضائع والأشخاص الذين يعبرون أراضي العديد من البلدان.
وعن موقع الترانزيت الايراني وعلى الرغم من أن العقوبات الاقتصادية قد جذبت مزيداً من الاهتمام لهذا الموقع، إلا أن الموقع الفريد للجغرافيا السياسية والاقتصادية لإيران كان موضع اهتمام خلال القرون الماضية والذي حوّل إيران عملياً إلى أحد المحاور المهمة للتجارة البرية في العالم وأصبح مفترق طرق حضاري.
والعامل الذي يعد مؤشراً على هذه القضية المهمة، هو وجود ايران المركزي والحاسم في طريق الحرير والذي تم الاعتراف به في التجارة الدولية لما لا يقل عن 1800 عام، وتفسير "غراهام فولر" لإيران على أنها المركز الجيوسياسي للعالم في كتابه "قِبلة عالم" الذي يفسر موقع الجغرافيا السياسية لإيران بشكل جيد.
أسباب عديدة جعلت موقع ايران مهماً ومميزاً في الترانزيت الدولي:
أولاً- نتيجة لتواجد إيران جغرافياً على تقاطع ثلاث قارات (إفريقيا وأوروبا وآسيا) في منطقة الشرق الأوسط، فان إيران تستطيع أن تربط بين شمال وجنوب وشرق وغرب العالم.
ثانياً- تتمتع إيران بموقعها الاستراتيجي الحساس في مركز الطاقة بين الخليج الفارسي وبحر قزوين، مما يخولها الوصول إلى مصادر الطاقة في الشمال والجنوب من جانب وإلى المياه الإقليمية من الجانب الآخر، لذلك وكما يشير الخبراء فانها تعد أقصر طريق يربط بين بحر قزوين والخليج الفارسي وقطب عبور الطاقة في المنطقة مما دفع بريطانيا وروسيا الى السيطرة على ايران في القرن التاسع عشر.
ثالثاً- تجاور ايران 15 دولة مما يسهل الوصول إلى أسواق آسيا الوسطى والقوقاز ودول جنوب الخليج الفارسي، لهذا السبب تتأثر إيران بشكل مباشر بالتطورات في الخليج الفارسي وشرق البحر المتوسط من جهة، وجنوب آسيا وآسيا الوسطى والقوقاز من جهة أخرى.
رابعاً- كما أن تمكن ايران من التحكم بمضيق هرمز وحده ينقذها من العزلة الجيوسياسية ويخلق ثقلاً سياسياً واقتصادياً وتجارياً لها.
فوائد تطوير موقع إيران في ممرات الترانزيت الدولية
تعد نتائج تطوير موقع ايران في ممرات الترانزيت الدولية كثيرة لدرجة أن هذا التقرير لا يستطيع ذكرها جميعاً. ومع ذلك، نعرض بعض فوائدها لفهم أهمية هذه المسألة بشكل أفضل :
1- إن إنشاء وتطوير طريق العبور يؤدي إلى تنشيط العديد من الوظائف داخل الدولة وذلك بسبب تراجع اعتماد إيران على الدخل النفطي بشكل جدي بالإضافة إلى تلقي عائدات الترانزيت من الحكومات الأجنبية.
2- إستعادة الدور الثقافي لإيران في مجال حضارة إيران الكبرى لأن تطوير الروابط الثقافية مع الدول المجاورة بما في ذلك البلدان الشمالية والشرقية والغربية من خلال ممرات العبور يمكن أن يزيد من نفوذ إيران السياسي والاقتصادي على المدى الطويل.
3- التطوير الإلزامي والجاد لموانئ إيران المهمة بما في ذلك ميناء جابهار وميناء الشهيد رجائي.
4- ارتباط مصالح دول المنطقة بمصالح إيران، مما يزيد من الثقل الجيوسياسي لإيران في المنطقة وسيمكن ايران من لعب دور بارز مع القوى العالمية الكبرى مع الأخذ في الاعتبار أن إيران تحاول تشكيل نظام جديد في منطقة جنوب غرب آسيا، وأن مسألة استعادة موقع الممر الإيراني تعتبر وسيلة للمضي قدماً في هذا الشأن.
5- تحويل إيران إلى أحد ممرات العبور الأربعة في العالم؛ بالإضافة إلى تحييد العقوبات من خلال زيادة السياحة التجارية والترفيهية، يزيد التقارب في المنطقة لصالح إيران.
في أي ممرات دولية تتواجد ايران بشكل فعّال وبنّاء؟
1- موقع إيران في الممر الشمالي الجنوبي: بعد إنهيار الاتحاد السوفيتي تم التخطيط لمشروع ربط أوراسيا من قبل الهند وروسيا وتم توقيع اتفاقية بين روسيا والهند وايران في سبتمبر/ أيلول 2000 لتأسيس ممر النقل الدولي الشمال - الجنوب، انضمت للاتفاقية خلال السنوات التالية دول كازاخستان وبيلاروسيا وعمان وطاجيكستان وأذربيجان وأرمينيا وسوريا، كما انضمت إليهم بلغاريا كعضو مراقب.
الغرض من هذا الممر هو ربط ميناء الحاويات شرق مومباي في الهند عبر ميناءي جابهار وأنزلي الايرانيين ثم أذربيجان إلى أستاراخان وسانت بطرسبرغ الروسية.
إزدادت أهمية ميناء جابهار وتطويره بسبب محاولة الهند تجاوز ميناء جوادر الباكستاني، كما أن المنافسة بين الهند والصين كقوى آسيوية ناشئة للارتباط بأوروبا تجعل إيران مكاناً للمنافسة بين هاتين الدولتين، والتي إذا تم استخدامها بشكل صحيح ستجلب العديد من الفوائد للبلاد.
أهم ما يميز هذا الممر مقارنة بالطرق البديلة هو اختصار الطريق بنسبة 40٪ وهو أرخص بنسبة 30٪ مقارنة بقناة السويس لنقل البضائع.كما لا يمكن تجاهل المزايا الاقتصادية لهذا المسار بالنسبة لإيران والذي من المتوقع أن تحصل إيران على 30 مليار دولار سنوياً من خلال تنفيذ هذا المشروع.
يُظهر سبب إستثمار الهند في جابهار والحصول على إعفاء من العقوبات الأمريكية في ظل رئاسة دونالد ترامب مدى أهمية هذا الممر للقوى الاقتصادية الناشئة في العالم. كما أن مساومة الهند على جابهار ستزيد بوضوح أوراق اللعب الجيوسياسية الإيرانية إذا تم الانتهاء من هذا المشروع بما في ذلك حقيقة أن ربط مصالح جمهورية أذربيجان بإيران سيقلل من المشاكل الأمنية للبلاد في الحدود الشمالية الغربية.
2- موقع إيران في ممر الحزام والطريق "حزام واحد، طريق واحد": من المفترض أن يحل هذا الممر الذي يجمع بين الطرق البحرية والبرية محل طريق الحرير القديم لربط آسيا بأوروبا. ويشمل هذا المشروع الطموح الذي تسعى إليه الصين الموانئ والطرق وسكك الحديد ويهدف إلى تغيير النظام الجيوسياسي للعالم لصالح الصين.
والهدف العملي لهذا المشروع هو جعل الصين في متناول العالم بأسره للتجارة، والتي لها بالطبع آثار ثقافية واجتماعية وسياسية.
من جهة أولى، فان العلاقات التاريخية العميقة الجذور بين إيران والصين؛ فضلاً عن النية المشتركة للبلدين في ميزان القوى ضد السياسات الأحادية للولايات المتحدة، قد جعلت إيران محوراً لبعض المصالح الاستراتيجية للصين. في المقابل، فان قدرة إيران على ربط المسارين البحري والبري لطريق الحرير الجديد تزيد من أهمية هذا البلد في خطة الصين الطموحة.
كما أن الوثيقة الشاملة حول الشراكة الاستراتيجية بين إيران والصين من جهة، وعضوية إيران في منظمة شنغهاي للتعاون من جهة أخرى، ستزيد من قدرة إيران على التطور بأسرع ما يمكن للمشاركة في هذا الممر الذي مما سيجعل من إيران مكاناً للتواصل بين العالم العربي والعالم التركي وعالم آسيا الوسطى والقوقاز وإلى حد كبير ستحل المشاكل الناجمة عن العزلة الاقتصادية الايرانية.
3- موقع إيران في ممر تراسيكا الأوروبي أوروبا - القوقاز وآسيا: هذا المشروع المسمى "ممر النقل لأوروبا والقوقاز وآسيا الوسطى" والذي يعتبر منافساً لمشروع الممر الصيني "حزام واحد، طريق واحد" يهدف إلى ربط آسيا الوسطى بأوروبا عبر القوقاز والبحر الأسود.
يتجاوز هذا المشروع موسكو ويشارك فيه الاتحاد الأوروبي و15 دولة في أوروبا الشرقية والقوقاز وآسيا الوسطى. ويُعرف الاتفاق الأساسي المتعدد الأطراف بين البلدان المشاركة في هذا المشروع بأنه الركيزة الأساسية لممر تراسيكا الأوروبي.
وفي بادئ الأمر، لم يشمل هذا المشروع إيران وكان من المفترض أن يربط القوقاز بآسيا الوسطى عبر بحر قزوين؛ لكن انضمام إيران إلى الاتفاقيات ذات الصلة في عام 2009 تمت إضافة طريق إيران - تركيا - بلغاريا إلى خطة هذا المشروع. كما يدخل الفرع الجنوبي لهذا الممر إيران من تركمانستان ثم يتصل بتركيا وسيوفر وجود إيران الأساس لدور أفغانستان وباكستان في هذا المشروع.
4- مكانة إيران في معاهدة عشق آباد: معاهدة عشق آباد وقعت عام 2011 بين دول عمان وقطر وتركمانستان وكازاخستان وإيران في محاولة لربط آسيا الوسطى بالمياه الدولية عبر إيران، وقد ازدادت أهميتها مع انضمام الهند إليها في عام 2018 وإمكانية ربط هذه الدول بالهند عبر إيران أيضاً.
وكما ذكر سابقاً، فان الجمهوريات التي نالت استقلالها عن الاتحاد السوفيتي في آسيا الوسطى محاطة باليابسة؛ ونتيجة لذلك فان إيران هي السبيل الوحيد بالنسبة لهذه الدول للوصول إلى المياه الإقليمية.
وعليه، فان بإمكان إيران إيصال الطاقة من تركمانستان وكازاخستان إلى المياه الإقليمية، ومن ناحية أخرى عبر تركيا إلى أوروبا.