تم الحفظ في الذاكرة المؤقتة...
في اليوم العالمي لمكافحة عمالتهم
إنعكاسات ومخاطر عمالة الأطفال
حدّدت منظمة العمل الدوليّة اليوم العالمي لمكافحة عمالة الأطفال في عام 2002. ومنذ ذلك الوقت تجتمع الحكومات والمؤسسات العامة والخاصّة وأرباب العمل والمجتمع المدني والنّاشطون وملايين الأشخاص من جميع أنحاء العالم لإلقاء الضوء على محنة الأطفال في ارجاء العالم وكيفيّة مساعدتهم. ويهدف هذا العمل إلى تحفيز الحركة العالميّة المتزايدة ضد عمالة الأطفال. وكان شعار إحتفاليّة هذا العام هو "الحماية الاجتماعيّة الشاملة لإنهاء عمل الأطفال" بهدف زيادة الاستثمار في أنظمة وخطط الحماية الإجتماعيّة وإنشاء أرضيات حماية متينة تُسهم في محاربة فقر وضعف الأسر ومن ثم منع الأسر من اللجوء إلى عمالة الأطفال في أوقات الأزمات.
كما أنّ الهدفين السّابع والثّامن من أهداف التنمية المستدامة التي أقرها قادة العالم في عام 2015 تدعو إلى «اتخاذ تدابير فوريّة وفعّالة للقضاء على السخرة وإنهاء الرق المعاصر والإتجار بالبشر لضمان حظر وإستئصال أسوأ أشكال عمل الأطفال، بما في ذلك تجنيدهم واستخدامهم كجنود، وإنهاء عمل الأطفال بجميع أشكاله بحلول عام 2025. وفي هذا الصدد اجرت صحيفة الوفاق حواراً مع الدكتورة رُلى فرحات وفيما يلي نص الحوار:
التّعريف القانوني للطفل
نصت المادة الأولى من الإتفاقية الدوليّة الخاصة بالطّفل للعام 1989، على أنّ الطّفل هو كل إنسان لم يتجاوز الثامنة عشرة من العمر، ما لم يبلغ سن الرشد قبل ذلك بموجب القانون المنطبق عليه. فتحديد سن الـ18 مبني على افتراض أن يكون الطّفل قد تطوّر جسدياً وعقلياً وعاطفياً، وبلغ درجة من الرشد والإكتمال. وهذا لا يمنع أية دولة من إعتماد سنٍ أصغر من السن المذكور يتناسب مع العوامل الإجتماعيّة والعرقيّة التي تُساهم في نمو الطّفل وبلوغه سن الرشد في تلك الدولة..
المقصود بعمالة الأطفال
عمالة الأطفال هي أعمال تنتهك القانون الدّولي والتّشريعات الوطنيّة وإتفاقيّة حقوق الطّفل فتضع أعباء ثقيلة على كاهل الطّفل وتعرض حياته للخطر. كذلك هي تحرمه من معظم حقوق الطّفولة وعلى رأسها التّعليم. فهي إما تحرم الأطفال من التعليم أو تتطلب منهم تحمل العبء المزدوج المتمثل في الدراسة والعمل.
ماذا تشمل عمالة الأّطّفال؟
تتضمّن عمالة الأطفال التي يجب القضاء عليها أسوأ الإنتهاكات لبراءة الطّفولة ولحقوقها وقد عُرفت دولياً بالإستعباد والإتجار بالبشر وتوظيف الأطفال جبراً لاستخدامهم في النّزاعات المسلّحة وأعمال الدّعارة والأعمال الإباحيّة والأنشطة غير المشروعة مثل توزيع المخدرات والمواد الممنوعة وكذلك تشغيلهم سخرة في الكثير من المعامل والمؤسسّات العالميّة والّتي تناول الإعلام مؤخراً بعضاً منها.
الأعمال الّتي يحظرها القانون الدّولي
ينقسم عمل الأطفال الذي يحظره القانون الدولي إلى فئات ثلاث:
1- الاستعباد والاتجار بالبشر والعمل سدادا لدين وسائر أشكال العمل الجبري وتوظيف الأطفال جبرا لاستخدامهم في النزاعات المسلحة وأعمال الدعارة والأعمال الإباحية والأنشطة غير المشروعة وهذه أسوأ أشكال عمل الأطفال المطلقة التي عرفت دوليّا.
2- العمل الذي يؤديه طفل دون الحد الأدنى للسن المخول لهذا النوع من العمل بالذات (كما حدده التشريع الوطني ووفقا للمعايير الدولية المعترف بها)، والعمل الذي من شأنه إعاقة تعليم الطّفل ونموه التّام.
3- العمل الذي يهدد الصّحة الجسديّة والفكريّة والمعنويّة للطفل أكان بسبب طبيعته أو بسبب الظروف التي ينفذ فيها، أي ما يعرف بمصطلح ’’العمل الخطر‘.
ما هي أسباب ظاهرة عمالة الأطفال؟
وإن كان الفقر هو السبب الرئيسى لعمالة الأطفال، حيث يعجز الأهل من الإنفاق على أولادهم فيُجبر الأطفال على العمل بسن مبكرة سواءً كان ذلك لمساعدة أسرهم طوعاً أو قصراً لضمان بقائهم على قيد الحياة. هناك أسباب أخرى عديدة نذكرُ منها:
1. تدنّي المستوى الثقافي للأسرة.
2. قلة المدارس وعدم إلتزام الحكومات بتطبيق سياسة التعليم الإلزام المجّاني.
3. النظام التعليمي الجّائر الّذي يستسبّب بترك الطّفل للمدرسة مثل سوء معاملة المعلّمين أو الخوف منهم، والتّنمر الّذي له الدّور الأكبر بإنخفاض الرّغبة بتكملة الدراسة.
4. تكلفة التّعليم لعائلة فقيرة يعوق قدراتها، حيث أنّ الإستثمار يجب أن يكون مربحاً وهذا نادراً ما يحدث. فإنّ التّعليم الّذي يُقدّم لهؤلاء الأطفال في كثير من الأحيان يكون دون المستوى، ولا يبعث على الأمل في أي تقدم إجتماعي، ورسم مستقبل واعد، ولا يُبرّر هذه التضحيات. وهناك العديد من الأمثلة عن الأسر التي أرادت بشدة أن يحصل أبناؤها على درجه كبيرة من التّحصيل العلمي ولكن سوء ظروفها الإقتصاديّة والمعيشيّة وعدم استطاعتها بتأمين التّكلفة العالية جداً حالت دون ذلك.
5. بعض سلوكيات الأهل الخاطئة الّتي تظنُّ أنّ عمل الطّفل في سن مبكرة جدّاً يُساعده على بناء شخصيته وتحمّل المسؤوليّة... وهذا ما يجعل البعض من الأطفال يفرحون بالمكسب المّادي ويُفضلون ذلك على التّحصيل العلمي.
لماذا لا يجب تشغيل الأطفال؟
العمل في سن مُبكرة يُعرّض الطّفل إلى مخاطر جسديّة وأضرار لا تُحمد عُقباها حيثُ أنّ الطّفل لا يزال في مرحلة النّمو. وعمالة الأطفال تُقيّد حقوقهم ووتمنعهم من التّمتع بحقوقهم في الطّفولة وكذلك من مستقبلهم الواعد. وتُؤدي إلى حلقات مفرغة من الفقر وعمل الأطفال بين الأجيال.
كيف يمكن الحد من ظاهرة تشغيل الاطفال؟
لكلٍ دوره، والكلّ مسؤول، بدءًا من الحكومة إلى أصحاب العمل والمدارس مروراً بالأسر...
وعليه، فطرق الوقاية من عمالة الأطفال عديدة نذكرُ منها:
1- وضع قوانين أكثر تشديداً وتنفيذها تنفيذاً فعالاً وحقيقياً بدون أي استثناءات أو محسوبيات.
2- الحرص على تنفيذ قانون التّعليم الإجباري المجّاني للأطفال (للأسف نجدُ ذلك إجملاً في الدول الغنيّة وشبه معدوم هذا الأمر في الدّول الفقيرة).
3- نشر التوعيّة بين أفراد المجتمع من خلال الحكومات عبر الإعلام والوزارات المختصّة لإقامة ندوات وورش توعيّة في المدارس والبلديات وغيرها بمساعدة النّاشطين في هذا الحقل والمجتمع المدني.
4- توفير قوى عاملة بالغة للأسواق التي تعاني من نقص الأيدي العاملة .
الأطفال في المجتمع بين أسس التربيّة والمستقبل
مستقبل المجتمع وتطوره مُرتبط بالبيئة التي يكبر فيها الأطفال. وهنا يُراودني العديد من الأسئلة الّتي تحتاج إلى صفحات للإجابة عليها وتحليلها وربطها بين واقع الطّفل اليوم في ظروفه الحاليّة وبين واقعه غداً بعد أن يتشرّب كل ما يُصادفه في طفولته ومراهقته أثناء بناء شخصيته ونموه.
هل ينشأ الأطفال في بيئة تعزّز قدراتهم وثقتهم بأنفسهم وتحميهم من العنف والإستغلال والإنخراط في الجريمة؟ أم أنّها بيئة تُساهم في إزدياد خطر إنخراطهم في السّلوك الإجرامي وتطويره؟ ما هو دور الأسرة في الوقاية والتّدخل لحماية أطفالها من الانحراف؟ كيف يُسهم وضع الأسرة في ذلك؟ وما هو دور المدرسة في شرح مفهوم العدالة ومعاييرها؟ وهل للوضع الإجتماعي العام تأثير في سلوك الأطفال وردة أفعالهم وبالتّالي إنحرافهم؟ والكثير الكثير غيرها.
تُسجّل الإحصاءات العالميّة أنّ هناك طفلاً واحداً في سوق العمل من ضمن 10 أطفال، وتتركّز عمالة الأطفال والمراهقين بنسبة 71 %، في المجال الزراعي والصيد البحري والعمل في الغابات ورعي الماشية وتربية الأحياء المائية، بينما يعمل 17 بالمائة من الأطفال في القطاع الخدماتي، كغسيل السيّارات و12 بالمائة في القطاع الصناعي والحرف، بما في ذلك التعدين.
وبالطّبع هذا يخضع في كثير من الأحيان إلى رغبات الأهل بالحرف الّتي على أبنائهم تعلّمها وإتقانها لإعتبارات عديدة منها وإن كان ذلك بالإضافة إلى دراستهم الأكاديميّة، كالدّخل المادي الّذي تُؤمّنه حرفة دون الأخرى أو التوارث العائلي لمهنة ما مثل النجارة والحدادة وصناعة الصّابون والحرف اليدويّة. والبعض يفضّل تعليمهم التّجارة، لما تمنحهم من ثقة في النفس ودراية واسعة بالعلاقات الإجتماعيّة.
نحن مع أن يقوم المراهق ببعض الأعمال في أوقات فراغه في إجازة الصّيف مثلّا حيثُ لا يشغلها إلا بمشاهدة التلفزيون أو إستخدام الهاتف النقال ومتابعة بعض البرامج والألعاب على الأجهزة الذكيّة، ما أضحى يعطي نتائج سلبيّة كثيرة من أمراض واضطرابات نفسيّة وانحرافات سلوكيّة، وتسرب مدرسي، وأمراض جسديّة مثل ضعف النّظر والسمنة والبلادة وقلّة التّركيز، خاصّة في غياب المتابعة الأسريّة .
عمل المراهق يجب أن يكون تحت رقابة الأهل الحثيثة وأن يختاروا المهنة الّتي تُساعده في تعزيز الإختصاص الّذي يرغب بمتابعته في الجامعة، حيث يجب أن يكون العمل هو حافو لنتابعة التّحصيل العلمي وليس العكس. كذلك اختيار صاحب العمل ذو السّمعة الحسنة لأن هذه المرحلة (المراهقة) هي أخطر وقت عند الطّفل حيث يعيش صراعات عديدة منها رغبته في الإستقلاليّة والكسب المادي. ومن هنا يبدأ الأطفال بالتّعرّف على سلوكيّات سيّئة واكتساب عادات خطرة توصلهم إلى الإنحراف نتيجة غياب المتابعة.
من هنا، يأتي دور الأسرة والمدرسة والإعلام في مساعدة الأطفال على فهم الاختلافات بين الناس واحترامها وتقديرها، عبر توضيح القيم العائلية واستخدام الكلمات والأمثال والأفعال التي تُظهر للأطفال القيم الأخلاقية، بما في ذلك المعاملة المتساوية للجميع، والعدالة، والدفاع عن أولئك الذين يعانون، واحترام جميع الأشخاص بغضّ النظر عن لونهم أو اللغة التي يتحدثون بها أو أي اختلافات أخرى. وهذا ما يُحصّن المراهقين ويُعطيهم القوة النّفسيّة باختيار الأفضل لأنّهم في وعي وإدراك لمرحلتهم العمريّة ولما يُحيطها من مغريات وإحباطات وتفاعلات ومعلومات...
إنعكاسات ومخاطر عمالة الأطفال
يتعرّض ملايين الأطفال إلى التسرّب المدرسي لدخول سوق العمل بأعدادٍ كبيرة تُقارب 16% لأسبابٍ مختلفة (ذكرناها سابقاً). وعمالة الأطفال لا تشمل فقط تشغيلهم في سن صغيرة فقط، وإنما يتعرض الأطفال لشتى أنواع التعذيب وأساليب التّنمر اللفظيّة والجسديّة والممارسات غير الأخلاقية في العديد من المجتمعات، حيثُ يعمل أطفال كثيرون في ظل أوضاع استغلالية تؤدي إلى آثار ضارّة على حالتهم الجسمانيّة وصحتهم العقليّة والنفسيّة، فتُستغل براءة طفولتهم وتُلغى حقوقهم بالعمالة الاستعبادية في مجالات صناعات السّجاد والمنسوجات، والزّراعة، والتّعدين، وصناعة الدعارة وتوزيع المخدرات والمواد الممنوعة، وفي خدمة المنازل والمؤسّسات وغيرها.
وسوق عمالة الأطفال لا يتوفّر فيه الشروط الصحية السليمة ولا يحتوي على العدد اللازمة للحفاظ على سلامتهم كما أن ظروف العمل نفسها تنطوي على مخاطر بيئية. ومن المخاطر الّتي يتعرّض إليها الأطفال حين يعملون:
- إصابتهم بالأمراض والعجز من خلال التعرض للرصاص والزئبق عند جمع القمامة
- إصابتهم بكسور وتهشمات في عظامهم نتيجة رفع أحمال ثقيلة، وأحياناً لمسافاتٍ طويلة
- تعرضهم لحوادث ناجمة عن الأدوات الحادة والمعدات التي تعمل بمحركات
- تعرّض الأطفال العاملين في المعامل والمصانع للتسمّم نتيجة المواد الكيميائية السامة
- تعرّض الأطفال العاملين في مشاغل النجارة وورشات إصلاح السيارات، لكمياتٍ كبيرة من الغبار وملوّثات الجو حيثُ تنقصها التهويّة الملائمة ويوجد فيها ضجيج عالي جداً وهذا يُؤثّر على صحة الأطفال ونموهم
- تعرضهم لمضايقات شديدة ولإعتداءات جسديّة ونفسيّة وللتحرّش الجنسي المُتعدّد الأوجه والّذي يضع الطّفل على أول درجة في سُلّم الإنحراف والفساد الأخلاقي
وقد اعتبرت منظمة العمل الدوليّة أن عمل الأطفال كخدم في المنازل أسوأ أشكال عمالة الأطفال، واّلتي تُعتبر واحدة من المهن التي يمكن أن تتسبّب في مشاكل تكيّف أسري وإجتماعي ونفسي خطيرة.
فهؤلاء الأطفال العاملون يعملون لساعات طويلة، ويعيشون عادةً بعيداً عن منازلهم وفي كثير من الأحيان في عزلة تامة عن أسرهم وأصدقائهم، وأحياناً يتمّ بيعهم. ولا ننسى أنّ عمل الأطفال غير القانوني يتعارض مع تعليمهم ويمثل شكلاً من أشكال الإساءة والإهمال لهم.
وقد ذكر تقرير صادر عن منظمة الصحة العالمية (WHO) في عام 1987 أن الضّغط النّفسي، والإصابة بالشيخوخة قبل الأوان، والإكتئاب، وإنخفاض الإحساس بإحترام الذات هي أعراض شائعة بين الخدم صغار السن.