الصفحات
  • الصفحه الاولي
  • محلیات
  • اقتصاد
  • دولیات
  • الثقاقه و المجتمع
  • مقالات و المقابلات
  • الریاضه و السیاحه
  • عربیات
  • منوعات
العدد سبعة آلاف ومائتان واثنان وستون - ١٩ يونيو ٢٠٢٣
صحیفة ایران الدولیة الوفاق - العدد سبعة آلاف ومائتان واثنان وستون - ١٩ يونيو ٢٠٢٣ - الصفحة ۸

ما هو فرق العملة وما هي تداعياته؟

 

عماد الحطبة
كاتب ومحلل
"فرق العملة" تعبير نستعمله للدلالة على خسارة من دون معنى، والمقصود أنك تخسر جزءاً من أموالك إذا قمت بتحويل الأموال من عملة إلى أخرى. هذه الخسارة لا يمكن تعويضها، وليس لها مبرر منطقي. على مستوى الدول، يؤدي فرق العملة دوراً مهماً في خلق الأزمات الاقتصادية أو معالجتها.
أشهر مثال على الدول التي عانت أزمات اقتصادية بسبب فرق العملة (سعر التصريف) كان النمور الآسيوية (كوريا الجنوبية وتايوان وسنغافورة وهونغ كونغ). هذه الدول عانت عام 1997 من انخفاض قيمة عملتها بنسبة 60% أمام الدولار، ما جعلها عاجزة عن تسديد ديونها الخارجية، رغم توفر سيولة مالية كبيرة لديها، لكن بالعملات المحلية.
تعددت الدراسات التي حاولت تحليل ظاهرة انهيار النمور الآسيوية، وخصوصاً كوريا الجنوبية، وطُرحت أسباب عديدة، لكن معظم الدراسات أجمعت على أن المركز الرأسمالي بقيادة الولايات المتحدة أدى دوراً مهماً في عملية الانهيار، والسبب أنَّ النمو الاقتصادي السريع لهذه الدول جعلها تتحول إلى منافس حقيقي للمركز الرأسمالي.
تعافت النمور الآسيوية بسرعة، لكنها عادت إلى الحظيرة الرأسمالية، واختفى من الإعلام ومن الدراسات الاقتصادية الحديث عن القوة الاقتصادية القادمة من الشرق أو الرأسمالية بنكهة آسيوية، كما سماها سلافوي جيجك، لكن سعر الصرف ليس الحيلة الوحيدة التي يلجأ إليها المركز الرأسمالي لصناعة الأزمات في الاقتصادات المستهدفة، فهناك أيضاً سعر الصرف الموازي أو ما نسميه بالعامية "السوق السوداء".
تتجاوز أهمية السوق السوداء بالنسبة إلى المركز الرأسمالي كل وسائل الضغط التي يمارسها على الاقتصادات المستهدفة الحصار الاقتصادي الذي يفرضه المركز الرأسمالي على أي دولة يكون من دون معنى ما لم تكن هناك سوق سوداء تتلاعب بأسعار صرف العملات المحلية.
الحصار الذي تفرضه الرأسمالية على دولة مثل إيران أو سوريا يكون الهدف منه حرمانها من التصدير والحصول على قطع أجنبي لتمويل الاستيراد. لذلك، تضطر الشركات والأفراد إلى اللجوء إلى السوق الموازية (السوداء) لشراء العملة الصعبة لتمويل احتياجاتهم. تتحول العملة إلى سلعة تخضع لشروط العرض والطلب، فيرتفع سعر العملة الأجنبية كلما ازداد الطلب عليها. وفي المقابل، ينخفض سعر العملة المحلية، فترتفع الأسعار، ويعاني الاقتصاد التضخم.
هناك طريقة أخرى للضغط على الدول المستهدفة، كما هي الحال مع لبنان، فالقروض التي تقدمها المراكز المالية الدولية تُحول لتمويل المشاريع الاقتصادية المحلية بعد تقييمها بالسعر الرسمي، ما يجعل الموارد المتاحة بتلك العملة المحلية تقل عما لو كان سعر الصرف قد حدث بسعر السوق الموازية.
عند التسديد، يكون على البنك المركزي جمع الدولار من السوق بالسعر الموازي. إذا علمنا أن السعر في السوق الموازي في لبنان مثلاً أعلى بـ616% من السعر الرسمي، نستطيع تقدير الأزمة المستعصية التي يعيشها البلد، والتي هي في الأساس صناعة أميركية بحتة ذات أهداف سياسية.
رغم الدور المركزي للرأسمالية في الأزمات، فإننا لا نستطيع التغاضي عن أهمية وجود فساد محلي لإتمام السيناريو المطلوب. فالسوق السوداء لا يمكن أن تزدهر من دون وجود مؤسسة فساد متماسكة.
الحديث هنا ليس عن المتعاملين الصغار الذين يتم إلقاء القبض عليهم في الشوارع، ولكن عن قوى سياسية واقتصادية بعضها موجود ضمن بنية الدولة نفسها، وتعمل عن كثب مع المركز المالي للتلاعب بأسعار العملة المحلية.
يمتلك البنك الدولي حلاً سحرياً لهذه المعضلة يكمن في تعديل الأسعار الرسمية ومساواتها بأسعار السوق الموازية (السوداء) وذلك للحصول على القيمة القصوى للقروض، ومكافحة التضخم، والقضاء فعلياً على السوق السوداء. كلها أهداف تبدو سامية، إلا أن ما يغيب عنها هو الأثر الذي ستتركه في المجتمعات.
انخفاض سعر العملة المحلية أمام الدولار سيترك أثراً كبيراً في المشاريع الاقتصادية المتوسطة والصغرى التي تشكل عماد الاقتصاد في الدول النامية. ارتفاع تكلفة تأسيس هذه المشاريع أو الحفاظ على استمراريتها سيؤدي إلى إغلاقها أو بيعها للشركات الكبرى، وهي بالمصادفة البحتة شركات رأسمالية تحضر تحت شعار جلب الاستثمارات الدولية، ويترافق حضورها مع تسهيلات جمركية وضريبية تجعل منافستها ضرباً من المحال.
على مستوى الأفراد، فإن التأثير سيطال في الدرجة الأولى الطبقة الفقيرة التي تنفق أعلى نسبة من دخلها على الغذاء الذي سيرتفع ثمنه بسب التضخم وارتفاع كلفة الاستيراد، ما سيدفع الأسر الأقل دخلاً إلى اقتطاع جزء من مخصصات التعليم والصحة وتوجيهه لتغطية الحاجة من الغذاء، ما يضع المزيد من الضغط على الخدمات الحكومية في مجالي الصحة والتعليم. وهنا، تكون الحكومات أمام واحد من حلين؛ إما المزيد من القروض بحسب وصفات البنك الدولي، أو خصخصة الخدمات الحكومية بحسب وصفات صندوق النقد الدولي، والنتيجة واحدة: فقدان الاستقرار الاقتصادي والقدرة على الاعتماد على الذات، وبالتالي فقدان استقلال الإرادة الوطنية والتبعية الكاملة للمركز الرأسمالي.
هذه القصة التي تبدو معقدة تبدأ من دولار نذهب لتصريفه في السوق السوداء، وتمر بمحاباة مسؤول أو اقتصادي فاسد، وعبر تخطيط اقتصادي يقوم على إدارة الأزمة وليس حلها. وفي المحصلة، يمكن أن نجد العدو ينشئ قواعده على أراضي بلادنا، ويفرض على قوانيننا وأنظمتنا حماية جنود المحتل وشركاته وقواعده، ويجعل من بطل وطني مثل محمد صلاح الذي نفذ عملية بطولية دفاعاً عن قضية أمته "إرهابياً".

 

 

البحث
الأرشيف التاريخي