دمشق وبغداد: 3 مسارات في اختبار النيات المشتركة
زياد غصن
كاتب ومحلل سياسي
تتزايد فرص التقارب السوري العراقي بعد كارثة زلزال شباط/فبراير الماضي، الذي كان للموقف العراقي رسمياً وشعبياً -وما قُدم على مدار أسابيع عدة من دعم لوجستي ومساعدات إغاثية عاجلة- أثره البالغ في نفوس السوريين ومؤسساتهم الرسمية والأهلية. وبحسب المعلومات المتوفرة، فإن أشهر ما بعد الزلزال المذكور شهدت زيارات متبادلة عدة لمسؤولي البلدين، بعضها تم الإعلان عنه، وبعضها الآخر بقي بعيداً من الأضواء، وذلك بغية تطوير العلاقات الثنائية في مختلف المجالات ووضعها على سكتها الصحيحة والمفيدة للبلدين. ومن المتوقع أن تنعكس إجراءات الانفتاح على 3 مستويات هي:
- العلاقات السياسية بين البلدين وما تتطلبه المرحلة الحالية من تنسيق مشترك في مواجهة ملفات إقليمية ودولية تهم البلدين معاً.
- العلاقات الاقتصادية التي تفرضها عوامل عدة، من قبيل: التقارب الجغرافي، والمصالح الاقتصادية المتبادلة، والتحديات المشتركة.
- العلاقات الاجتماعية والسياحية وما تعنيه من تسهيل عمليات الانتقال لمواطني البلدين، بقصد الزيارات الاجتماعية أو السياحة الدينية والتعاون الأهلي والمجتمعي.
ضرورات سياسية
موقف العراق الداعم لعودة سوريا إلى جامعة الدول العربية، وما بذله من جهود لتحقيق تلك العودة بالتعاون مع دول أخرى، كالجزائر والإمارات العربية المتحدة، نقل العلاقات السياسية بين البلدين من حالة الرتابة والحذر إلى حالة التنشيط والتواصل بحثاً عن قواسم مشتركة يمكن البناء عليها لفتح صفحة جديدة من التعاون السياسي، ولا سيما أن البلدين حافظا طيلة السنوات السابقة على تمثيل دبلوماسي عالي المستوى. وما يشجع البلدين على المضي قدماً في تفعيل علاقاتهما السياسية وتحسينها مجموعة من المصالح المشتركة، أبرزها:
- تعزيز التعاون الأمني والعسكري بين البلدين في مواجهة تهديد تنظيم "داعش" أو ما تبقى من خلاياه النشطة والمنتشرة في المناطق الحدودية، التي لا تزال تشكل تهديداً مباشراً لأمن البلدين واستقرارهما في ضوء ما تنفذه من عمليات إرهابية ضد المدنيين والنقاط العسكرية في كلا البلدين.
- تنسيق المواقف حيال العلاقة مع بعض دول الجوار والإقليم، وفي مقدمتها العلاقة مع تركيا التي تخرق سيادة الدولتين بتدخلها العسكري المباشر، بذريعة محاربة عناصر حزب العمال الكردستاني وملاحقتهم، إضافة إلى عدم التزام أنقرة بالاتفاقيات الدولية والثلاثية المتعلقة بحصص البلدين من مياه نهري الفرات ودجلة، والتي تسبب إجراءاتها المتمثلة بخفض منسوب المياه المتجهة إلى أراضي الدولتين آثاراً سلبية عميقة تمس حياة ملايين السوريين والعراقيين.
- المتغيرات الإقليمية والدولية بوجهيها: السلبي المتمثل في تبعات الحرب الأوكرانية والموقف الغربي منها، وأثر ذلك في العلاقات الدولية والأسواق العالمية، والإيجابي المتعلق بالانفتاح الصيني على توسيع مجالات التعاون مع دول المنطقة وتعميقها.
- تكريس مرجعية العاصمتين في كل ما يتعلق بشؤونهما الداخلية واتخاذ القرارات اللازمة، بما يحفظ سيادة كل منهما ويضع حداً لمحاولات الخارج تكريس واقع يهدد مصالح البلدين واستقرارهما السياسي والاقتصادي والاجتماعي.
مصالح اقتصادية
الانعكاس الفعلي لمستوى التقارب السوري - العراقي سيكون في المجال الاقتصادي من خلال مؤشرات عدة يمكن إيجازها بالبنود التالية:
- واقع المبادلات التجارية بين البلدين ومدى تأثرها بالانفتاح السياسي الحاصل. فرصة نمو هذه المبادلات تبدو متوفرة لأسباب عدة منها: حاجة السوق العراقية إلى العديد من السلع والمنتجات الزراعية والصناعية المنتجة في سوريا، والتي يمكن أن تشكل حالة تنافسية كبيرة بفضل القرب الجغرافي.
- التعاون في المجالات الاستثمارية والبحثية والعلمية وغيرها. مثلاً، الاستثمارات العراقية الإجمالية في سوريا شكلت لغاية العام الماضي ما نسبته 31%، لتأتي بذلك في المرتبة الثانية بعد لبنان، الذي بلغت نسبة استثمارات أبنائه الإجمالية في سوريا نحو 32%، لكن تدني نسبة المشروعات العراقية المنفذة أو التي ما زالت قيد التنفيذ ربما يشكل أحد الملفات المهمة الواجب بحثها ونقاشها رسمياً.
أما مجالات التعاون البحثي والعلمي فهي أكثر من واسعة. ولعل الاتفاقية الزراعية التي وقعت بين 4 دول عربية، من بينها سوريا والعراق، تشكل إضافة مهمة للجهود الإقليمية الساعية إلى مواجهة تداعيات أزمات الغذاء والتغيرات المناخية.
- تنشيط تجارة الترانزيت من خلال تسهيل عمليات تأمين العراق لاحتياجاته من السلع والبضائع المستوردة عبر المرافئ السورية، وتحديداً مرفأ طرطوس. هذا النشاط التجاري تأثر خلال السنوات الماضية بفعل الظروف الأمنية التي مر بها البلدان وتهديدات تنظيم "داعش"، فضلاً عن العقوبات والضغوط التي تمارسها واشنطن لمنع تقارب البلدين اقتصادياً وتحويل التجارة المتوسطية نحو المرافئ الصهيونية.
- إعادة إحياء المشاريع الاستراتيجية الثنائية أو الإقليمية، كإعادة العمل بتصدير النفط العراقي عبر المرافئ السورية، وذلك عبر إصلاح وصيانة خطوط النقل المتوقفة عن العمل منذ ثمانينات القرن الماضي أو العمل على مد خطوط جديدة.
ثمة اتفاقيات جرى التوقيع عليها سابقاً بين سوريا والعراق، وبين سوريا والعراق وإيران، بغية تحقيق الربط السككي بين الدول الثلاث وإنشاء شبكة أنابيب هدفها تصدير النفط والغاز المنتج في كل من إيران والعراق عبر المرافئ السورية. وهناك أيضاً مشروع الربط الكهربائي مع العراق ضمن مشروع الربط العربي وغيرها من المشروعات الحيوية والمؤثرة في المشهد الاقتصادي الإقليمي.
مطالب شعبية
اختارت كثير من الأسر السورية مدناً عراقية للإقامة والعمل فيها طيلة السنوات الماضية، الأمر الذي يفرض على البلدين تسهيل عمليات الانتقال والتنقل لأسباب اجتماعية واقتصادية ودينية، إذ إن لديهما مقامات دينية تستقطب زواراً على مدار العام من البلدين ومن غيرهما من البلدان العربية والإقليمية، بحيث نشطت السياحة الدينية بشكل أكبر من السابق، ويمكنها أن تتوسع أكثر مع استقرار البلدين وتحسن الأوضاع الاقتصادية فيهما.
ما يتوفر من معلومات عن الأجواء التي رافقت زيارات المسؤولين السوريين والعراقيين المتبادلة تشي بأن المرحلة المقبلة يمكن أن تشهد نقلة نوعية في علاقات البلدين قد تصل إلى مرحلة من التكامل والتعاون، وتعوض بذلك عن سنوات القطيعة والجفاء والحذر، لكن هل تكون بعض الدول الإقليمية سعيدة بهذا الواقع الجديد؟ وماذا عن الموقف الأميركي والضغوط التي يمكن أن تمارس لإفشال التقارب أو محاصرته؟
هناك خبر صغير قادم. إذا ما تم الإعلان عنه وخرج إلى حيز التنفيذ، فهذا يعني أن العلاقات بين البلدين ذاهبة إلى مكان يسعد كل عربي، ولن يعوقها شيء عن الوصول إلى مبتغاها.