عبر إشاعة ثقافة الامل
البناء التربوي السليم للطفل
علي حسين عبيد
كاتب
هناك دراسات كثيرة رافقتها التجارب العملية، أثبتت أن التشجيع والاطراء يضاعف قدرات الطفل ويُسهم في اطلاق مواهبه، ويجعله مستعدا لمواكبة التطور السريع الذي يشهده عالم التكنولوجيا والعلوم الحديثة وسواها. وقد أكد علماء النفس والاجتماع، أن الردع غير المدروس والمبالغ به للطفل يعني تحجيما لقدراته، ومواهبه ومهاراته، على العكس تماما من اسلوب التشجيع، وإشاعة ثقافة الامل بين النسل الجديد، حيث يكون المجتمع هو المستفيد الاول من هذا الاسلوب التربوي الذي يهدف الى دفع الطفل الى إظهار مواهبه وطاقاته دونما تردد.
وتكون الحاضنة الاولى للطفل مسؤولة على نحو مباشر في تشكيل شخصيته، وجعلها منتجة متفاعلة او العكس، ونعني بها العائلة، اذ يتابع الطفل طريقة التعامل العائلي معه وهو يفهم المشاعر والحركات والكلمات التي يشعرها ويراها ويسمعها من الاب والام والآخرين، وعلى ضوء ذلك يمكن أن يكون مضطربا قلقا، او مطمئناً منسجماً.
وقد أثبتت الدراسات والأبحاث العلمية أن مرحلة الطفولة المبكرة فى حياة الطفل تشكل الملامح الأساسية لشخصيته وترسم الخطوط العريضة لما سيكون عليه مستقبله ففى هذه المرحلة يحاول اكتشاف كل ما حوله ويتعرف على البيئة المحيطة به ويفحص كل شيء تقع عليه عيناه عن طريق قاموس مدركاته.
ويقول أحد الخبراء المعنيين بتربية الطفل إن الاضطرابات النفسية التي يتعرض لها الأطفال مصدرها الأساسي الظروف والبيئة المحيطة، فالطفل الذي لا يجد البيئة التي تشبع له احتياجاته ويشعر بأنه غير مرغوب فيه، يصبح سيئ التوافق مضطربا نفسياً، أما الطفل الذي يجد الحب والحنان من والديه فيشعر بالسعادة والطمأنينة والرضا، لأن الطفل بطبيعته يستطيع أن يلمس هذا الحب في بسمة سعيدة أو في نظرة حب تشعره بدفء الحياة وجمالها.
لذا فإن إشاعة ثقافة الامل بين الاطفال وتشجيعهم وعدم كبح تطلعاتهم واحلامهم، سوف تساعد على بناء شخصية متوازنة، وهي تشكل رصدا مهما للبناء المجتمعي السليم، لهذا مطلوب من المحيط العائلي اولا أن يوفر الامان والشعور بالسعادة والاستقرار للطفل، ثم مساعدته على اطلاق قدراته، وينبغي من العائلة والمحيط المدرسي ومحيط العمل، تجنب اسلوب الكبح والردع غير المبرر، لانه يسهم بخلق شخصية منكفئة مستسلمة مقيّدة لا يمكنها إطلاق قدراتها ولا مواهبها ولا إمكانياتها التي غالبا ما تبقى حبيسة في اعماق الطفل/ الانسان، لأنه لم يلق التشجيع ولا الاطراء ولا الامل من العائلة او المدرسة او محيط العمل، لذا تتشكل شخصيته في ضوء ثقافة الكبح، وهي ثقافة يمكن ملاحظتها في مجتمعنا، حيث يتم ردع الطفل باسلوب عفوي ولكنه يعيق الطفل عن إظهار مواهبه وقدراته، ويستمر هذا النمط من السلوك حتى مراحل متقدمة من عمر الانسان بسبب افتقاده لمشاعر الحب والتشجيع والاطمئنان في العائلة
أو سواها.
يقول احد المختصين في هذا الجانب إن الطفل بحاجة إلى الشعور بالاطمئنان والأمان والهدوء النفسي داخل أسرته فهي التي تحميه من أي مخاوف أو متاعب يشعر بها والطفل حين ينظر إلى والديه يقتدى بهما وعلى خطواتهما يسير ومنهما يتعلم الحب والخير والحنو والصدق والالتزام. فالطفل يقارن بين ما يقال وبين السلوك الحقيقي فإذا وجد تناقضاً بين ما يقال له وما يتم عمله بالفعل يصاب بالتمزق والاضطراب النفسي ويفقد القدرة على التوازن والتمييز وفي النهاية لابد أن يدرك الوالدان هذه الحقيقة ويكونا مثالاً لكل الصفات الجميلة والطيبة حتى يشب الطفل على ذلك.
في الخلاصة نحتاج كمجتمع يتطلع الى حياة افضل، أن نشيع ثقافة الامل بين أطفالنا وشبابنا، وأن يكون التشجيع جزاءً من سلوكنا اليومي مع الآخرين، وأن يحضر الاطراء دائما فيما يتعلق بما يقوم به اطفالنا من فعاليات مختلفة، أما اذا احتاج الامر الى التصحيح، فيجب أن يتم ذلك بألفاظ هادئة ومتوازنة لا تحجّم من مواهب الطفل، ولا تجعله يتجنب الافصاح عن قدراته ومواهبه، وحين تسود ثقافة الامل والتشجيع، سوف تسود علاقات متوازنة بين الجميع تساعد على إظهار المواهب دونما تردد او خوف أو تراجع، وهو امر يصب بالنتيجة، في مسار بناء المجتمع السليم.