الصفحات
  • الصفحه الاولي
  • محلیات
  • اقتصاد
  • دولیات
  • الثقاقه و المجتمع
  • مقالات و المقابلات
  • الریاضه و السیاحه
  • عربیات
  • منوعات
العدد سبعة آلاف ومائتان وسبعة وخمسون - ١٣ يونيو ٢٠٢٣
صحیفة ایران الدولیة الوفاق - العدد سبعة آلاف ومائتان وسبعة وخمسون - ١٣ يونيو ٢٠٢٣ - الصفحة ٥

الأدب فوق التاريخ.. أولاد الغيتو رواة النكبة (1-2)

عايدة فحماوي
أكاديميّة فلسطينيّة
في عالم يوتيوبيّ تسير الحقيقة إلى جوار الحقّ، ويُكْتَب الأدب من أجل جماليّاته، لكن في عالم تسوده الفوضى والعنف والتناحر والقمع، لا بدّ من أنّ المعادلة ستختلف، ومن أنّ نسبيّة الحقيقة ستقف عاجزة أمام ثبات الحقّ. ماذا تفعل اللغة أمام هذا كلّه؟ رواية "أولاد الغيتو" - بجزأيها "اسمي آدم" (2016) و "نجمة البحر" (2019) - تحفر عميقاً في هذا السؤال.
كلّما أوغلنا في تقشير طبقات "أولاد الغيتو" تكشّفت لنا المعماريّة التي يبني فيها خوري طبقات روايته: السرديّة، والميتا-أدبيّة، والفلسفة اللغويّة، والتوثيقيّة، والفكريّة، والاستشرافيّة، حيث يمارس خوري في هذه الرواية حفراً في جوهر اللغة، ويحاور الحقيقة والحقّ من خلال بصيرة الأدب ("النصّ الأدبيّ بيتكم"، "نجمة البحر"، ص 200)؛ فيمتحن علاقات اللغة بالصمت ومقدرة الأدب على الوقوف أمام محو الإنسانيّة والهويّة والذاكرة، فيصبح "دارس الأدب هو مَنْ يصير الأدب ذاكرته" (ص 200).
يقوم مشروع خوري الروائيّ على اعتبار أنّ "الأدب سجلّ الخائفين" (ص 212) والمسحوقين والمهمَّشين، وأنّ "اللغة تضيء الروح" (ص 355).
على هذا الأساس يتحوّل الكاتب إلى مثقّف، يتجاوز الكتابة الجماليّة نحو الكتابة المشتبكة والمعادِلة للأخلاق. لذا؛ فإنّ خوري ينبش عن حكايات غير معادة، تنزاح عن التاريخ بصفته سجلّاً للمنتصرين/ الأبطال، وتنزاح عن الرواية الرسميّة بصفتها جنساً أدبيّاً في حدود التعريف.
على مدى جزأين، يكتب "آدم دنّون" - الشخصيّة المركزيّة في الرواية - قصّته وقصص الآخرين؛ آدم الفلسطينيّ المولود في غيتو اللدّ في عام النكبة، يجد نفسه هارباً من "التراوما" (الصدمة)، ومن بيت أمّه منال وقسوة زوجها، نحو معادلة النسيان، أو اللامرئيّة؛ يلتبس بقبّعة الإخفاء، يخفي فلسطينيّته كي يخفي مأساته عن نفسه.
يزور وارسو متوارياً؛ ليجد نفسه في كلّ مرّة أمام الذاكرة، أو المرآة. تحوّل الحقيقة آدم دنّون إلى "شهرزاد" النكبة، يروي حكاياتها من اللدّ إلى حيفا إلى يافا، إلى منفاه الأخير في نيويورك، فحين يخبره "مأمون الأعمى"، صديقه وأستاذه القديم الّذي كان بمنزلة أبيه الروحيّ، أنّ منال ليست أمّه، وأنّ أباه ليس شهيداً، بل هو مَنْ وجده فوق صدر أمّه الميّتة تحت شجرة الزيتون أثناء حدث النكبة، يقرّر آدم أن يكتب ويخرج من صندوقه، ويُخْرِج معه كلّ حكايات النكبة الصامتة التي اختزنها طوال أربعين عاماً.
 ينضج قرار آدم بالكتابة في الجزء الأوّل "اسمي آدم" كميكانزيم دفاعيّ مضادّ لثلاثة أشكال من عجز اللغة: الغضب، والنسيان، والصمت؛ لتواجه الرواية سؤالين عميقين يتعلّقان بدور الكتابة أمام الحقّ والحقيقة: سؤال التاريخ وسؤال الأدب، وبين هذين نجد السؤال المتجدّد حول دور المثقّف الفلسطينيّ عبر النكبة المستمرّة حاضراً بقوّة.
الحقّ والحقيقة في "نجمة البحر"
تتفتّق هذه الرواية عن خطّ تاريخيّ تمرّ عبره ثلاثة تقاطعات، في مركزها النكبة الفلسطينيّة، وإلى جوارها الهولوكوست، ومسألة اليهود العرب ممّن هاجروا إلى "أرض الميعاد". من خلال هذه التقاطعات ينبش خوري في أثر الخيارات الأخلاقيّة للشعوب في صناعة الحاضر والمستقبل، ويعتمد على الشهادات الحقيقيّة التي سمعها وقرأها وشاهدها، ويؤرّض لظروف جماليّة ملائمة لاستحضار حوارات فكريّة تخترق النوع الأدبيّ الروائيّ؛ فتصبح هذه الرواية "محاولة اعتراضيّة على الأدب أكثر ممّا هي عمل أدبيّ" (ص 259).
يتبع...

 

 

البحث
الأرشيف التاريخي