الشيخ محمد الكرباسي للوفاق:
إحراز الإيمان يُساعد المراهق على الوصول إلى السكينة الروحيّة
سهامه مجلسي
ان موضوع العلاقة بين الدين والمراهقين من المواضيع المهمة الداخلة في علم التربية التي ينبغي التركيز عليها من قبل رجالات العلم والمعرفة، ان ما يشهده عالمنا من الابتعاد عن الاخلاق والروحانية النفسية ما هو الا نتيجة لما يحاك ويعمل بكل قوة من التقرب الى المادة العمياء والابتعاد عن النفس الفطرية ونوريتها. لأنه كلما ابتعد الانسان عن عقيدته واخلاقه استطاعت القوى الشيطانية والاستعمارية السيطرة عليه واشباع غرائزه وشهواته فيكون عبارة عن بهيمة غايته اشباع غرائزه. ان هذا الخطر المحدق بعالمنا الإسلامي يجب الانتباه له والتعامل معه بأدوات واضحة وسوف نسلط الضوء على بعض مخاطر هذه المرحلة من الانسان وبعض العوامل التي يجب ان نراعيها لتثبيت الدين وتاثيره على السلوكيات الإنسانية. وفي هذا الصدد اجرت صحيفة الوفاق حواراً مع الشيخ محمد الكرباسي العالم الديني بالحوزة العلمية في النجف الاشرف وفيما يلي نص الحوار:
ما هي مرحلة المراهقة؟
هي مرحلة من مراحل النمو الانساني التي تختلط بمشاكلها وعوائقها وصعوباتها مع حياة الإنسان، وليس من اليسير تحديد بداية هذه المرحلة ونهايتها حيث تتأرجح بين الطفولة والرشد، فلا هي طفولة ولا هي رشد. وهذا إن دلّ على شيء فهو يدلّ على صعوبة هذه المرحلة ومدى دقّتها وحساسيّتها؛ لأنّ المراهق في هذه الأثناء يكون في حال الانفصال عن العلائق التي تربطه بحياة الطفولة من جهة، ونازعاً برغباته بشدّة نحو الاستقلال وحياة الكبار من جهة أخرى، لكنّه ليس هذا ولا ذاك تماماً. لذا، فإنّ هذه المرحلة تنطوي على جانب كبير من التصوّرات والرغبات، بحيث يرتبط قسم منها بحدود الطفولة، ويرسو قسم آخر منها عند دنيا الشباب.
والمراهقة هي مرحلة بداية تحقّق النموّ والنضج الكمّي والنوعي عند الطفل، بشكل سريع ومتتابع، لذا تحتاج هذه المرحلة إلى رعاية خاصّة، ففي هذه المرحلة العمرية تبرز معظم المشاكل التربويّة والفكريّة والسلوكيّة، والأبناء فيها إمّا أن يتيهوا، وإمّا أن يسيروا في الطريق الصحيح نحو الكمال والرفعة الإنسانيّة.
بعد أن يطوي الإنسان مرحلة طفولته، يواجه أزمة الهوية، حيث تجول في ذهنه وفكره أسئلةٌ متعدّدة، ويكون في صدد العثور على إجاباتها. إذ يسأل المراهق نفسه: ما معنى الحياة؟ ومن أكون؟ ولماذا أحيا؟ وإلى أين أمضي؟ وكيف ولماذا ينبغي أن أمضي؟ وهل توجد حياة أخرى بعد الموت؟ فإن كان نعم، فما هي طبيعتها؟
من هنا يعتريه القلق حيال والديه؛ إذ هل يقبلان به بما هو عليه؟! هل هو عزيزٌ عليهم؟ وهل يريان له شأناً ومنزلةً أم لا؟ وتحيطه الهواجس تجاه مكانته في المجتمع، وما نوع الرابطة التي تربطه بالمجتمع؟ ماذا يتوقّع المجتمع منه؟ وما هو دورُه ووظيفتُه في المجتمع؟
ومن الناحية الاعتقادية، يصبح ما يحمله من قيمٍ وآدابٍ وتقاليدَ سابقةٍ محلّ تشكيك واستفهام. فيسأل: لماذا ينبغي أن أكون مسلماً؟ وكوْن الإنسان مسلماً؛ ماذا عليه من واجباتٍ وأفعال؟ ومن هو المسلم؟ وإذا كان الله عادلاً لماذا تحدث الواقعة الفلانيّة؟
ما هي خصائص فترة المراهق؟
يصل أحياناً هذا النوع من الأسئلة إلى أوَجهِ، فتضطرب حياة المراهق بالكامل؛ فيتحدّى كلّ شيءٍ وكلّ شخص.
فيمكن تلخيص خصائص فترة المراهقة بما يلي:
أوّلاً: إنّ فترة المراهقة هي فترة التلبس بالمثل العليا.
ثانياً: إنّ فترة المراهقة هي فترة التشكك الديني، فالمراهق والمراهقة يودان لو يخضعا كل شيء لعقلهما، وأن يرفضا كل شيء لا يقبله العقل.
ثالثا: تعد فترة المراهقة هي فترة التفكير العلمي واكتشاف ما قد يظنه المراهق أو المراهقة معارضاً للدين. فمن القضايا الملحة على ذهن المراهق والمراهقة قضية اتفاق الدين مع العلم فيما يكشف العلم عنه من حقائق علمية.
رابعا: تعد فترة المراهقة فترة بلورة الشخصية اجتماعياً وفق السلوك الاجتماعي السليم.
خامسا: من المعروف أن فترة المراهقة من أكثر فترات العمر تعرضاً للانحرافات الأخلاقية والدينية، وذلك لأنها فترة الانفعالات بالدرجة الأولى.
سادسا: إنّ فترة المراهقة هي فترة الاحتجاج على عالم الكبار. ويخشى أن يعمم المراهق والمراهقة احتجاجهما على الألوهية ذاتها، ويظنان أنّ القوة الباسقة لديهما تسمح لهما بالسيطرة على الكون بأسره، وليس هذا من قبيل المجاز. ذلك أنّ المراهق والمراهقة قد يتعرضان للإصابة بجنون العظمة.
سابعا: تعتبر هذه المرحلة التفتح الفلسفي – فالمراهق والمراهقة خلال هذه الفترة يحسان بضرورة التفتح على تفسيرات شاملة وناجعة للكون من حولهما ولمعنى الحياة.
كيف عالج الإسلام مرحلة المراهقة؟
وبعد ان عرفنا المراهقة ومشاكلها سوف نسلط الضوء على التربية الدينية وكيفية معالجة هذه الفترة فنقول: التربية هي تعهّد نمو الشيء مرحلة بعد مرحلة حتى يبلغ تمام نموّه وكماله.
والتربية الدينيّة السليمة فقط، يمكنها أن تُنجي المراهق من اللامبالاة والضياع والحيرة التي تفرضها مرحلة المراهقة، وأن تُقدِّم فلسفةً واضحةً لحياته، وأجوبةً شافيةً عن أسئلته الأساس، وتُرشده إلى كيفية تلبية احتياجاته العاطفيّة بالطرق الصحيحة والشرعية. فهو في ظلِّ هذه التربية، يعثر على مكانته الأصليّة في عالم الخَلق، ويطّلع على شخصيّته الحقيقية ويعتزّ بها، ولا يخضع لذُلِّ الذنوب والمعاصي.
بالإضافة إلى أنّ إحراز الإيمان الدينيّ، يُساعد المراهق على الوصول إلى السكينة الروحيّة التي هي من احتياجات هذه المرحلة وضروريّاتها، ويُسكِّن من اضطراباته.
والخلاصة: ان الدين – ولا يزال – من عوامل تحريك السلوك الإنساني ووضعه في صيغة معيّنة. ويجمع دارسو السلوك الإنساني على أنّ الدين يعد أقوى ركيزة يمكن أن تقوم عليها أخلاق الشخص وسلوكه، فالواقع أنّ الدين يتصل أكثر ما يتصل بصلب شخصية الإنسان. ولذا فإنّ الأخلاق التي تقوم على الدين هي أخلاق متأصلة بالشخصية وترتبط بمحور كيانها ولبها.
لذا فإنك تجد أنّ الأسرة التي تهتم بالدين والتي تتأصل لديها الروح الدينية الحقيقية أكثر الأسر قدرة على تنشئة أبنائها تنشئه صالحة قويمة. نعم إن هناك كثيراً من حالات التدين المرضية التي لا تتصل بالدين بصلة صحيحة. ولكن الأسرة التي تتذرع بالتربية الحقيقية غير المرضية جديرة بلا شك بأن تُربي أبناءها وبناتها على أخلاق سليمة، وعلى أسلوب سلوكي متين.
ماهي العوامل الاساسية للتربية الدينية والاخلاقية للمراهقين؟
يقع أساس التربية الدينيّة والأخلاقيّة للمراهقين على ثلاثة عوامل لان هذه العوامل الثلاثة لها الدخل الكبير او لها كل الدخل في شخصية الانسان.
الأول: الأسرة وبالأخص الأب والأم. فلا بدّ للأسرة من أن تهتمّ بتثبيت العقائد الصحيحة في ذهن المراهق قبل أن يمتلئ بالعقائد المنحرفة والباطلة، إذ يقول الإمام الصادق(ع): (بادروا أحداثَكُم بالحديث قبل أن يسبِقكم إليهم المرجئة).
وعن الإمام الصادق(ع) أنّه قال: "لمّا نزلت (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا) قال النّاس: كيف نقي أنفسنا وأهلينا. قال أي الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: اعملوا الخير، وذكّروا به أهليكم، وأدّبوهم على طاعة الله".
الثاني: المربي والمعلم وفي العصر الحديث المدرسة: تعتبر المدرسة المحور الرئيسي للعملية التربوية في المجتمع لأنها تستوعب أبناءه لتكسبهم الاستعداد لأن يحتلوا مكانهم كأناس صالحين، وتساعد المدرسة في تنمية مواهب الفرد وتقويته لمواجهة الأمور حتى ينسجم مع باقي أعضاء المجتمع؛ فالمدرسة تسهم في تربية الأفراد وتدريبهم على الامتثال لثقافة المجتمع، فهي تعمل إلى جانب الأسرة في تكامل لبناء شخصيته وتساند وظيفيا على تنشئته.
الثالث: المجتمع والأصدقاء: في مرحلة المراهقة يبدأ العصر الذهبي لتأثير الأصدقاء والأقران، حيث يبدأ الطفل الكبير باختيار سلوكه وتحديد تفضيلاته من خلال تفاعله مع أصدقائه، وتعتبر الصداقات في مرحلة المراهقة حجر الأساس في بناء الشخصية ووضع اللمسات الأخيرة على المنظومة السلوكية للفرد.
مرحلة المراهقة تتأثَّر بسلوك أصدقائه بشكل واضح كيف تفسرون هذا؟
من الواضح ان الصديق يأثر تأثيرا مباشرا على سلوك المراهق فلابد ان يكون الصديق الذي يختاره المراهق صديقا متحلي بالدين ليكتسب منه الصفات الأخلاقية الدينية.
وفيما يلي نعرض الجوانب الأساسية التي يجب ان تتمحور عليها هذه العوامل الثلاثة ويمكن ان تكون طريقا لكي تنشأ الأخلاق الحقيقية المرتبطة بوشائج متينة مع الدين وتعاليمه، وهذه الأمور التي سوف نذكرها، بعضها عام للعوامل الثلاثة وبعضها مختص بأحد العوامل.
أوّلاً: يجب توفير حد أدنى من المعلومات الدينية لكل من المراهق والمراهقة. وهذه مهمة العامل الأول والثاني اعني التربية الاسرية والتربية المدرسية.
ثانياً: ممارسة الشعائر الدينية. ذلك أن ممارسة الدين من جانب الوالدين والمجتمع والمدرسة وصدور ذلك على الأب والأُم لأنّهما يؤمنان بحق به، إنما ينتقل لا شعورياً إلى الأبناء والبنات.
ثالثاً: اقتناء الكتب الدينية الرئيسية وإتاحة استخدامها للمراهق والمراهقة. فهناك إلى جانب الكتب الدينية الرئيسية كتب دينية أو فلسفية لها أهميتها الدينية يجب أن تعمل الأسرة على اقتنائها وتشجيع أبنائها المراهقين والمراهقات على قراءتها وتفهم ما جاء فيها ومناقشته.
رابعاً: توجه الأسرة ككل إلى الجامع أو الحسينية. وذلك أنّ هذه المصاحبة تعد من أكبر العوامل على اعتياد المراهقين والمراهقات على التردد على دور العبادة والمواظبة على الصلاة بها.
خامساً: مناقشة المشكلات الدينية المتعلقة بالمعتقدات الدينية، وما قد يلم بعقلية المراهق من شكوك في معتقداته.
سادساً: تفهم الأخلاق الدينية بنظرة تطورية. ذلك أنّه في حدود الدين الواحد تكون هناك مستويات متعددة من الفهم الديني تتوقف على السن والثقافة والجنس، بل وعلى المستوى الاجتماعي والاقتصادي للأسرة.
سابعاً: محاولة تقديم نظرة مقارنة إلى الأديان للمراهق والمراهقة. ولا يكون الهدف من ذلك البحث عن الصحيح والخاطئ، بل يكون الهدف منه القضاء على ما يمكن أن ينشأ من تعصب نتيجة عدم معرفة ما تقول به الأديان الأخرى من تعاليم سامية.
ثامناً: التأكيد على الجانب الإنساني والجانب الوجودي بالدين. والجانب الإنساني يقول بأخوة بني الإنسان جميعاً، أما الجانب الوجودي فإنّه يقول بأنّ الإنسان جزء من هذا الوجود يؤثر فيه ويتأثر به، وينبغي ألا يتجبر ويحس بسيادته أكثر من اللازم على الكون.
تاسعاً: ممارسة الأسرة عملياً لتعاليم الدين كالإحساس بالشفقة والعفة والتواضع والمحبة والأمانة وغير ذلك من فضائل مستمدة بصفة جذرية من تعاليم الدين ولا تكون ذات فاعلية إلا إذا تاصلت التعاليم الدينية في القلوب.
عاشراً: القضاء على الخرافات التي يمكن أن تكون قد علقت خطأ بالدين كالشعوذة والقضاء أيضاً على فنون السحر التي ترتبط من قريب أو من بعيد بالمعتقدات الدينية، وتدريب المراهق والمراهقة على التشبث بالتفكير العلمي وإزالة كل تعارض بين الإحساس الديني وبين النهج العلمي في التفكير بمواقف الحياة المتباينة.