عبر القدوة الحسنة التي رسّخها الاسلام
تقدم المرأة منطلق لتقدم المجتمع
ان كانت المرأة تمثل نصف المجتمع فانه بتوجیه هذه الشریحة الی آلیات الارتقاء یتم الانطلاق نحو تقدم المجتمع كله، فهي كل المجتمع في التوجیه والتقویم، كما انها فاعلة ومؤثرة في العناصر الفاعلة وعناصر المجتمع الاخرى، وهي صانعة الحیاة الاجتماعیة لكونها مهدا وحضنا لاعداد الجیل الصالح الذي یقوم بتدعیم ركائز الاستخلاف الرباني في الارض.
ولا ننسى ابداً ان الاهتمام برقي الشریحة النسائیة سوف یمهد لها مشاركة فعالة في المجتمع سواء على الصعید الثقافي او السیاسي او الاجتماعي، كما انها تعكس صورة المرأة الایجابیة التي تعیش مع والى المجتمع ضمن دائرة المسؤولیة والحس الدیني والوطني.
وارتقاء المرأة یترك بصماته الایجابیة علی شخصیة المرأة نفسها فهو یساهم في تعزیز ثقتها بنفسها وتقویة ارادتها ویؤهلها لاكتساب الوعي المفید الذي یعینها على التحرك الهادف في الوسط الاجتماعي، وهو ایضا ینمّي مواهب النساء ویكشف عن قدراتهن ما یساعد على ضخ المجتمع بالكفاءة النسائیة التي توكل الیها المهام الصعبة والجسیمة والتي ینتظر منها ان تكون على راس الهرم في التغییر الایجابي في المجتمع.
الارتقاء عبر الهویة
لا ینكر احد ان ارتقاء اي مجتمع ینطلق من ارتقاء الانسان نفسه، ولعل هذه هي الصورة التي بانت بوضوح في المجتمع الاسلامي الاول الذي شكله رسول الله (ص) في المدینة المنورة فقد تم الاعداد والتوجیه والتحریك لكل شرائح المجتمع عبر الهویة الانسانیة مع مراعاة محطات الاختلاف والفروق الموجودة فقد انطلقت المرأة من ذاتیة وهویة المرأة نفسها، ولم تعمد الى تجمیل نفسها ضغوطا خطیرة في تقمّص شخصیة الرجل كما روّجت لذلك التیارات العلمانیة والنسویة المعاصرة والتي تدعو الى المساواة والتحرر والحصول على الحقوق الكاملة لكن عبر رفض الذات الانثویة والسیر في خط اكتساب الهویة الذكوریة حیث تعكس هذه الحركات دائما نموذج الرجل كانه الصورة المطلقة للنجاح وصورة الانثى المرأة كنموذج للتدني والتخلف.
وبهذا فسبیل الارتقاء یكون عبر احترام هویتها كانسان خلقه الله في احسن تقویم وكرّمه وسخّر له ما في البر والبحر ودعاه الى التكامل عبر صورة القدوة الحسنة التي رسّخها في الانبیاء(ع) وسیدات نساء العالمین(ع) ویكون ایضا عبر حفظ الفوارق البایولوجیة والتي هي وسائل لاداء الادوار الموكلة الى الافراد بصورة متكاملة تحقق الغایة المطلوبة في بناء المجتمع الصالح.
الیات ارتقاء المرأة
تتباین آلیات الارتقاء حسب القیم التي ینطلق منها الفكر والنهج الذي یتبناه القائمون على شؤون المجتمع، وبهذا یكون المنطلق الاول هي القیم المتبناة والتي یجب ان تحقق توازنا في بناء شخصیة الفرد والمجتمع على حد سواء.
وفي الفكر النسوي فان الارتقاء (او التطور) یكون عبر رفض القیم الدینیة والاخلاقي والتي یعتبرها هؤلاء قیود مفروضة تحجم من فاعلیة المرأة وتسبب لها ضغوطا كثیرة كما ان هذه المناهج تعجل في الحریة شبه المطلقة.
في حین تنطلق الرؤیة الاسلامیة للارتقاء من قیم الاسلام التي تجعل من الرجل والمراة في خط الانسانیة الواحد وتجعل معاییر التفاضل اكتسابیة تقوم علی اكتساب التقوى، والعلم، والعمل الصالح وبهذا یكون الایمان بالله واداء اوامره ونواهیه هو الدرجة الاولى في سلم التكامل الانساني.
ومن البدیهي ان الایمان بالله یدعو الى العلم والتعلم ویجعله فریضة (طلب العلم فریضة على كل مسلم ومسلمة) ویجعل العلم النافع مفتاح الخیر والانطلاق نحو تحریر النفس من ظلمات الجهل والخرافة والتقلید والاتباع، واذا كان العلم والتعلم هو السبیل الاول نحو الارتقاء فان فتح المجال امام المرأة لمشاركة اجتماعیة وسیاسیة واقتصادیة واضحة یمهّد لها السبیل لزیادة الوعي وبناء الذات بشكل انضج، وهذه المشاركة تنطلق ضمن حدود المحافظة على القیم الدینیة والاخلاقیة مما یجعل المجتمع نفسه بعیدا عن مدارات الانحراف والفساد والتي تعتبر العامل الاساسي لدمار وسحق المجتمع.
وتشكل ثقافة المجتمع عاملا مساعدا على توجیه المرأة نحو الارتقاء، فالثقافة التي تنطلق على اساس احترام المرأة كانسان لها دور ووظیفة وهي مسؤولة ومكلفة تساعد المرأة على الحضور الاجتماعي الصحیح والفاعل، وللاسف فما زالت ثقافة مجتمعنا تنظر الى المرأة على انها المخلوق الادنى وترسم لها دورا واحدا محدودا وهذا یعني تدمیر نصف طاقات المجتمع التي یحتاجها.. وهو ظلم كبیر وخیانة عظمى للامانة الموكلة الى الانسان.
ومما لا شك فیه ان الاعلام نفسه یساعد على توجیه النساء نحو الارتقاء او الانحطاط وهذا یعنی توجیه المجتمع نحو الارتقاء والانحطاط والتخلف والتبعیة، فالاعلام الهادف یرسم ادواراً ایجابیة للمراة ویشجع الرجل والمجتمع كله على تدعیم هذه الادوار، في حین ان الاعلام الهابط یمدد للمرأة مسارات (شیئیة) هابطة تعزز من الفوضی وعوامل الانحراف في المجتمع.
شخصیة المرأة
المرأة تبقى هي المسؤول الاول عن تحقیق الارتقاء لذاتها. (فان الله لا یغیر ما بقوم حتی یغیروا ما بانفسهم) ان حركة الذات الایجابیة او ارتقاء الذات تتم عبر ارادة المرأة والحدیث الشریف الذي یقول: (من تساوي یوماه فهو مغبون ومن كان اخر یومیه شرهما فهو ملعون).
لیدل دلالة واضحة على دعوة خالدة الى التطور والى صعود درجات سلم التكامل والی البحث عن الیات افضل للارتقاء الذاتي.
فالمرأة التي تمتاز شخصیتها بالانسحابیة تتواری دائما امام المهام والمسؤولیات وتتهاوى امام ارادة التغییر وبذلك تحرم نفسها من النمو ومن الرقي، في حین ان المرأة ذات الشخصیة المتوازنة تتحرك برؤی واضحة ومتوازنة بین كل المهام والرغبات مما یجعلها اكثر قدرة على تنسیق ادوارها الحیاتیة نحو العطاء.