بمناسبة اليوم العالمي للطفولة د. ليلى صالح للوفاق:
يجب إعداد برامج توجيهية لتأمين بيئة آمنة ومطمئنة لأطفالنا
الوفاق/ خاص
سهامه مجلسي
تطالعنا اليوم التربية الحديثة للأطفال بأنها العملية التربوية الأمثل التي تنتج أشخاصاً جيدين وفاعلين، من خلال توفير بيئة تعليمية مناسبة للطفل، تواكب تطور الحياة من حوله، فتناهض بدورها التربية التقليدية التي تقوم على التوجيه المباشر الذي قد ينتج بحسب زعمهم التعنيف والعقاب. وبعيداً عن مناقشة الثواب والعقاب المتوازن كأحد الأساليب التربوية في الأسرة أو في المؤسسات التربوية، نطرح اليوم إشكالية الانفتاح الرقمي عبر وسائل التواصل السمعية والبصرية والانفعالية أو ما يُعرف بـ"السوشيال ميديا"، غير المضبوط الذي يهدد الطفولة برمتها.وفي هذا الصدد اجرت صحيفة الوفاق حوارا مع الدكتورة ليلى صالح وفيما يلي نص الحوار:
تطالعنا اليوم التربية الحديثة للأطفال بأنها العملية التربوية الأمثل التي تنتج أشخاصاً جيدين وفاعلين، من خلال توفير بيئة تعليمية مناسبة للطفل، تواكب تطور الحياة من حوله، فتناهض بدورها التربية التقليدية التي تقوم على التوجيه المباشر الذي قد ينتج بحسب زعمهم التعنيف والعقاب.
وبعيداً عن مناقشة الثواب والعقاب المتوازن كأحد الأساليب التربوية في الأسرة أو في المؤسسات التربوية، نطرح اليوم إشكالية الانفتاح الرقمي عبر وسائل التواصل السمعية والبصرية والانفعالية أو ما يُعرف بـ"السوشيال ميديا"، غير المضبوط الذي يهدد الطفولة برمتها.وفي هذا الصدد اجرت صحيفة الوفاق حوارا مع الدكتورة ليلى صالح وفيما يلي نص الحوار:
ما المقصود بالانفتاح الرقمي وهل بالإمكان ضبطه لحماية الطفولة من الانحرافات الفكرية والسلوكية؟
إن اتساع محتوى "السوشيال" ميديا بكل انحرافاته المعرفية والقيمية، قد يلزم العودة الى التوجيه المباشر والدقيق من الأهل، الذي لا يسعه إلا أن يكون لحظة بلحظة لتلافي الحد الأدنى من مساوئ المحتوى الخاص بالأطفال فضلاً عن محتويات المجالات الاخرى.
هنا نجد أنفسنا كأهل ومربين في مواجهة غير متكافئة في ضبط مسار التربية الحديثة للتنشئة الذاتية بالتوجيه غير المباشر، والتي ينبغي أن تعزز التنمية البشرية والثقة والاعتزاز بالنفس، وتنتج التقدم في المجال التفاعلي الإنساني النشط.
اليوم أمام كل التقدم التكنولوجي والرقمي بكل محتواه المعرفي الثقافي تحديداً، بما ينتجه من أنماط سلوكية اتسمت بالعصرنة لسرعة تفاعلها مع الوقائع وتلبيتها لما يفرضه السوق من أنماط استهلاكية، حتى أصبح الاستهلاك مزاج مجتمعي عام، فاستبدل المجال الافتراضي والرقمي من عامل نشط يواكب العصرنة في التربية الحديثة، إلى مجالات افتراضية تهدد الطفولة والمجتمعات التقليدية والحديثة شرقاً وغرباً.
ما هي أبرز مؤشرات هذا التهديد وبماذا تهدد الاطفال؟
التهديدات كثيرة ومجالاتها واسعة، من الصعب الإحاطة بها في هذه العجالة، الاّ أنه يمكننا رصد بعضها كمؤشرات للمعالجة.
التهديدات النفسية: استخدمت الموسيقى مؤثراً إيجابياً في العلاج النفسي، من قبل المؤسسات العلمية والعلاجية نتيجة معرفة تأثير ذلك على النفس البشرية، ومع التوسع في استعمال الإنترنت وظهور وسائل التواصل الاجتماعي، وظهور العالم الجديد غير خاضع للرقابة، استغل البعض الموسيقى للترويج التجاري، واعتمد المروجون على صنع مجموعة من التطبيقات والبرامج التي يؤدي سماعها إلى نوع من التخدير، تؤثر في الأطفال تحت مسمى تهدئة الأطفال دون إلمام معرفي من الأهل والمربين في دور الحضانة للخصوصيات الموسيقية التي تؤدي للإدمان وخاطرها، فضلاً عن إثارة النشوة وتلافي الملل لدى المراهقين من كافة الشرائح العمرية والمجتمعية.
أتاح هذا المجال للعاملين فيه إلى تحويله من طبيعة إلكترونية عابرة للحدود الزمانية والمكانية، حيث تصبح متاحة للجميع وربما بشكل مجاني، إلى نشاط تجاري بهدف الربح، حتى ظهرت مواقع خاصة على وسائل التواصل الاجتماعي تهتم بما يسمى بالمخدرات الرقمية، "أو الـ Digital Drugs أو ال iDoser هي عبارة عن مقاطع نغمات يتم سماعها عبر سماعات بكل من الأذنين، حيث يتم بث ترددات معينة في الأذن اليمنى مثلاً وترددات أقل إلى الأذن اليسرى، فيحاول الدماغ جاهداً أن يوحد بين الترددين للحصول على مستوى واحد للصوتين، وهذا الأمر يجعل الدماغ في حالة غير مستقرة، على مستوى الإشارات الكهربائية العصبية التي يرسلها - فيحفز الخلايا العصبية لإفراز هرمونات متفاوتة مثل (الدوبامين) الهرمون المعني باعتدال المزاج أو كما يسمى هرمون السعادة .. ومن هنا يتم تقسيم أنواع المخدرات الرقمية، مثلها مثل أنواع المخدرات التقليدية، "متخذة طريقا جديدا لتعاطي المخدرات والتي تصل بمتعاطيها إلى درجة الإدمان عليه، والأصعب من ذلك كله صعوبة إثباتها وضبط مرتكبيه على الرغم من التقدم التقني في عالم الصوتيات، وأصبحت المخدرات الرقمية اليوم الخطر الجديد الذي يهدد أطفالنا وشبابنا بإرادتنا بفعل سهولة استخدامه المفرط دون ضوابط
وعوائق.
التهديدات المعرفية: أمام تضارب المصالح الاقتصادية العالمية للشركات الكبرى للانتاج والاستهلاك العالميتين وتحت مسمى الحريات المطلقة يسقط حق الطفولة في بيئة آمنة للنمو المعرفي، دون حراك ولو خجول من المنظمات العالمية لحماية الطفولة، ولاسيما في منهجية محكمة موجهة لمحتوى رقمي في مجال عوالم الطفولة تُفرض منظومة جندرية على أطفال العالم بشكل غير مباشر، وعلى المؤسسات التربوية بشكل مباشر كجزء من التزامات الدول بالمواثيق العالمية للأمم المتحدة كسلة متكاملة للمعاملات السياسية والاقتصادية.
هذا الواقع سلب الاطفال البيئة الآمنة لحرية الاختيار المعرفي الذي ينسجم مع الفطرة الإنسانية، ويشوش الذهن الطفولي بمعارف انحرافية بالحد الأدنى، كما ينتج عالم طفولي مسلوب الهوية الإنسانية (ذكر، أنثى) قبل الهوية الثقافية والقومية والدينية، التي تشكل التحدي الأخطر اليوم، فهي من جهة تعمق الاتجاه الفرداني الأداتي المادي المستغرق في لذة استهلاك السوق وما يحضر لهذه الطفولة من خطط وبرامج مستقبلية تفتقد لأدنى مستويات القيم الإنسانية السامية للعيش الآمن المطمئن، ومن جهة ثانية تنتج فردا أداتيا تابعا منصاعا لتلبية ما يفرضه تجار الإنسانية الإستهلاكيين من أنماط جديدة، وتفصله عن منظومته المعرفية التي تتضارب مع الانحرافات عن الفطرة الإنسانية.
التهديد السلوكي غير المباشر تطرق إليه "دنيز أوناي"، خبير مواقع التواصل الاجتماعي، للمستدرجون على الإنترنت الذين يختارون فريستهم، ويبدأون بتحضيرها من أجل استغلالها لاحقا" . موضحا بأن مصطلح "الاستدراج عبر الإنترنت" يعني استخدام التكنولوجيا الإلكترونية بهدف التنمر على الأطفال. والأخطر بأن "مستدرجي الأطفال يتصيدون فرائسهم بشكل خفي وخبيث، حيث يستغلون أي فرصة.. يتواصلون تحت أسماء مستعارة ويجوبون الشبكة العنكبوتية باستخدام قناع". لأنهم يعتقدون أنه لن يتم كشفهم". واكثر الفئة المستهدفة، عادة الأطفال الضعفاء الذين يعانون من تدني احترامهم لذاتهم، والذين لا يخضعون لمراقبة كافية من الآباء والأمهات".
فإن مستدرجي الأطفال يستخدمون طرقا مختلفة "كطرح أسئلة بريئة حول أهل الطفل، مثل ساعات عملهم من أجل تحديد الفترة الأنسب للتواصل مع الطفل".كما يلفت إلى أن "المستدرِج يسعى لفهم احتياجات الضحية وكيفية إشباعها، وعادة ما تتطور رابطة عاطفية بينهما مع بناء شعور بالثقة من خلال إعطاء الضحية نصائح تتعلق بكيفية شراء بعض خصائص ألعاب الإنترنت ما يجعل الطفل يتقدم في هذه الألعاب". ويستدرك أن "الاحتياجات هي ليست بالضرورة أشياء مادية". فقد تكون عاطفية، روحية، معرفية.
كيف نحمي أطفالنا من مخاطر العالم الافتراضي؟
كشفت دراسة علمية أن 49.7 بالمئة من الأطفال يستخدمون الإنترنت لساعة على الأقل يوميا، بينما 63.5 بالمئة منهم يملكون أجهزة ذكية خاصة بهم، وأن 75 بالمئة يشاهدون المقاطع المصورة عبر الإنترنت ويستمعون للموسيقى، و70 بالمئة منهم يلعبون الألعاب، وبالكاد نصف عوائل الأطفال تراقب استخدامهم لشبكات التواصل الاجتماعي". كل هذا الواقع يكشف عن ترك الأطفال الضعفاء وحدهم في هذا البيئة الخطيرة".
نخلص إلى أن التكنلوجيا والتقنيات الرقمية رائدة على سبيل التربية والتعليم والنفاعل النشط، وإن استطاعت هذه التقنيات ان تحدث قلقا فكرياً وقيماً لأبنائنا، كما أفقدت الثقة بمرجعية الآباء وانتقلت هذه المرجعية الى عالم الرقمنة فعلى سبيل المثال:" الان عندما تريد مناقشة أي موضوع مع ابنك تجده قد سبقك الى النت، فقد أفقدت الثقة بمرجعية الوالدين قيمياً ونقلها الى عالم التواصل الاجتماعي وعالم الميديا".
كل هذا التصارع أنتج الانفصال المجتمعي، حيث ترى الأب والام والأبناء يحملون الهواتف الذكية ومركزين فيها بدواعي العمل أو التسلية، وهم يجلسون في غرفة واحدة بدنياً ولكن الاذهان لا تلتقي، يبقى علينا الإعتراف بعجزنا عن الاستغناء عنها مواكبةً للعصرنة وتقدم مجتمعاتنا، الاّ أن هذا الواقع لا يمنعنا من ترشيد وتوعية أبناؤهم للاستفادة من هذه التقنيات بشكل ايجابي وتوظيفها في خدمة ثقافتنا وقيمتنا ومعتقداتنا والابتعاد كل البعد عن ما ينافي اخلاقيتنا وقيمنا وذلك من خلال ان يكون الاهل شركاء مع ابنائهم اي عدم التعامل مع الابناء بقضية المغالب، وذلك من خلال الكشف عن المخاطر التي تحدق بنا، وإعداد برامج توجيهية بكيفية استثمار التقنية، لتأمين بيئة آمنة ومطمئنة لأطفالنا لنمو إنساني صحي وسليم.