إيران وعُمان.. وفاق واتفاق
الوفاق / خاص
د. أحمد بن سالم باتميرا
ترتبط سلطنة عُمان والجمهورية الإسلامية الإيرانية بعلاقات قديمة تاريخية، شكلت ردود أفعال بين مد وجزر من البعض، ولكنها ظلت علاقات طيبة وواقعية مبنية على فرضية الجغرافيا والتاريخ وحسن الجوار وعدم التدخل في شؤون الغير.
كلا البلدين وقفا في الماضي والحاضر مع بعضهما بعضا، فرباط التاريخ والجغرافيا امتد ولم ينقطع، فالجيرة والخليج الفارسي ومضيق هرمز وحقل هنغام ركائز متينة لتلك الروابط المتبادلة والتي ظلت واستمرت على وفاق واتفاق تام من الجانبين دون انقطاع منذ بدء العلاقات الدبلوماسية بينهما في السادس والعشرين من أغسطس 1971م.
وبالامس تجددت هذه العلاقات بزيارة السلطان هيثم بن طارق سلطان عمان لجمهورية ايران الاسلامية بدعوة كريمة من الرئيس الإيراني الدكتور إبراهيم رئيسي، وصفت بالتاريخية والناجحة سياسيا واقتصاديا من خلال التوجيه من قيادتي البلدين للعمل من أجل التوصل إلى بناء وثيقة للتعاون الاستراتيجي بين البلدين الصديقين بما يعزز التعاون المشترك وتبادل المنافع الهامة بينهما.
كما تكللت الزيارة بالتوقيع على مذكرتي تفاهم واتفاقيتي تعاون لتعزيز التنمية والاستثمار بين البلدين، إضافة إلى تبادل المعلومات النفطية والدراسة المشتركة لمشروع حقل هنجام ـ بخا النفطي. فالزيارة التاريخيَّة، تأتي لتعزيز التعاون في المقام الاول بين دولتين تربطهما علاقات راسخة وطيبة والتنسيق بينهما مستمر في حل القضايا والملفات العالقة في المنطقة والعالم. وطوال العقود الماضية استثمرت سلطنة عُمان علاقاتها مع إيران من اجل استقرار المنطقة وان يسود السلام والامان دول المنطقة والعالم من خلال الدبلوماسية العمانية الهادئة والشفافة، واليوم ايضا حققت زيارة جلالة السُّلطان هيثم بن طارق المُعظَّم العديد من الأهداف وهذا ما اكده البيان المشترك الصادر في ختام الزيارة حيث أعرب الرئيس الإيراني عن تقديره الكبير للنهج الحكيم لجلالة السُّلطان المُعظَّم ـ أعزَّه الله ـ والسياسات البنَّاءة التي يتَّبعُها على السَّاحتَيْنِ الإقليميَّة والدوليَّة والتي أسهمَتْ في السَّلام والاستقرار في المنطقة.
زيارة حملت الكثير من الرسائل والمودة التي تمتن العلاقات التاريخية بين مسقط وطهران، فسلطنة عمان هي غصن الزيتون المتجدد وحمامة السلام، ولها إسهاماتها العديدة في رأب الصدع بالمنطقة وتهدئة النزاعات وحل المشكلات بين إيران الصديقة ودول المنطقة والعالم، وهذه سياسة عمانية خالصة لا تحيد عنها أبدا، فعمان يسوؤها ان ترى دول الجوار او المنطقة في صراع مستمر او حرب ضروس، بل تسعى لتكريس المحبة والسلام والتسامح والحوار والعيش بسلام بين الجميع فذلك هو الهدف والغاية الأسمى للسياسة العمانية منذ الأزل.
فالعلاقات العمانية الايرانية تاريخية وظلت على تواصل في كل الاتجاهات ومفتوحة مع كل الأشقاء والأصدقاء، وكانت سلطنة عمان الوسيط الأكثر ثقة، لذا سعت نحو تقريب إيران من دول الخليج الفارسي أحيانا؛ وإطلاق الأسرى الغربيين، وحل الخلاف النووي وتجنيب المنطقة خطر الحرب بين مجموعة الدول (5 + 1)، وما يدور خلف الكواليس إكثر وأكثر للسياسة العمانية، فهي لا تعد ولاتحصى.!.
واليوم فان العلاقات التاريخية والمستقرة والثابتة على مبدأ عدم التدخل في شؤون الغير، تزداد رسوخا لكون البلدين يعتمدان في علاقاتهما المصداقية والشفافية، الأمر الذي مكن سلطنة عمان من القيام بأدوار مهمة على المستويين الإقليمي والدولي، اليوم وبعد ان عادت الجمهورية السورية إلى جامعة الدول العربية، واعلان السعودية وايران تبادل السفراء من جديد، وامكانية تحسين واعادة العلاقات المصرية الإيرانية قريبا، وفتح نافذة حوار تركية سورية بعد الانتخابات التركية وعودة العلاقات وحل المشاكل بينهما، وبالتالي رؤية الشرق الأوسط مستقرا وفي امن ورخاء يجعلنا نتفاءل بأننا نسير في الطريق الصحيح مع تطبيع هذه العلاقات وذوبان الجليد الذي استمر طويلا وأثر كثيرا على التنمية والاستقرار في المنطقة.
فسلطنة عمان والجمهورية الإسلامية الايرانية يسعيان اليوم إلى فتح آفاق رحبة مع بقية دول الإقليم بحوار هادف، وإنهاء الملفات الشائكة، فالاجواء مهيئة لرسائل السلام وأغصان الزيتون الممتدة، وخلق بيئة مواتية للحوار مع دول المنطقة دون استثناء، والتعويل كثيرا على سياسة الرئيس الإيراني الدكتور ابراهيم رئيسي في تجاوز كل الخلافات وتهيئة الأرضية الملائمة بدعم من سلطنة عمان لعلاقات إيرانية عربية نموذجية على الدوام.