مدير موقع الخنادق للوفاق:
أربعون ربيعاً...إعلام المقاومة من بياناتٍ عسكرية إلى منظومة متكاملة
عبير شمص
يطرح الحديث عن الإعلام المقاوم، في خضم التحدّيات التي تواجه قضايانا أمام الهجمة المسعورة التي يشنّها الإعلام المعادي، مجموعة من الإشكاليات حول وظيفته ودوره وأثره وآليّاته وبرامجه فضلًا عن العاملين فيه والتقنيات المستخدمة والمضامين المطلوبة، إلى غير ذلك من مقوّمات توفّر للإعلام المقاوم القدرة على المواجهة، وهي مواجهة غير متكافئة بطبيعة الحال، نظرًا إلى الحشد الذي استطاع الغرب تنظيمه وللتمويل الهائل الذي يؤمّنه لوسائط الاتّصال المختلفة، وفي المجالات كافّة.
مقاومة هذه الهجمة وهزيمة النموذج الغربي تتمثل بتقديم الرواية الإعلامية الخاصة التي تدحض الرواية الصهيونية وتُبين نفاقها، لذلك سعت المقاومة لتقديم نموذج خاص إعلاميًا لأجل بناء الوعي الجمعي لدى جمهورها لتمكينه من مقاومة الرواية الصهيونية والانتصار عليها. ومواجهة كي الوعي الذي مارسه الكيان المؤقت إبان إعلان قيامه على أرض فلسطين المحتلة والذي أسس لفكرة أنّ الجيش “الإسرائيلي” لا يقهر وتم تكريس مقولة العين لا تقاوم المخرز لتجعل من فكرة مقاومة هذا الجيش “الجبار” أمرًا مستحيلًا وغير ممكن للتحقق ابتداءً.
لذلك كان التوجه إلى توظيف التقنية الإعلامية الحديثة في عمل المقاومة وإدراجها كأحد الأسلحه في المواجهة المفتوحة مع إسرائيل منذ العام 1982 الذي شهد ولادة المقاومة في لبنان قراراً اتخذته القيادة العليا وهو ما أكده نائب الأمين لحزب الله الشيخ نعيم قاسم في كتابه حزب الله المنهج ... التجربة .... المستقبل ، " ومن الواجب أن نختار أفضل الوسائل وأن نسابق أساليب الاستكبار بما ينسجم مع إمكانياتنا وقدراتنا. فالصورة التي قدمتها المقاومة الإسلامية عبر تصوير الفيديو للعمليات الجهادية وعرضها عبر شاشات التلفزة أثرت أثرها في جمهورنا وفي الجمهور المعادي، بحيث حفزت جمهورنا على الدعم والمساندة والثقة وأرعبت الخصم الإسرائيلي فيما إكتشفه من إدعاءات جيشه لقوته". هكذا وعلى الرغم من عدم كفاءة المعركة عسكريًا والفارق الهائل بالقدرات والمقومات الإعلامية بين النموذجين، إلّا أنّ المقاومة عملت منذ الطلقات الأولى على تأسيس هيئات ومؤسسات تتعاطى بالشأن الإعلامي على اختلاف أشكاله المرئية والمسموعة والمكتوبة ولا تزال.
وضمن سياق التعرف على تاريخ تأسيس هذه الوسائل الإعلامية المختلفة ومواكبتها لإنتصارات المقاومة العسكرية وتأثيرها على تشكيل وعي المجتمع الإسرائيلي، حاورت صحيفة الوفاق الأستاذ في الجامعة اللبنانية ومدير موقع الخنادق الدكتور محمد شمص، وكان الحوار التالي:
كيف تطورت وسائل إعلام المقاومة المختلفة من إذاعة وتلفزيون وصحف منذ بداية المقاومة إلى الآن؟
المقاومة الإسلامية عند نشأتها في العام 1982 م في مواجهة الغزو الإسرائيلي للبنان لم تكن تمتلك أية وسيلة إعلامية لا مرئية ولا مكتوبة ولا مسموعة أقصى ما يمكن أن تقوم به هي أن تصدر بياناً أو أن يصل صدى هذه العملية العسكرية أو المواجهة إلى بعض المؤسسات الإعلامية الأخرى التي تنشر مقتطفات عن هذا الخبر، وبالتالي كانت المقاومة وحيدة بدون أي ذراع إعلامية تستفيد منها، مع مرور الوقت بدأ الإهتمام لدى القيادة في المقاومة الإسلامية لتأمين مؤسسات إعلامية رديفة تستطيع أن تقف إلى جانب المقاومة المسلحة، فكانت أولى هذه المؤسسات هو إنشاء إذاعة المستضعفين في البقاع ومن ثم تلفزيون الفجر أيضاً في البقاع وبعد ذلك كانت جريدة العهد، وهي تمثل الصحافة المكتوبة التي تمثل موقف حزب الله وتغطي عملياته العسكرية والجهادية، والإعلام الحربي الذي كان له دورٌ كبير في المواجهة بين المقاومة وبين جيش الإحتلال الإسرائيلي في جنوب لبنان فكانت كاميرا المجاهدين تلتقط مشاهد العمليات العسكرية وتُرسل لوسائل الإعلام، وبالتالي تكشف كذب وتضليل الإعلام الإسرائيلي وقادة الإحتلال، لعب هذا الإعلام دوراً محورياً وأساسياً في كل المواجهات التي خاضتها المقاومة ومحور المقاومة سواء في لبنان أو في سوريا والعراق أو في اليمن وغيرها، ومن ثم بعد ذلك أصبح لدينا إذاعة النور وتلفزيون المنار وهاتين المؤسستين من ضمن مشروع المجموعة اللبنانية للإعلام وقد قاما بدورٍ أساسي في رصد وتغطية أخبار المقاومة الإسلامية وتحرير جنوب لبنان من الإحتلال، كذلك للمقاومة نشاطات أخرى في مجال بعض الإصدارات كمجلة بقية الله وقبل ذلك مجلة الوحدة الإسلامية ولاحقاً أُسس موقع للمقاومة الإسلامية وعشرات المواقع الإلكترونية اليوم التي تُعبر عن نشاطات حزب الله والمقاومة، يمكننا القول اليوم أنّ لدى حزب الله جهاز إعلامي جيد تطور مع تطور الأدوات، وينشط في الفضاء المجازي عبر مؤسسة سيميا وغيرها، إذاً مواكبة حزب الله للأدوات الإعلامية وتطورها كان هدفاً مهماً في استراتجية حزب الله.
كيف واكبت هذه الوسائل الإعلامية انتصارات المقاومة؟
هذه المؤسسات الإعلامية لحزب الله واكبت انتصارات المقاومة وكان لها الدور الأكبر خاصة ً في التحرير العام 2000م حيث كانت كاميرا الإعلام الحربي وكاميرا تلفزيون المنار تواكب العمليات العسكرية والجهادية، ولطالما كان الإسرائيلي ينفي تنفيذ عملية أو وقوع خسائر لكن بعد ساعات كانت وسائل إعلام حزب الله لا سيّما المنار تنشر فيديوهات تؤكد أن هذه العمليات قد نُفذت وأنّ هناك خسائر في الجيش الإسرائيلي وبالتالي يضطر العدو الى الإعتراف بهذه الهزائم والخسائر، ومع تراكم هذه الإنجازات وهذه الأحداث أصبح الجيش الإسرائيلي محط سخرية لدى المواطن اللبناني والعربي من جهة وأيضاً لدى الإسرائيلي من جهةٍ أخرى. فالإسرائيليون اليوم لا يثقون بإعلامهم ويعتقدون بأنه إعلام كاذب، الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله (حفظه الله) قد تحدث عن دور هذا الإعلام المقاوم لا سيّما تلفزيون المنار الذي قال بحقه بعد التحرير عام 2000م أنه "لولا المنار لضاع الإنتصار"، إذا ًالمؤسسات الإعلامية التابعة للمقاومة في لبنان تلعب دورها بشكلٍ جيد وتُشكل اليوم نموذجاً وقدوةً لكثير من المؤسسات الإعلامية الأخرى في محور المقاومة لا سيّما تلك الأحزاب والقوى والجيوش التي تقاتل في جبهات المحور.
كيف ساهمت الوسائل الإعلامية في تشكيل صورة حزب الله في الوعي الإسرائيلي؟
وسائل الإعلام التابعة للمقاومة ولا سيّما تلفزيون المنار كان له وقعه وتأثيره في الوعي الإسرائيلي بشكلٍ واضح كما ذكرت الإسرائيليين لا يثقون بإعلامهم ولا يثقون بقادتهم لا يثقون بالمسؤولين العسكريين في الجيش الإسرائيلي لكنهم ينظرون بثقة لتلفزيون المنار لأنه لم يكذب مرةً ويمتلك مصداقية عالية، اللبنانيون يعرفون ذلك، العرب يعرفون ذلك والإسرائيلي يعرف ذلك، كما أنّ سماحة السيد نصر الله(حفظه الله) اليوم عبر لقاءاته وخطاباته على منبر تلفزيون المنار يشكل دافعاً أساسياً لهذه القناة ولهذا الإعلام، واليوم الإسرائيليون يثقون بالسيد نصر الله أكثر مما يثقون بمسؤوليهم وقادتهم ، نعم لعب الإعلام دوراً مهماً في إثبات منطق الحق لدى المقاومة وفي إثبات مدى كذب المسؤولين الإسرائيليين، اليوم على سبيل المثال يدعي نتنياهو كذباً بعد معركة ثأر الأحرار بأنه حقق أهدافه بترميم الردع لدى جيش الاحتلال لكنه يكذب اليوم، الإعلام اللبناني إعلام محور المقاومة وحزب الله يكشف وكشف زيف نتنياهو وبأنه يكذب ثم يكذب ثم يكذب في محاولة لإقناع الإسرائيليين بأنه حقق إنجازاً ما، لكن حتى اليوم الرأي العام الإسرائيلي لا يقتنع بكلامه ويقول وينشر بأن نتنياهو يكذب وبأنه لم يحقق إنجازاً ولم يرمم الردع بل إنّ المعركة كانت لمصلحة محور المقاومة وإنّ إدارة المعركة عبر غرفة عمليات الفصائل المشتركة كانت إدارة دقيقة وقد حافظت حركة الجهاد الإسلامي وسرايا القدس ومن ورائه غرفة العمليات ومحور القدس على توازن الردع وعلى قواعد الاشتباك وعلى موازين القوى الموجودة ولم يستطع نتنياهو تغييرها.