الباحثة غادة الخارساني للوفاق:
القرآن الكريم هو منهج حياة ينير الدياجيرَ لتهتدي به الناس
الوفاق/خاص
سهامه مجلسي
من منن الله سبحانه وتعالى على امة الاسلام أنه ارسل خاتم انبيائه ورسله لهذه الامة، وأنزل على نبيه(ص) كتاباً مبيناً (لَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجَا) كما أن الله (تبارك وتعالى) حمد نفسه على إنزال هذا الكتاب كما في قوله (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ) إنما يحمد نفسه على أمر مهم عظيم، وفضلٌ كبيرٌ تفضل به على امة الاسلام، وهذا الامر هو نزول القرآن على النبي(ص)، كما أنّه (سبحانه وتعالى) عظم ذاته وقدسها حينما أنزل القرآن كما في قوله: (فتَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً)، وحث سبحانه على تدبر القرآن وتفهمه والنظر في معانيه والتفكر فيما جاء في آياته الكريمة، فالقرآن إنما أُنزل من أجل ذلك، كي يكون وسيلة إلى العمل به، ولم يُنزل من أجل التبرك أو يُعلق على الجدران.
فالقرآن إنما هو منهج حياة ينير الدياجيرَ ليهتدي به الناس ويسيروا على نهجه، كما جاء في الذكر الحكيم: (كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الأَلْبَابِ) كما أخبرنا سبحانه وتعالى أنه جعل من السهل تدبر وتفهم هذا القرآن، فلم يحدثنا سبحانه بالألغاز وبالطلاسم و بالأحاجي، وإنما كلمنا بصيغة من السهل فهمها وادراكها، فقال (جلّ وعلا): (وَلَقَدْ يَسَّرْنَا القرآن لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ)، في هذا الصدد اجرت صحيفة الوفاق حوارا مع الباحثة في علم تدبر (القرآن الكريم) غادة الخارساني في مدينة قم المقدسة وفيما يلي نص الحوار:
استشعار الطاقة التدبرية
ان القراءة الواعية للقرآن الكريم تطهر ما علق في النفس من سلبيات، وبالتالي ستكون مستعدة لتلقي النور الإلهي من خلال التدبر الذي يعزز ويجدد طاقاتنا الفكرية والعقائدية التي تمنحنا القوة لمقارعة الظلم ومقاومة الاستبداد...ان الطاقة التدبرية التي نستمدها من خلال آيات الله (بشرطها وشروطها) وفق منهجية التدبر تضعنا على اعتاب المعرفة الالهية والقرب الالهي. عن سيدنا ومولانا الإمام زين العابدين(ع) قال: آيات القرآن خزائن العلم، فكلما فتحت خزانة فينبغي لك أن تنظر فيها فمن خلال هذا الحديث ينبغي معرفة مفاتيح فتح هذه الخزائن لكي نستطيع استخراج الجواهر الثمينة منها وذلك من خلال اتباع منهجية خاصة بالتدبر.
هناك ثلاث مراحل لدراسة منهجية التدبر
المرحلة المعرفية: وهي مرحلة تهتم بالجانب اللغوي والدلالي من خلال التعرف على الآية مراعيا الثقافة العامة إذا كانت هناك كلمات تحتاج إلى بيان لغوي نشير إليها وذلك باستخراجها من امهات المعاجم اللغوية ويصاغ المعنى الدلالي للآية بحيث يكون جامعاً مانعاً لمضمون الآية .
المرحلة العلمية: وهي من المراحل المهمة التي يعتمد فيها المتدبر على الجولان الفكري من خلال طرح التساؤلات، بشرط أن تكون الأسئلة مرتبطة بذات الآية، وقد تكون هناك أجوبة متعددة مدعمة بالادلة الروائية المعتبرة أو من آيات القرآن أو الادلة العلمية الاخرى المناسبة للجواب.
المرحلة العملية: استخلاص الدروس والعبر من الآية الكريمة وهي تتعدد بتعدد العلوم وبشتى الاساليب الفردية او الجماعية التربوية او الاخلاقية بحيث يحمل الدرس عنوانا كليا وعنوانا جزئيا مراعياً المتدبر تقريب الاستدلال وموضع الاستفادة ثم يعكس على السلوك ويفضل تدعيم ذلك بشاهد اما من القرآن أو من السنة كما في درس سياسي، درس اقتصادي، درس تربوي.
ستكون هناك دروس لجميع القضايا، وهذا يتطلب ممارسة طويلة وجهود لاستخراج الأسئلة العلمية بالإضافة إلى الدروس المستخلصة من الآية.
رحلتنا التدبرية ستمر بمحطات نتوقف عندها خلال هذه الرحلة اول محطة سنمر بها هو الوقوف عند البعد المعرفي (المعنى الدلالي) للآية بعدها سننطلق الى فضاء التساؤلات حول الآية مع أجوبتها لاستحضار البعد العلمي وللآية ومن ثم سننتهي عند المحطة الأخيرة حيث البعد العملي في إستشعار قدرة الفرد سبر اغوار النفس... وغربلتها لاستخلاص الحسن منها وترويضها لترك القبيح كل ذلك من خلال الدروس المستفادة إذ يتولد العزم على ترك المعصية.. ونبذ كل قبيح... من خلال التنقل بين الدروس بانواعها، منها ماهو علمي أو سياسي أو اقتصادي أو عرفاني.. هكذا ستفتح اقفال القلوب استعداد التوسعة وعاء القلب لأستمداد النور الألهي... إيذاناً منه لعروج الروح الى عالم الملكوت.
كيف يؤثر التدبر على الانسان؟
القلب قرآنيا ومن حيث الأحاديث الشريفة ليس مضخة للدم فقط، بل به يكتمل العقل والتفكير الموصل إلى الحق سبحانه، قال تعالى: «أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ القرآن أَمْ عَلَىٰ قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا» ان الله عز وجل في الآية الكريمة، يذكر مسألة تدبر القرآن ويربطها بالقلب، لأننا قد نقرأ القرآن بلساننا فقط فلا نفهم من آياته شيئا، لكن حينما نتدبره بقلوبنا فان الأمر يختلف، وسنفهم الآيات بالرغم من تدني المستوى العلمي أو رفعته، لهذا الله عز وجل خاطب المنافقين لكونهم أقفلوا قلوبهم، وما عاد القرآن بتلاوته ينفعهم، بل إن الشيطان استغل هذا المستجد، وأضحى يتقمص وظيفة القلب، وحور دورها من الإرشاد والتذكير، إلى الإفساد والتغرير.
كثيرة هي الآيات الأخرى التي تشير إلى دور القلب في تمام العقل، ولعل من أظهرها لهذا الأمر، الآية الكريمة التي يقول فيها الله عز وجل: «وَجَعَلْنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْراً وَإِذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي القرآن وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلَىٰ أَدْبَارِهِمْ نُفُوراً». وان كان المهتمون بالموضوع إسلاميا يجعلون القلب مركزا للعقل، على عكس العلماء والباحثين الدنيويين الذين يحددونه في الدماغ وبالتالي أن العقل هو عملية تفاعل بين القلب والدماغ، ولا يرتكز في أي جهة منهما.
هل ان التدبر يعني التفسير؟ ومالفرق بين التدبر والتفسير؟
التفسير: يرتبط بذات الآية حيث يكشف لنا معنى الآيات عن طريق ربطها آية بآية أو عن طريق اللغة أو من خلال الروايات وربط السياق.
التدبر: هو النظر والتحقيق في عواقب ونتائج الامور من خلال التعرف على معنى الجملة ثم ننظر الى غاياتها، ودلالتها، بواطنها، وهو يحتاج الى تأمل، تفكر، قرائن.
اذن ما هو الفرق بين التدبر والتفسير؟
التدبر هو مرتبط بالواقع الخارجي ويبحث عن تطابقها مع الناس التفسر كشف المعنى المراد للآية، التدبر امر الله عامة الناس بالتدبر لغرض الانتفاع به، التفسير مأمور به الباحثون والمتخصصون حسب الحاجة اليه، التدبر لا يحتاج الى شروط الا فهم المعنى العام، التفسير له شروط المعنى ثم التأمل والتدبر ومقاصد الآية ومغزاها، التدبر يعتمد على شواهد وقرائن وادلة حصيلة نتاج فكري، التفسير يعتمد على قرائن يرجع بها الى المعصوم، التدبر غاية، التفسير وسيلة الى التدبر.
ان آيات القرآن تُرغب وتحث على التدبر في فهم القرآن ولا يجوز الاستنباط من القرآن الا بعد القرائن العقلية والنقلية أن النظر والتحقيق في عواقب ونتائج الأمور من خلال التعرف على معنى الجملة ثم ننظر الى غاياتها، ودلالتها، بواطنها، وهو يحتاج الى تأمل، تفكر، قرائن.
هل يعتبر التدبر تفسيرا بالرأي؟
كلا ان التدبر له قواعد وشروط اما التفسير بالرأي منهي عنه. أن من فسر القرآن الكريم برأيه مصيره النار.. يفسر القرآن الكريم حيث فسره على حسب عقيدته او حزبه فيجعله محكوماً وليس حاكما اي انه:
يفسر القرآن بظنه من دون ادلة حسب ارائه الشخصية.
يفسره بفهمه المستبد المستقل ولايرجع فيه الى المعصوم او القرائن العلمية.
يفسر القرآن بالهوى وليس له صلة بالواقع.
هل ان التدبر يعني التفكر؟
كلا هناك اختلاف، إذ ان التفكر: هو تصرف القلب بالنظر الى الدلائل حتى يصل الى المعنى وكذلك النظر في العواقب، الاشارات، الالتفاتات.
اما التدبر: هو تصرف القلب بالنظر في العواقب بعد ان يصل الى النتيجة حيث ان الانسان يفكر في المرامي، الاهداف، الاشارات.
لماذا نتدبر؟
يجب تدبر آيات الله... وذلك لأهمية التدبر في الحياة المستقبلية للاجيال القادمة. علماً أن الله لم يأمرنا بالتفسير ولا التجويد.. إذ لم ترد آية بشأن ذلك مطلقا رغم أهميتهما لكنه أمرنا بالتدبر كما في قوله تعالى.. كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ، وهذا نص صريح على أن نزول القرآن لغرض التدبر بآيات الله والعمل بها إذ إن اللام في ليتدبروا هي لام الغاية.. كذلك ذكر سبحانه في سورة محمد (أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ القرآن أَمْ عَلَىٰ قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا.).. إن الاستفهام في كلمة أفلا يتدبرون القرآن هو استنكاري توبيخي... يعني أن الله يوبخنا لأننا لانتدبر القرآن..
ومن خلال مجاهداتي العملية في ترويض النفس- ولباع طويل -وجدت ان اسرع وأفضل طرق الوصول الى الله هو التدبر فهو كما فسره أهل اللغة النظر في عواقب الكلمة أي نتدبر كلمات الله وآياته تجعلنا في مقام من مقامات القرب الالهي إذ يمنحنا طاقة وقوة تعيننا على التصدي للطاقات السلبية التي تسلطها علينا قوى الضلال.
ببركة وجود صاحب الزمان وبتوفيق من الله وببركة الزهراء(ع) ان يجعل من التدبر في آيات الله نبراسا ونورا للأجيال القادمة لكي تنهض بالامة وتدحر اعداءها.