ما أسباب عودة التصعيد بين أنقرة ودمشق؟
عماد الحطبة
كاتب ومحلل سياسي
في كلمته أمام القمة العربية، قال الرئيس السوري بشار الأسد في معرض تقييمه للأخطار التي تحيق بالأمة العربية: "خطر الفكر العثماني التوسعي المطعم بفكر إخواني منحرف".. كان التصريح مفاجئاً واحتلَّ العناوين، لأنه جاء من خارج سياق اللقاءات السورية التركية المتكررة التي احتضنتها موسكو وتوجها لقاء وزيري خارجية البلدين. في اليوم نفسه، كان الرئيس التركي رجب طيب إردوغان يصرح في لقاء تلفزيوني أن بلاده ستحتفظ بقوات في شمال سوريا، وذلك في إطار سعيها لحماية نفسها من الحركات الإرهابية، والمقصود هنا المنظمات العسكرية والسياسية الكردية، لأن المنظمات الموسومة بالإرهاب دولياً، وعلى رأسها جبهة النصرة، تحظى بدعم واحتضان تركي.
موقف الرئيس الأسد ينسجم مع ما سبق أن صرح به أكثر من مرة خلال زيارته الأخيرة إلى موسكو عن علاقة بلاده مع تركيا. وأكد الرئيس الأسد حينها أن سوريا جاهزة لتطوير العلاقات والذهاب بها إلى أبعد نقطة ممكنة في حال كان الطرف التركي جاداً ومستعداً لحل المشكلات العالقة. أما إذا كان الأمر يتعلق بمناورات انتخابية، فإن سوريا غير معنية بإضاعة الوقت في محادثات غير مجدية. لذلك، يمكن تفسير موقف الأسد المتشدد تجاه تركيا بأنه رد سوري على تغيير لغة خطاب الرئيس إردوغان، وهو رد يتضمن التأكيد على الرغبة السورية في العمل الجاد للوصول إلى حلول للمشكلات المعقدة بين البلدين.
قد يتعلق الأمر بما يتجاوز العلاقات الثنائية السورية – التركية. فقد شهدت القمة العربية حدثاً لا يقل إثارة عن حضور الرئيس السوري، وهو حضور الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلنسكي الذي ألقى كلمة في القمة. كان حضور زيلنسكي رسالة واضحة من الولايات المتحدة لجميع الذين راهنوا على ابتعاد السعودية عن المعسكر الأميركي. تقول هذه الرسالة إن اختلاف الموقف السياسي في قضية إنتاج النفط محصور في الزاوية الاقتصادية الضيقة، وإن دعوة الرئيس الأسد إلى القمة مرتبطة بالظروف الاقتصادية نفسها، لكن على المستوى الإقليمي. أما التحالف السياسي التاريخي بين الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية، فهو متين ومتماسك.
في السياق نفسه، يمكن أن تكون تصريحات الرئيس إردوغان عن بقاء قواته في شمال سوريا مرتبطة بضغوط أميركية أو على الأقل بمحاولة تحييد الولايات المتحدة وإعلامها خلال الفترة المتبقية حتى الجولة الثانية من الانتخابات. ويمكن هنا أن نقرأ خطاب الرئيس الأسد على أنه رد من المحور السوري – الروسي على الضغوط الأميركية، فقد افتتح الرئيس الأسد كلمته بالهجوم على الغرب عندما تحدث عن: "فرصة تبدل الوضع في العالم نتيجة هيمنة الغرب المجرد من المبادئ والأخلاق والأصدقاء والشركاء"، وأكد ضرورة "إعادة التموضع" بما يتفق مع مصالح الأمة بعيداً عن التدخلات الخارجية، والمقصود طبعاً الولايات المتحدة والدول الغربية. وإذا كان إردوغان "يغازل" الغرب والولايات المتحدة من خلال الحديث عن بقاء القوات التركية في سوريا، فإن الأسد يؤكد أن سوريا ماضية في التمسك بالثوابت التي حددتها للحوار مع أي طرف، المتمثلة بانسحاب القوات الأجنبية ووقف دعم التنظيمات الإرهابية. كما يمكن أيضاً الحديث عن إظهار سوريا استقلالية خطابها السياسي من دون الإخلال بوحدة المحور الذي يشكل ضلعاً مهماً فيه؛ فمن الواضح أن روسيا تدعم بقاء الرئيس إردوغان في الحكم، وترى فيه طرفاً مهماً في معادلة وسط أوروبا، وتدرك أن تغيير الموقف التركي من روسيا والالتزام بالعقوبات الغربية سوف يؤدي إلى تفاقم الأزمة الأوكرانية وتوسيع نطاقها إلى درجة لا ترغب فيها روسيا نفسها.
رغم ذلك، أظهرت سوريا موقفاً حاداً من تركيا بصرف النظر عن شخصية الرئيس؛ فهي لا ترى في طروحات كمال كليجدار أوغلو حلاً لأزمة العلاقات بين البلدين، بل لعلها تفاقم الأزمة بانحيازه إلى الموقف الغربي في الأزمة الأوكرانية، وحديثه عن إعادة اللاجئين السوريين خلال 6 أشهر إلى سنتين، ما يعني عملياً طرد هؤلاء اللاجئين والتسبب بأزمة اقتصادية - إنسانية وإلقائها على عاتق الدولة السورية المنهكة أصلاً.
من المبكر جداً الحديث عن وصول التصعيد بين دمشق وأنقرة حد الأزمة، وخصوصاً أن الرئيس إردوغان أعلن التزامه بالعلاقات الجيدة مع روسيا، وعدم موافقته على فرض عقوبات عليها، لكن الدلائل تشير إلى أن سوريا المدعومة عربياً بعد قمة جدة لن تقبل بحلول وسط أو تسويف تركي لأهداف داخلية تركية.