في ذكرى تحريرها من براثن القوات المعتدية
ملحمة خرمشهر.. صفحة ساطعة في تاريخ الشعب الإيراني
تحل علينا هذا الیوم ٢٤ آيار/ مايو الذكرى السنوية لتحرير خرمشهر من براثن قوات نظام «صدام» المعتدية التي عاثت في المدينة خراباً وفسادا خلال 19 شهرا من احتلالها في 1980.
ولم يكن تحرير مدينة خرمشهر التي قال عنها الإمام الخميني(قدس) «إن الله قد حررها» لم يكن تحرير مدينة فحسب، بل ملحمة انتفاضة شعب وصفحة ساطعة في تاريخ الشعب الإيراني الذي لم يرضخ للظلم والعدوان على امتداد حياته، ولم يحدث أن اعتدى على الآخرين.
خرمشهر لم تكن بالنسبة لشعبنا مجرد مدينة، بل كانت تاريخا ناطقا من الصمود والايثار والخلود... خرمشهر هي حديث مقاومة شعب وتضحيته، للدفاع عن تراب بلده الطاهر؛ شعب ضحى بشبانه ليتلوا نغمة الفتح والنصر على أبوابها.
ان تحرير خرمشهر كان اكبر من انجاز كبير على الصعيد العسكري، فقد كان رمزا ونموذجا مخلدا وملهما لروح المقاومة والصمود والولاء والاتحاد المثمر بين القوات المسلحة والشعب المؤمن في مواجهة اعداء الثورة والوطن الاسلامي، بحيث عملت ذكراها في كل سنة على تعزيز الارادة الوطنية للصمود أمام المناوئين للنظام.
اما خرمشهر وما ادراك ما خرمشهر، مدينة خرمشهر الايرانية الواقعة في محافظة خوزستان شهدت على هذا الوعد الالهي حيث كان النصر التام والسّاحق حليف قوات حرس الثورة الاسلامية والجيش الايراني التي دخلت المدينة على أشلاء الظلم والقهر الّذي جثم على صدرها قرابة الـ 578 يوما.
19 شهرا من الاحتلال ابتداءً من تشرين الأول من العام 1980، عاث الصداميون في المدينة خرابا ودمارا، الّا أن عمليّات بيت المقدس التي تزامنت مع بعثة الرسول الأكرم (ص) آنذاك وقادها الجيش الايراني تحت إمرة الشهيد علي صياد شيرازي وحرس الثورة الاسلامية تحت إمرة محسن رضائي، دفعت المدينة الى تحرير الهي كما وصف مفجر قائد الثورة الاسلاميّة الامام الخميني(رض).
وعند الحديث عن خرمشهر وتحريرها يجب التطرّق الى نقاط رئيسية وأساسية في سياق الحرب المفروضة من قبل النظام الصّدامي على الجمهورية الاسلامية.
بداية العدوان الصّدامي
شن النظام الصّدامي آنذاك حربا على الثورة الاسلامية التي لم تكد تنهي أشهرها الأولى وترتّب وضعها الدّاخلي في أيلول من العام 1980، لاستشعار نظام صدام والقوى المستكبرة التي دعمته بالخطر من ان تحذو الشعوب حذو الشعب الايراني وقلع الجبابرة والمتغطرسين.
اعتقد صدّام بأنه قادر على هزيمة هذه الثورة الفتية والوصول الى العاصمة الايرانية طهران خلال ساعات من بدء شن عدوانه مستندا الى تجربة الكيان الصهيوني الّذي قضى على القوة الجوية للجيش المصري خلال حرب العام 1967 في الساعات الأولى للحرب.
جهل صدّام كان شبيه بحماقة الديكتاتور الألماني أدولف هتلر الّذي اعتقد أنه بوسعه الهجوم على روسيا ذات الجيش الضعيف وذلك من خلال تفوق آلته العسكرية. لكن أقصى ما استطاع فعله المقبور صدّام عبر آلته العسكرية الضخمة هو احتلال عدّة مناطق حدودية كانت خرمشهر واحدة منها وقد دخلها في تشرين الأول من العام 1980.
بداية المقاومة الشعبية
الثورة الاسلامية التي كانت في ذلك الوقت في أشهرها الأولى ومن دون أيّ تنظيم عسكري حقيقي، ادى الشّباب المؤمن في جميع انحاء البلاد والمناطق الحدودية واجبهم الوطني والاسلامي، انخرطوا في صفوف المقاومة غير المنظمة من اجل مواجهة التقدّم الصدامي ووقفه حسب تكليفهم، وعلى الرّغم من الدّعم العالمي للنظام الصدامي وبساطة المقاومة الايرانية في بداياتها، فقد استطاعت صد الهجوم الصدامي في أوائل العام 1981، وبدأت التخطيط لهجمات مضادة لتحرير التراب الايراني من الدنس الصدامي على طول آلاف الكيلومترات الحدوديّة.
عمليّات بيت المقدس وتحرير خرمشهر
تعتبر عمليات بيت المقدس من أصعب وأخطر العمليات الهجومية على صعيد العالم على الاطلاق حيث قامت القوات الايرانية بعملية فصل للقوات الصدامية المحتلة للوصول الى مدينة خرمشهر الاستراتيجيّة، بما يؤمن لها لاحقا السيطرة على المياه الاقليمية حول مدينة خرمشهر. نفّذت القوّات الايرانية عمليّة هجومية سمّيت بعمليات بيت المقدس يمكن تقسيمها الى ثلاث مراحل.
المرحلة الأولى: اجتازت القوات الايرانيّة نهر الكارون ابتداءً من أواخر نيسان من العام 1982، في حين لم تكن تتوقّع القوات الصدامية الهجوم الايراني من هذه الناحية كونها تعتبر حاجزا طبيعيّا، وشكّلت الهجمات المضادة التي نفّذها الجيش الصّدامي استنزافا له لعدم علمه بأن القوات الايرانيّة التي استطاعت من تثبيت مواقعها غرب نهر الكارون تهدف الى الوصول الى مدينة خرمشهر.
المرحلة الثانية: تقدّمت القوات الايرانيّة غرب نهر الكارون على طريق أهواز – خرمشهر أوائل شهر أيّار من العام 1982 على الرغم من المقاومة العنيفة للبعثيين وهجماتهم المضادة.
وفيما وصلت القوات الايرانيّة في العشرين من شهر أيّار الى مشارف مدينة خرمشهر كانت القوات الصدامية تحشد قواتها على محور شلمجه – خرمشهر. الهجوم المضاد والقوي الصدامي كان سيؤدي الى تدمير القوات الإيرانيّة في حال نجاحه، لكنّ فشله أدى الى هزيمة مدوية للجيش الصدامي جعلته يترك عتادا عسكريا ضخما من الآليات والتجهيزات غنمته القوات الايرانيّة، اضافة الى تدميره لمستودعات أسلحة.
المرحلة الثالثة: امتدث من 22 أيّار من العام 1982 إلى الرابع والعشرين من شهر أيار من العام نفسه وتمثلت بدخول القوات الايرانيّة الى المدينة وتحريرها من الدنس الصدامي حيث ألقت قوات حرس الثورة الاسلامية القبض على اكثر 19 ألف جندي صدامي أسير، وغنمت الكثير من العتاد والأجهزة العسكريّة.
خسائر العدو وتضحيات الجمهورية الاسلامية الايرانية
قدمت الجمهورية الاسلامية خلال عمليات تحرير مدينة خرمشهر الاستراتيجية خيرة شبابها من قوات حرس الثورة الاسلامية والجيش الايراني على مذبح الوطن لتطهير ترابه من الاحتلال ولصون الكرامة والعزة الوطنيّة.
وقد أنزلت القوات الايرانية خسائر فادحة بقوات العدو تمثلت بقتل أكثر من 10 آلاف جندي إضافة الى جرح عشرات آلف آخرين، وأسر حوالي 19 الف جندي عراقيّ.
لكن النتيجة الحاسمة لهذه المعركة كان أن منّ الله سبحانه وتعالى على من باعوا أنفسهم لله بتحرير أرضهم وعودتها الى حضن الوطن.
شكّلت هذه المعركة نهاية لحلم صدّام لانه كان يعتقد باستطاعته تحقيق انتصار على الثورة الاسلاميّة، كما كانت منطلقا لتحرير كامل التراب الايراني ودفع قوات العدو حتى داخل الحدود العراقيّة.
انهارت معنويات الجيش الصدامي، واتهم صدّام المقبور قادة جيشه بالخيانة وأقدم على إعدام عدد من الجنرالات بينهم قائد الفرقة التاسعة في الجيش الصدامي.
ولكن احلام واوهام صدام رغم ما تلقاه من دعم مالي وعسكري واستخباري ذهبت ادراج الرياح، امام صمود الشعب الايراني ومقاومته ضد المعتدي، والدفاع عن كل شبر من أرضه ومياهه وسمائه.
ورغم كل التآمر الغربي والدعم العربي، وما يثار من فتن في الداخل تبدد الوهم الصدامي في الاحتفاظ باحتلال مدينة خرمشهر، لتلبس هذه المدينة ثوب عرس عودتها الى حضن الوطن وتحريرها في الثالث من شهر خرداد الإيراني.
اذ كان الثالت من خرداد يوم طرد العدو الصدامي محفور بكل فخر في ذاكرة الشعب الإيراني، فان هذا الشعب وكما كان، سيبقى متوحدا في مواجهة كل من يتربص بأمنه واستقراره وسيادته.
في مثل هذا اليوم (3 من شهر خرداد المصادف لـ24 أيار/مايو) تمكنت القوات الايرانية من اعادة السيطرة على مدينة «خرمشهر» المرفئية في محافظة «خوزستان» جنوب غرب ايران في عام 1982، بعد مضي 575 يوما من احتلالها من قبل القوات العراقية خلال الحرب المفروضة على ايران.
وتعززت الثقة لدى الشعب الايراني، الّذي اندفع الى شوارع المدن في أنحاء البلاد مبتهجا بالنصر، بأنّه يمكن استعادة كل أراضيه المحتلّة ومواجهة أي تهديد خارجيّ.
رضخ العالم المتواطئ مع صدام الى حقيقة عدم قدرة هذا الأخير في تحقيق أي هدف وإقرارهم بعجزه عن الحاق الأذى بالثورة الفتية في ايران الاسلاميّة.
شكّلت هذه المعركة انطلاقا للمباحثات السياسية من اجل إنهاء الحرب المفروضة.
اعترف العالم بقدرات القوات المسلحة الايرانية الذّاتية لصد أي هجوم خارجي.
أما إقليميّا فقد كانت هذه المعركة درسا لشعوب المنطقة والتي استلهم منها الشعب اللبناني ومقاومته الشريفة دروسا عديدة للتصدي للاجتياح الاسرائيلي للأراضي اللبنانية الّذي انطلق بعد تحرير مدينة خرمشهر بيومين، وانتهى بتحرير اراضيه بالذكرى السنوية الـ 18 لتحرير هذه المدينة في شهر أيّار من العام 2000.
ولم يكن تحرير مدينة خرمشهر التي قال عنها الإمام الخميني الراحل(رض) «إن الله قد حررها» لم يكن تحرير مدينة فحسب، بل ملحمة انتفاضة شعب وصفحة ساطعة في تاريخ الشعب الإيراني الذي لم يرضخ للظلم والعدوان على امتداد حياته، ولم يحدث أن اعتدى على الآخرين. وسطر الشعب الايراني ملاحم تاريخية في تحرير المدينة التي اصبحت رمزاً بطولياً ومعلماً بارزاً من معالم تلك الحرب.. وفي مثل هذا اليوم سجل الشعب الإيراني ملحمة تاريخية بتحريره مدينة خرمشهر، لازال صداها الكبير يتردد حتى يومنا هذا، حيث لقن نظام صدام البائد درساً تحول عبرة للأعداء ويوماً وطنياً مجيداً في تاريخ الجمهورية الإسلامية وثورتها المباركة.
وخاتمة الکلام ان تحـريـر مـدينـة خرمشهر كان هِبَة الهية ونصر من الله وفتح مبين .