دور الحكمة في بناء الأسرة
ما أروع الحكمة.. إنها من أعظم الفضائل بل هي أهم مفتاح للفضائل كلها، يحتاج إليها البشر جميعا وبخاصة القادة وكل من هو في منصب بل تحتاج إليها الدول إنها باب التوفيق والنجاح والتفوق.. وما أجمل قول سليمان الحكيم: "الحكيم عيناه في رأسه. أما الجاهل فيسلك في الظلام"، لذلك فهي نور داخلي ينير العقل والقلب كما أنها نور خارجي ينير للآخرين طريقهم.
إن الأسرة تساهم بشكل مباشر في بناء الإطار السلوكي لأبنائها، فمنذ اليوم الأول لولادة الطفل تبدأ الأسرة في تحديد سلوك هذا الفرد، ومنذ ذلك اليوم تشرع في بناء شخصيته، فالطفل الذي تعود إن أراد شيئاً كان عليه الصراخ والبكاء، لا شك أنها حددت إحدى سمات الشخصية وهي الإتكالية واستخدام السلوك الانفعالي في الوصول الى الرغبة والهدف المطلوب وهكذا يتعلم الفرد إذا سلك سلوكاً منافياً للأعراف التي حددتها له الأسرة فكان له في المقابل العقاب أو الزجر، في حين الحصول على الراحة والموافقة من قبل الأسرة حين السلوك باتجاه أمر مستحسن لدى الأسرة..
الحكمة تدل على الدين
وكان لقمان الحكيم يوصي ابنه على تعلم الحكمة: "يابني تعلم الحكمة فان الحكمة تدل على الدين وتشرف العبد وتقدم الصغير على الكبير"، وكيف يظن ابن آدم أن يتهيأ له أمر دينه ومعيشته بغير حكمة ولا عجب أن يتخرج الحكماء من بيوت العلم والحكمة لأنهم تربوا على الحكمة وعلى السلوك العلمي.
ومما يذكر أنه كان ابن أحد الحكماء يذهب الى الغابة متمشياً على أطرافها وينشد النشيد تلو الآخر، وتحت قانون الصدى كان الصوت يرجع مرة أخرى ليسمع الطفل ما أنشده، وبحكم سنه كان يعتقد أن هناك طفلاً آخر قد سرق نشيده وأخذ ينشده، فقام بشتم ذلك الطفل الموهوم ليسمع الشتيمة ترتد إليه، فرد بأنه طفل بذيء وسمع الرد أيضا بأنك طفل بذيء، ولما عاد للمنزل سرد على والده ما حدث وأن هناك طفلاً سرق نشيده وشتمه وقال له: إنك طفل بذيء.
فماذا قال الأب لابنه؟ تمعنوا في إجابة الأب لأنها تسطر لنا نهجاً في تربية الأبناء وصقل الحكمة في حياتهم..
قال له الأب: يابني قل خيراً تسمع خيراً وعاد الطفل للغابة، وأخذ يردد المديح لذلك الطفل الموهوم قائلاً: إنك طفل جميل.
فسمع الرد: إنك طفل جميل..
وهكذا انغرست هذه الحكمة في قلب ذلك الطفل ليتعلم أن معاملة الآخرين له مرتبطة بمعاملته لهم..
هكذا يكون دور الأسرة في بناء الحكمة في الفرد، فإنها تزوده بالحكمة وتعمل على سلامة أجهزة الحكمة فتقوم بتنمية عقله وتوسيع آفاقه وتعمل على تطهير قلبه فلا تزرع العداوة والحقد على الآخرين فتدنس قلب الفرد وتصون لسانه فتجعله ملتزماً بآداب الحديث وتردعه
عن الألفاظ البذية.