الـ«لا» إحدى مفاتيح السعادة
الوفاق/ خاص
نسرين نجم
مما لا شك فيه بأن الانسان لا يمكن ان ينعزل عن الآخرين، ويبني عالماً منفرداً يرفض فيه التواصل مع الناس، وبالطبع الحياة عامة والاجتماعية خاصة قائمة على مبدأ «الاخذ والعطاء»، ولكن لتنجح هذه الأخيرة وتعكس ايجابا على حياتنا وسلوكنا وصحتنا النفسية والجسدية، لا بد من ان يكون هناك توازن بين مفهومي «الاخذ والعطاء» وان لا يتغلب احدهما على الآخر، لانه سيؤثر سلبا علينا بالدرجة الاولى وعلى نظرتنا لانفسنا. ومن اهم المبادىء لهذه المعادلة في حياتنا الاجتماعية والمهنية والعاطفية ان نعرف متى نقول «نعم» ومتى نقول «لا»، ونشدد على الاخيرة اي على «لا» لان الكثير وللاسف قد حذفها من قاموسه اليومي ليرضي الجميع على حساب راحته وصحته،سيما ان اغلب العلاقات الاجتماعية والمهنية في ايامنا هذه هيمنت عليها «الانا» المريضة المغرورة المتبجحة التي لا تقدر مشاعر الاخرين ... لذلك نرى ان الكثير من الاشخاص يتجنبون قول «لا» لكي لا يخسروا عملهم وأصدقاءهم المقربين وغيره، بذلك تعودوا على الرضوخ والخنوع ليصل بهم الامر الى حد الاستسلام والشعور بالاحباط، وكأن من يسير حياتهم ويحدد اهدافهم الآخرون وليسوا هم بأنفسهم، وهذا منتهى الخطورة على الصعيد النفس_ اجتماعي
لماذا؟
لانك لن تستطيع وضع حدود للآخر، وستفقد احترامك لنفسك، وستعيش في قلق وعدم راحة وعدم تصالح مع ذاتك، لانك لا تعمل على ما انت تريده، ما انت تحبه وترغب به، وهذا يولد صورة متدنية عن نفسك، اضف الى ذلك ستشعر بالوحدة لانك تتجاهل وتهمل رغباتك الحقيقية، فتحس بالفراغ وتميل الى الانعزال والانطواء، وتشعر لو قلت «لا» وكأن الكل سيكرهك ويبتعد عنك، بالطبع هذا تفكير سلبي خاطىء.. لن تستطيع عبر هذا التفكير وهذا الأسلوب في الحياة ان
تنجح...
وهنا نلوم النواة الأساس في بناء المجتمع قصدنا بها الاسرة من جهة تربيتها وتنشئتها لاطفالها على مبدأ «عيب ان تقول «لا» للاخرين، «عيب ان ترفض اوامرهم»، وعيب ان تسير بعكس ما يريدونه.. هذا العيب المرتبط الزاميا بقول الـ «نعم» بشكل دائم سينتج عنه شخصية ضعيفة مستسلمة منهزمة يتم استغلالها بسهولة، والتنمر عليها بكل
بساطة...
لذلك دائما نشدد ونركز على ضرورة الوعي والادراك عند الوالدين والتمييز بين ما هو عيب وبين ما يحفظ كرامة اطفالكم وشخصياتهم بحال قالوا الـ«لا»، فالـ «نعم» الدائمة ورطت الكثير الكثير من الاطفال والمراهقين في سلوكيات منحرفة صدمت اهاليهم، رغم ان هذا ما جناه الاهل نتيجة ما زرعوه من قيم وتربية خاطئة لدى ابنائهم.
اذن التوازن ضروري، وقول الـ«لا» في الامكنة والمواقف التي يجب قولها ضرورة لا بل الزامية بأن يقولها الفرد ليحفظ كرامته، ويصون مقامه، ويصل الى تحقيق
اهدافه..
وهنا لا بد من القول ان عليك ايها العزيز ان تتعلم قول «لا» وان لا تخاف من النقد لانه كما هو معروف بأنك مهما قدمت وعملت لن ترضي الجميع، فللناس ارائهم الخاصة ويجب ان لا تؤثر عليك، والاهم ابتعد عن «التبرير» لا تبرر لماذا قلت «لا»، عبارة «لا ارغب بالقيام بذلك او قول هذا....» اكثر من كافية، فهي تعطيك قيمة اكثر، ويعرف الآخر بأنك لست متاحا لهم في كل وقت، لان هذه النقطة بالذات بحال لم تتحكم بها سيصل بهم الامر الى حد استغلالك بشكل كبير، فكلمة «لا» تحميك من استغلالهم وتنمرهم...
«لا» في مكانها وفي وجه من يستحقها باب السعادة والاستقرار والنصر
قل «لا» بثقة فهي مفتاحك للوصول الى الاستقرار والسعادة في حياتك، وتساعدك على الابتعاد عن الاشخاص السلبيين، والأهم ان هذه الكلمة المؤلفة من حرفين تشير الى انك تعرف ما تريد، ولديك النضج والادراك الكافي لقولها وبالطبع ليس بطريقة عبثية بل في مكانها السليم والصحيح...
وتأكد بأن قول «لا» ليس الهدف منه الابتعاد عن الاخرين، وقطع العلاقات معهم، لا بالعكس هي تشير وتدل على الاحترام وتقدير الذات والسعي لبناء علاقات مريحة للجميع خالية من الاساءة الاستغلال وفرض الاراء
بالقوة.
وهذه الـ«لا» تمتد لتصل الى الامم والدول والمجتمعات، فعندما يجتمع شعبا ليقول لا للمعتدين عليه سينتصر، وعندما يلتف الشعب حول قيادته وقادته الحكماء في وجه قوى الاستكبار العالمي سينتصر كما فعلت الثورة الاسلامية الايرانية..
فمنذ انتصارها المبارك ارتفعت كلمة لا واصبح لها الوقع المزلزل على الاعداء، ورفعت الشعارات لا لقوى الاستكبار، لا لاميركا، لا للكيان الصهيوني، وكسرت بالتالي قيود الاحتلال والاستعمار، وانظروا اليوم الى ما يحصل على الساحة الفلسطينية وكيف ان «لا» للمحتل و«لا» لبقائه على ارض فلسطين و«لا» لجرائمه، اوقعت العدو بقلق وحيرة وتوتر، ودفعت المستوطنين وكما تذكر الاحصائيات حوالي مليون ونصف منهم الى الهجرة من الكيان اللقيط بحثا عن ملاذ آمن
لهم...
«لا» في مكانها وفي وجه من يستحقها باب السعادة والاستقرار والنصر.