الصفحات
  • الصفحه الاولي
  • محلیات
  • اقتصاد
  • دولیات
  • الثقاقه و المجتمع
  • مقالات و المقابلات
  • الریاضه و السیاحه
  • عربیات
  • منوعات
العدد سبعة آلاف ومائتان وخمسة وثلاثون - ١٤ مايو ٢٠٢٣
صحیفة ایران الدولیة الوفاق - العدد سبعة آلاف ومائتان وخمسة وثلاثون - ١٤ مايو ٢٠٢٣ - الصفحة ۸

المقاومة خارج مسارات تقدير الموقف الإسرائيلي

ايمن الرفاتي
كاتب ومحلل سياسي
على عكس توقعات المنظومة الأمنية الإسرائيلية، لم يستطع الاحتلال استفزاز حركة الجهاد الإسلامي بعد اغتيال 3 من كبار قادة جناحها العسكري "سرايا القدس"، لتقوم برد منفرد وسريع يمكّنه من تكرار سيناريوهات سابقة بالاستفراد بها. وقد فاجأت قيادة حركة الجهاد العدو بطريقة عملها المنسقة مع مختلف الفصائل الفلسطينية ضمن غرفة العمليات المشتركة لفصائل المقاومة.
منذ اللحظات الأولى، أدركت قيادة حركة الجهاد أنَّ الاحتلال المتأزم يريد تكرار سيناريو جرَّبه مسبقاً عام 2019 عندما اغتال الشهيد القائد بهاء أبو العطا، وعام 2022 عندما اغتال الشهيد القائد تيسير الجعبري، للاستفراد بها ودفعها إلى الدخول في المعركة وحدها. لهذا، غيَّرت الحركة تكتيكاتها، واستطاعت أن تضبط الميدان بالتنسيق مع باقي الفصائل الفلسطينية، وخصوصاً حركة حماس، وسط وعي كبير بعدم إعطاء الاحتلال ما يريده أو الذهاب إلى المعركة وفق المسارات التي رسمتها حكومة الاحتلال من حيث التوقيت وتوقعات الرد الفلسطيني.
يبدو أنَّ غرفة التنسيق الإقليمية بين المقاومة الفلسطينية ومحور المقاومة باتت جزءاً من إدارة المعركة مع الاحتلال خلال الوقت الحالي. وقد جاء تأخير المقاومة الردّ بهدف إتمام مشهد التنسيق وترتيب رد كبير من جميع الجبهات على الجريمة التي ارتكبها الاحتلال، وتمثل هذه المواجهة التنفيذ العملي لكل التفاهمات والاتفاقيات التي تمت بين فصائل المقاومة الفلسطينية ومحور المقاومة خلال الفترة الماضية.
من يراقب التحركات داخل كيان الاحتلال يدرك حجم الإرباك بعدما خرجت المقاومة الفلسطينية عن المسارات المتوقعة في تقدير الموقف التي وضعها المستويان الأمني والسياسي قبل تنفيذ عملية الاغتيال. وما فعلته المقاومة من عدم الرد حتى الآن ربما لم يكن بحسبان الكيان الإسرائيلي، الذي بات يعيش القلق وينتظر رد المقاومة على جريمته، وهو الذي كان يتوقع معركةً لأيام محدودة يحقق فيها مراده ويسوّق داخلياً فكرة أنه استطاع تحقيق إنجاز وأعاد صورة الردع. فأدخلت حالة عدم الرد حكومة الاحتلال في إرباك واضح وسط مجموعة من التساؤلات عن طبيعة الرد الفلسطيني، أبرزها: متى يكون الرد؟ وما مستواه؟ وهل تشارك حركة حماس فيه؟ ومن أين سيأتي: براً أم جواً أم بحراً؟ هل يكون عبر الصواريخ؟ وما المدى والكثافة النارية التي ستستخدمها المقاومة؟ وهل يأتي من الجبهات الأخرى؟ وهل يكون محدوداً أم كبيراً؟
لهذا، إنَّ الحيرة من تأخر الرد الفلسطيني أصبحت كبيرة لدى الاحتلال، في ظل عدم قدرته على إيجاد إجابات واضحة لأسئلته، بما يمكنه من وضع تصوّر لطبيعة وطريقة التعامل مع المقاومة الفلسطينية، إلا أنّ الأخطر بالنسبة إليه: هل تعمل المقاومة على تمديد وقت الرد إلى موعد مسيرة الأعلام في مدينة القدس بعد 9 أيام، وبالتالي إفساد المخطط الإسرائيلي، وتجييش مختلف الجبهات الفلسطينية والإقليمية للدخول في مواجهة كبيرة، وبالتالي يكون إنهاء الجولة القتالية بمطالب فلسطينية تتعلق بالوضع في مدينة القدس المحتلة؟
تأخير المقاومة في قطاع غزة الرد على عملية الاغتيال الغادرة جاء على عكس التوقعات، وأوقع نتنياهو في ورطة داخلية جديدة، إذ إنه فتح الملاجئ، وغادر أكثر من 7 آلاف مستوطن منطقة "غلاف غزة" إلى الفنادق في منطقة وسط الكيان، وهو أمر ذو كلفة عالية. وفي حال لم تدفع لهم الدولة التعويضات بشكل سريع، فإن ذلك سينقلب سخطاً على نتنياهو وحكومته. وقد اعترف مسؤول أمني إسرائيلي سابق للقناة الثانية العبرية بأنَّ "صمت غزة مريب؛ ففي العادة يردون بشكل عاطفي بعد دقائق أو ساعات. يبدو أن الفصائل غيّرت في إستراتيجية الرد، وهو ما يقلق الأمن الإسرائيلي ويجعل الأعصاب مشدودة". وأمام تأخير الرد والصمت الرهيب من الأجنحة العسكرية للمقاومة، وضع نتنياهو وحكومته عدداً من الأهداف، أبرزها تحييد حركة حماس عن المواجهة، وإنهاء الجولة في أسرع وقت، وعدم تعقّد الأمور أكثر مما هي عليه، وعدم فتح أكثر من جبهة في الوقت نفسه، وعدم خروج الجولة عمَّا تمَّ الاتفاق عليه مع الإدارة الأميركية بأن تكون سريعة، وأن لا تجر حرباً كبيرة أو متعددة الجبهات.
لهذا، لا يزال نتنياهو يخشى أن يكون رد المقاومة كبيراً ومتعدد الجبهات، بما يؤدي إلى تفجُّر معركة كبيرة تورطه أمام "الجيش" والمجتمع الإسرائيلي، وسط يقين بعدم قدرته على استعادة صورة الردع، وكذلك أمام إدارة بايدن التي ما زالت تريد بقاء الهدوء في منطقة الشرق الأوسط، من دون التشويش على جهودها ضد روسيا. وإن التكتيك الجديد الذي تستخدمه المقاومة الفلسطينية في تأخير الرد منذ جريمة الاغتيال حقق لها نقاطاً عدة في المعركة الحالية، أهمها:
-  إعطاء المقاومة القدرة على التجهيز لرد كبير ومؤثر وموازٍ لجريمة الاحتلال بعيداً من الردود الانفعالية.
-  إفساد المخطط الإسرائيلي الذي يريد أن تكون المعركة تحت عنوان الرد على عملية اغتيال، بدلاً من معركة بعنوان الدفاع عن مدينة القدس في يوم "مسيرة الأعلام" المقررة يوم الخميس المقبل.
-  منْع العدو من الاستفراد بفصيل دون الآخر أو بجبهة دون أخرى، وتعزيز حالة الوحدة والترابط بين مكونات المقاومة على المستوى الفلسطيني والإقليمي، وإعطاء الاحتلال صورة مفادها أن من الصعب عليه اختراق حالة التوافق والتنسيق العالي ووحدة الساحات والميادين بين الساحات الفلسطينية وفي الإقليم.
-  إدخال الحيرة والقلق إلى الجبهة الداخلية في الكيان، من دون إطلاق أي رصاصة أو صاروخ، وتعقيد قدرة الاحتلال على تقدير الموقف.

 

 

البحث
الأرشيف التاريخي