الصفحات
  • الصفحه الاولي
  • محلیات
  • اقتصاد
  • دولیات
  • الثقاقه و المجتمع
  • مقالات و المقابلات
  • الریاضه و السیاحه
  • عربیات
  • منوعات
العدد سبعة آلاف ومائتان وأربعة وثلاثون - ١٣ مايو ٢٠٢٣
صحیفة ایران الدولیة الوفاق - العدد سبعة آلاف ومائتان وأربعة وثلاثون - ١٣ مايو ٢٠٢٣ - الصفحة ۸

معركة «ثأر الأحرار» في المنظور الاستراتيجي الأميركي

عمرو علان
كاتب ومحلل سياسي
يقال إن الاحتلال لطالما أتمّ انتخاباته عبر الخوض في الدم الفلسطيني والدم العربي، وإنه دأب على حلّ أزماته الداخلية من خلال تصديرها إلى الخارج بواسطة اعتداءاتٍ طالت كل دول الطوق تقريباً، وهذا كان صحيحاً لفتراتٍ طويلةٍ، وكان يمكن الاعتماد على تلك الأسباب وحدها لتفسير التوقيت والأهداف لاعتداءاته في كثير من الحالات.
أمّا اليوم، وبعد أن قَوِيَت شوكة فصائل المقاومة الفلسطينية، واشتد ساعد قوى "محور المقاومة" بصورة عامة، وصار للدخول في حروبٍ أو جولات تصعيدٍ مع أيّ منها تكلفةٌ يدفعها الاحتلال وجبهته الداخلية، فلم تَعُدْ تلك الأسباب وحدها كافيةً لتفسير أهداف اعتداءاته وتوقيتها. ففي نهاية المطاف، ما زال يوجد في الكيان الموقت "مؤسسة جيشٍ" وهيئة أمنٍ قومي وشُعْبة استخبارات عسكريةٍ، وتلك المؤسسات يكون لها ثقلٌ وازنٌ حين اتخاذ قرار الذهاب إلى الحرب. فحال الكيان في ذلك كسائر الدول والكيانات، ويصعب على السياسيين بصورةٍ عامةٍ إقناع مؤسسات الأمن القومي بالذهاب إلى الحرب في حال عدم وجود مسوغٍّ حقيقي لها، أو أنها فقط لمجرد رغبة السياسيين في تصدير أزماتهم الداخلية إلى الخارج، ولا سيما عندما يكون لتلك الحرب تكلفةٌ يمكن أن تضرّ بأمن الدولة، كما بات اليوم حال الكيان في مواجهة قوى المقاومة.
إذن، ربما تكون أزمة نتنياهو الداخلية احدى دوافع عدوان الاحتلال الأخير على غزَّة، وربما يكون سعي الكيان لاسترداد قدرته الردعية بدافعٍ ذاتي أحد الأسباب أيضاً، لكن في ظل المخاطر المستجدة، والتي يمكن أن تواجه العدو في أي عدوانٍ على قوى المقاومة، يصير من الأقرب إلى الصواب البحث عن أهداف استراتيجيةٍ أو تكتيكيةٍ للعدو أكثر عمقاً من وراء عدوانه. فالتقدير الصحيح لأهداف العدوان يساعد على صياغة الطريقة الأكثر ملاءمةً لإفشاله، فماذا يريد الكيان، إذن، من وراء هذا العدوان الأخير على غزَّة؟ والذي بدأه بضربةٍ قاسيةٍ في الشكل والمضمون؟ وهل كان قراره بشأن التصعيد فردياً؟
يمرّ العالم برمته حالياً في حالة إعادة رسمٍ للتوازنات بين أقطابه، أمّا منطقتنا فجاريةٌ إعادةُ رسم التوازنات فيها منذ حينٍ. وأثبتت جولات الحرب في العقدين الأخيرين بين كيان الاحتلال وقوى المقاومة الإقليمية والفلسطينية، بدءاً بحرب عام 2006 في لبنان، وليس انتهاءً بمعركة "سيف القدس" عام 2021، تراجعَ قدرة جيش الاحتلال على تحقيق أهدافه من تلك الحروب، الأمر الذي حدا بالأميركي إلى محاولة تجنيب الاحتلال الدخول في معارك جديدةٍ، وذلك حمايةً له إلى حين تعديل موازين القوى، التي باتت مختلَّةً في غير مصلحة الكيان الموقت، إذ كانت حرب عام 2006 آخر معركةٍ خاضها كيان الاحتلال بدفعٍ مباشرٍ من الأميركي، ونيابةً عنه، كما اقر بذلك إيهود أولمرت، رئيس وزراء كيان الاحتلال وقتذاك.  لكن، في معركة "ثأر الأحرار"، تظهر اليد الأميركية بوضوحٍ، فلقد جاءت عقب زيارة مستشار الأمن القومي الأميركي، جيك سوليفان، الأخيرة لكيان الاحتلال، كما أن نتنياهو صرَّح بشأن وضع الإدارة الأميركية في صورة الاعتداء الأخير على غزَّة مسبّقاً، بالإضافة إلى ما قاله إيلي كوهن، وزير خارجية الاحتلال، بشأن حصول الكيان على غطاءٍ سياسي مطلقٍ من الولايات المتحدة الأميركية، هذا ناهيك عن الاتصالات التشاورية التي أجراها يوآف غالانت، وزير الحرب في حكومة الاحتلال، مع نظيره الأميركي، على نحو لا يدع مجالاً للشك في الانخراط الأميركي المباشر في هذه الجولة.
من هنا، يمكن رصد تبدُّلٍ في الموقف الأميركي تجاه إشعال كيان الاحتلال لتوتِّرٍ جديدٍ في المنطقة، إذ سعى الأميركي خلال الفترة القريبة الماضية، لمنع انزلاق الأوضاع في الإقليم إلى حربٍ أخرى، بسبب انشغاله بحربه ضد روسيا في أوكرانيا. لكن، يبدو أن تعثُّر الأميركي في تحقيق أهدافه الاستراتيجية في الحرب الأوكرانية حتى اللحظة، والذي أدى بصورةٍ أو بأخرى إلى إضعاف قبضته على حلفائه الإقليميين، والذي بدا في بعض الخطوات التي اتخذتها السعودية – على سبيل المثال لا الحصر – حينما أعادت العلاقات مع إيران برعايةٍ صينيةٍ، جعل الأميركي يعيد النظر في توجهاته، ويغامر بدفع كيان الاحتلال إلى خوض معركةٍ جديدةٍ، مع من يظنه الحلقة الأضعف في "محور المقاومة"، أملاً في أن يرمِّم الكيان الغاصب جزءاً من ردعه الذي تهشَّم، ويستعيد وظيفته التي أنشئ من أجلها، كعصاً وضابط إيقاعٍ لدول المنطقة، عسى أن يَحدّ ذلك زيادةَ اختلال التوازن في الإقليم لغير مصلحة الأميركي.
من خلال رصد الطريقة الجديدة في إدارة معركة "ثأر الأحرار" من جانب فصائل المقاومة الفلسطينية، بدايةً بعدم الرد الفوري على جريمة اغتيال القادة الشهداء لحركة "الجهاد الإسلامي"، والصمت المُعبِّر والذي اتبعته قبيل بدء المعركة، ودخول الفصائل موحدةً في القتال ضمن "غرفة العمليات المشتركة"، ومن خلال تقديرات المقاومة في الأشهر القليلة الماضية، بأن العدو متَّجهٌ إلى شنِّ عدوانٍ جديدٍ على غزَّة، يَظهر أن فصائل المقاومة الفلسطينية تدرك مغزى هذه المعركة، والمدى الذي يمكن أن تصل إليه.
بالنتيجة، بناءً على ما تم طرحه لأبعاد معركة "ثأر الأحرار"، يَعتقِد الكيان الموقت أن نجاحه في تحقيق أهدافه سيؤدي إلى تعديل التوازنات الإقليمية على نحو يصبّ في مصلحته، ليس فقط في مواجهة المقاومة الفلسطينية، بل في مواجهة "محور المقاومة" عموماً، بالإضافة إلى ضرب المواجهة الاستراتيجية الدائرة في الضفَّة الغربية حالياً، إذ تستمد تلك المواجهة زخمها من وجود ظهيرٍ قوي لها في غزَّة، وفي دول المحور كذلك، كما يأمل الأميركي استعادة جزءٍ من هيمنته المتراجعة في الإقليم. وفي حال نجاح فصائل غزَّة في إفشال أهداف هذا العدوان، فإنَّها ستحقِّق قفزةً إلى الأمام في مستوى تأثيرها الإقليمي، على غرار ما حقَّقته في معركة "سيف القدس". لكن، في النهاية، غاب عن ذهنَي الأميركي والكيان الموقت معاً، أن وقف مسار القوس الصاعد لقوى المقاومة في المنطقة، يلزمه انتصارٌ استراتيجي للكيان في عدَّة جبهاتٍ معاً، ولعل هذا ما يجعل حظوظه في تحقيق أهدافه من عدوانه الأخير محدودةً.

 

 

البحث
الأرشيف التاريخي