شهداء غزة.. الشهود
ليلى عماشا
موقع العهد الإخباري
لن يصبح قتلنا معتادًا، لن يصبح حدثًا عاديًّا، مهما أمعن القاتل في تكراره، تمامًا كما لن ترضخ أعين المقاومين لغدر الطائرات. عين المقاومة تتقن كسر المخرز وإن أصابها في الحدقة! في غزّة، حدقات في أعين المقاومة ارتقت شهيدة، بغارات غدر لن يصبح معتادًا، أبدًا. ثلاثة عشر شهيدًا، حتى الساعة، من بينهم القادة الثلاثة في "سرايا القدس"، الجناح العسكري في الجهاد الإسلامي مع أفراد من عائلاتهم.
وُجدت "إسرائيل" لتعتدي، بل أصل وجودها هو عدوان. هذه بديهية لا نقاش فيها. وتماديها في العدوان وفي ارتكاب المجازر مرتبط عادة بتأزّمها وبشعورها بالعجز الميداني. لدينا ذاكرة حافلة بمئات المجازر، بمئات الاغتيالات، بمئات الإعدامات الميدانية، بمئات المشاهد العدوانية بكلّ أشكالها ودرجاتها، والعالم الذي يدّعي الإنسانية ويحاضر فيها ويجتاح البلاد لنقل تجربته الكاذبة في مجالاتها، يتفرّج على قتلنا، ويجد له أعذارًا ومبرّرات، فيما يشجب ويستنكر كلّ فعل مقاوم. بل ويمدّ القاتل بالدعم وبالسلاح كي يمعن في قتلنا. وإن يُظنّ أن هذا أبشع ما في المشهد، وأن الأميركي والأوروبي هم الأشرار في حكايتنا، فالأبشع منهم هم أبناء جلدتنا الذين يحاضرون بإنسانية "الصهاينة" إذا انتشرت صورة لجندي صهيوني يسقي كلبًا، ويعيبون على المقاومة حتى وجودها، معتبرين أنّ هذا الوجود هو مدعاة المجازر والعدوانية وليس العكس! إلى هؤلاء المشوّهين في إنسانيّتهم، المسوخ التائهين في أزقة الخيارات الخسيسة، من التطبيع إلى التفكّر مرتين في الحقّ بالمقاومة، درس بالإنسانية، وإن كان لا ينفع معهم تعليم ولا تلقين. ماذا لو كان المشهد معاكسًا؟! ماذا لو استهدفت صواريخ المقاومة منازل المستوطنين الذين هم أصلًا معتدون ويستحقون أن يكونوا في مرمى صواريخ المقاومة؟! كان سيُهرع قبل الصهاينة حول العالم صهاينة الداخل، يستنكرون ويشجبون ويلعنون ويطالبون "إسرائيل" بردّ واسع النطاق. ماذا لو لم يُؤَجَّل تنفيذ اعدام المقبور عقل هاشم بسبب وجود ابنه قربه، وكلب؟! ماذا لو لم تمارس المقاومة كلّ النبل وأرقاه في كلّ
عمل مقاوم؟
المسألة هنا ليست فقط التناقض بين خيار المقاومة وخيار الاستسلام، هو خلل جوهري في بنية أدوات الصهاينة وفي نفوسهم الملوثة بالدونية والانهزامية والعمالة يعبّر عن نفسه بالتمادي بالسقوط الأخلاقي والإنساني كلّما أمعن العدو في عدوانه.
الآن، غزّة تحاصر عدوّها. النساء والأطفال الذين استهدفهم الطيران الحربي شهداء وشهود على غطرسة لا يكسر وحشيّتها لا قرارات دولية ولا اتفاقات انبطاح عربي ولا مناظرات تلفزيونية تدين العدوان بظاهرها وتدين المقاومة بمنطقها وسلوكها.
شهداء غزة اليوم شهود ليس فقط على عدوانية العدو الذي لا يحترم أية مواثيق دولية ولا اتفاقات وقف اطلاق نار ولا أي معيار أخلاقي أو إنسانيّ يدّعيه العالم الذي يرفد العدوان بكل دعم معنويّ ومادي، فهذه العدوانية لا تحتاج شاهدًا أو دليلًا عليها. هم شهود أيضًا على سفالة الناطقين بالعربية الذين يملأون الشاشات بالحديث تارّة عن إنسانية الغرب وطورًا عن التحضّر في "إسرائيلهم".