«أحمد برواية» الخبير في الشؤون الأفريقية لـ «الوفاق»:
الصراع في السودان.. لماذا؟ ومن وراءه؟
حميد مهدوي راد
ربما يحتاج الوضع بالسودان لمزيد من الوقت لاكتشاف المحرك الرئيسي للأحداث والدفع بالوضع لمرحلة الاشتعال، رغم وجود أسباب موضوعية وتراكمات وشواهد تقود إلى الانفجار.
والخروج حاليًا بنظرية عن الأطراف الدافعة أو التي تدير الصراع ربما لا ينطوي على دقة كبيرة رغم تواجد أطراف ترعى الصراع وتنحاز بشكل شبه علني لطرف دون آخر من الأطراف المتقاتلة، ووجود مصالح لا تخطئها العين لقوى إقليمية ودولية تكمن وراء اشتعال الوضع وانتصار طرف بعينه على الآخر. في إطار وسياق التعرف على تبعات هذا الصراع وأبرز التطورات والتحولات التي حدثت هذه الأيام أجرت صحيفة الوفاق مقابلة مع الخبير بشؤون شمال أفريقيا أحمد برواية، الذي أجاب عن أسئلة الصحيفة:
ماذا يجري تحديدا في السودان؟ وما هي الأحداث التي وقعت فيه؟
بامكاننا ان نتتبع جذور الأزمة الحالية في السودان من بدايات القرن الحالي واندلاع التمرد المسلح في اقليم دارفور، حيث استعان النظام السوداني ببعض القبائل وبعض المليشيات القبلية الموالية له لتقوم بسحق التمرد وقد تمكن بعض من قادة هذه المليشيات كسيد حميدتي من توطيد نفوذه وعلاقاته مع نظام عمر البشير وظهوره بمظهر الشخص الذي يمكن ان يعتمد عليه وقت الأزمات. وكان النظام السوداني في ذاك الوقت يعاني من بعض الانقسامات الداخلية، وعمر البشير بنفسه كان يرتاب من الجيش السوداني ويخاف بان يقوم بانقلاب عسكري ضده، ولذلك قام بإحتواء هذه القوات وتوفير الدعم اللازم لها حتى تكون قوات بإمكانها ان تجابه الجيش السوداني وأن يوازن بينها وبين الجيش السوداني. هذه القوات في البداية كانت تتبع المخابرات السودانية وبعد ذلك تم اتباعها مباشرة الى رئاسة الجمهورية بعد انتفاضة 2019 والتي ادت في نهاية المطاف الى الاطاحة بعمر البشير واصبح هناك تفاهمات تم نسجها بين قوات الدعم السريع والجيش السوداني.
وتم بموجبها الاطاحة بعمر البشير، والمسك بزمام الأمور من قبل مجلس السيادة الانتقالي الذي كان "برهان" رئيسا لهذا المجلس وحميدتي كان نائباً اولاً له. ولكن برزت تيارات مدنية متمثلة بالقوة والحرية والتغيير، ما أدى الى حصول ارباك في حسابات الجيش السوداني و قوات الدعم السريع بعد الانقلاب العسكري، أو الذي ادى الى الاطاحة بالسيد "حمدوك" رئيس الوزراء والموقف الذي اتخذته القوى العالمية والاقليمية كالسعودية والامارات والاتحاد الاوروبي والولايات المتحدة.
تجاه هذه الخطوة رأينا منذ عام 2021 ولحد الآن تغيرا لموقف السيد حميدتي، فهو قد أصبح يتودد الى قوة الحرية والتغيير واصبح يتقرب منها اكثر واصبح ينادي بحكم مدني _ ديموقراطي، واصبح لديه هناك علاقات اكثر من مجال مع الاتحاد الاوروبي، خصوصا في مجال مكافحة تهريب البشر. من جانب آخر الجيش السوداني يرى حميدتي ويرى قوات الدعم السريع، أنها مليشيات قبلية هامشية أتت من الهامش الى مركز القرار السياسي في السودان ولذلك لا يريد ان يقتسم النفوذ والثروة وشبكات المحسوبية معها.
لماذا ومن أين اندلع الصراع بين قوات الدعم السريع و الجيش ؟ وهل هناك خلاف او تفاقم سياسي بين حميدتي والبرهان؟
منذ انشاء الدولة السودانية في القرن التاسع عشر كانت هنالك دائما بعض المجموعات القبلية المحددة التي تهيمن على القوة والثروة في السودان، وكان السيد حميدتي يأتي من خلفيات مختلفة عن هذه المجموعات الاجتماعية المحددة ويعتبر دخيلا على الساحة السياسية السودانية بشقيها الموالي لـ الحكومة والمعارض لها، وقد استفاد السيد حميدتي من قدراته السياسية ليحجز مكانه على طاولة الكبار السياسة السودانية لذلك فأن الطغمة العسكرية الحاكمة في السودان حالياً والسياسيين أيضاً يرون حميدتي دخيلاً عليهم ولا يريدون ان يتقاسم شبكات النفوذ والثروة مع السيد حميدتي، صحيح أن السيد حميدتي يهيمن على تجارة الذهب في اقليم دارفور، خاصة جبل مرة، لكنه لا يزال بعيدا عن شبكات النفود والمحسوبية في السودان، هذه احدى اهم نقاط الخلاف بين الجيش وحميدتي، قوات الدعم السريع لا تريد ان تندمج مع القوات المسلحة السودانية بشروط القوات المسلحة السودانية وتريد ان تستغرق عملية دمج عقدين من الزمان على اقل تقدير ولكن الجيش السوداني يريد ان يدمج هذه القوات بسرعة حتى يضمن تفكيك هذه القوات ويضمن بانها لن تشكل أي خطر على هيمنة ونفوذ الجيش السوداني. طبعا السيد حميدتي مدعوم من قبل بعض القوى الأجنبية وطبعا السيد حميدتي يحارب لدوافع ذاتية ويحارب بدافع الجشع والطموح الشخصي، وهذا هو جوهر الخلاف بين الطرفين.
أي جانب من الصراع يعتبر من المعارضة وماذا يريدون؟
انّ قوة حرية والتغيير وتجمع المهنيين السودانيين التي تشكل الركيزة الاساسية للمعارضة السودانية والقوة غير العسكرية في السودان ترى الجيش السوداني في صميم الدولة العميقة التي تم تأسيسها في زمن عمر البشير. والاسلاميين، وهي كحركات علمانية تريد ان تفرض رؤيتها العلمانية على الدولة السودانية، لا تقبل بالجيش السوداني وتنظر اليه نظرة ارتياب شديدة جداً، ولكنها أيضا تريد أن تتفادى الحرب الاهلية التي تكون بمثابة نهاية لمشروعها لمستقبل السودان ولكنها أيضا ترى بأن انتصار أي من الطرفين سيؤدي حتما الى تهميش دورها، لذلك يصل الطرفان الى تفاهمات تحافظ على الميزان الحالي للقوة.
ما هو دور القوى الخارجية في الأحداث السودانية الأخيرة؟
هنالك الكثير من القوى الاقليمية والعالمية التي تريد أن تتدخل في السودان، هنالك مصر التي وقفت مع الجيش السوداني من منطلقات الأمن الوطني وأنها لا تريد أن تكون هنالك دولة للمليشيات في حدودها الجنوبية، هنالك أيضا اثيوبيا التي تميل الى جانب قوات الدعم السريع، لانها تراها اقل تناغما مع الجانب المصري، هنالك الاماراتيين الذين كانوا من اشد الداعمين لسيد "حميدتي"، هنالك الموقف الفرنسي والأمريكي والروسي، الذي لا يزال غامضا ولكن بإمكاننا أن نقول بأن موقف الأمريكيين والفرنسيين، أنهم لا يريدون الخير للسودان وسيسعيان الى تفتيت الدولة السودانية لتنطلق دومينو لا استقرار في القارة الأفريقية بأجملها. وطبعا هنالك الدور الصهيوني الذي يريد ان تكون الدول الاسلامية والعربية ضعيفة ومفتتة، حتى لا تقوم لها قائمة.
ما هو دور الدول العربية والاسلامية لتحقيق الهدنة في السودان؟
طبعا من واجب الدول الاسلامية أن تقوم بعمل وساطات ما بين طرفي النزاع المسلح في السودان وتقوم بتذكيرهم بواجباتهم الاسلامية والانسانية تجاه الشعب السوداني الذي قتل منه المئات من المدنيين العزل لحد الان.