والتأكيد على دعم الحلفاء؛
قراءة في زيارة الرئيس الإيراني لدمشق
الوفاق/ خاص
د.خيام الزعبي
السؤال الأكثر إلحاحاً والذي أصبح هاجساً لكل صُناع السياسة والاقتصاد في المنطقة، يدور حول ماهية الوضع المتوقع ما بعد زيارة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي لدمشق، وما ستؤول اليه الأمور على المستوى الإقليمي والدولي وتحديداً فيما يخص الأزمة السورية، فهل سنشهد هبوب رياح ساخنة أم سيكون هناك نوع من التهدئة وأخذ زمام المبادرة وإنتزاع الأدوار؟ ولعل هذه الزيارة تمثل التحدي الأكبر للأنظمة المعادية لسورية، إذ أحدثت ما يمكن تسميته مفاجأة دولية حيث سارع عدد من القادة الدوليين بإصدار تصريحات تعكس ردة الفعل التي سببتها الزيارة.
لا شك في أن زيارة الرئيس الإيراني لدمشق زيارة مهمة وبالغة الدلالات، إذ تعد ضربة سياسية إيرانية كبيرة تعكس جدية المواقف الإيرانية تجاه سورية، ورسالة إلى المجتمع الدولي مفادها أن طهران ثابتة في مواقفها بالنسبة لسورية، وأن إيران جادة فعلاً في حماية المنطقة من الإرهاب بعد توسعه في المنطقة وعدم قدرة أمريكا والمجتمع الدولي على الحد منه، في إطار ذلك تعهدت طهران بمواصلة دعم الدولة السورية عسكرياً وسياسياً واقتصادياً، ومن هنا برهنت الكثير من الأحداث والوقائع على أن العلاقات السورية الإيرانية الى حد ما إنها أكثر ثباتاً واستمراراً من أية علاقة أخرى بين دول المنطقة.
بالمقابل، شهدت منطقة الشرق الأوسط عودة قوية لإيران بعد تراجع نسبي لأمريكا نتيجة الهزائم المستمرة في العراق واليمن وسورية وليبيا، وعدم حسم تلك المعارك، بالإضافة لإعتبارات الإنتصار الكبير لمحور سورية وإيران، على محور أمريكا وحلفائها، فتصارع الإرادتين الايرانية والأمريكية توضحت بصورة دقيقة فيما يتعلق بالواقع السوري، فأمريكا عملت كل شيء لإسقاط الدولة السورية، بينما أعلنت إيران صراحة، بأن الدعم العسكري لن يتوقف عن سورية، وبقاء الدولة السورية خيارها الوحيد.
وفي الاتجاه الأخر، بدأت أغلب الدول الغربية والعربية بتحفيز سياسة الحوار بدل سياسة السلاح في سورية وهذا ناتج عن قناعة تلك القيادات بأن خطوتها الدموية تجاه سورية قد فشلت وإن صناعتها للإرهاب قد كشفت، لذلك ليس أمامهم إلا الخضوع الى الإرادة السورية والمعارضة السلمية بأن تحديد مصيرها من خلال الحوار فقط، وبالتالي فإن بعض الدول التي كانت سابقاً شريكاً أساسياً بالحرب على الدولة السورية بدأت بالإستدارة والتحول بمواقفها وقامت بمراجعة شاملة لرؤيتها المستقبلية لهذه الحرب المفروضة على سورية، فمعظم دول الخليج الفارسي يدق الخطر أركانها، وأمريكا تلاشت أحلامها في تسيّد المنطقة وتركيا الإتهامات ما تزال تلاحقها بدعم داعش وفتح حدودها اليهم، وفي هذا السياق تم التأكيد على أهمية الضغط على الدول التي توفر الدعم المالي والسياسي والعسكري واللوجيستي للتنظيمات الإرهابية للتوقف عن ذلك. ومن هنا فان التحالف الاستراتيجي بين سورية وايران قائم على قاعدة القضاء على التهديد الأمني المشترك من جانب إسرائيل والولايات المتحدة الامريكية، وطالما إن هذا التهديد قائم سيظل هذا التحالف قائماً وقوياً .
لذلك يمكنني القول إن زيارة الرئيس الإيراني لدمشق، تؤكد أن هناك تفاهمات تصل إلى حد التطابق بين إيران وسورية، التي تتزامن مع عودة سورية إلى عمقها العربي، وكسر قانون"قيصر"وفشل الحِصار الأمريكي، وهزيمته، كما تحمل في طياتها رسائل مهمة بأن علاقات الشراكة الإستراتيجية القائمة بين سورية وإيران قوية، وخارج المساومات والصفقات، وهي زيارة تعطي الانطباع بوجود دور إيراني جديد في الأزمة السورية، وبالتالي فإن توقيت هذه الزيارة مهم جدا في ظل الظروف الصعبة التي تمر بها المنطقة حالياً.
على الرغم من أن الاعتبارات السياسية هي المحرك الرئيسي لسياسة إيران تجاه سورية، غير أن المصالح الاقتصادية باتت تلعب دورا أكبر من أي وقت مضى، في هذا السياق تعد هذه العلاقات ذات طبيعة خاصة، نظرا لأهمية المصالح الاقتصادية التي تعد إحدى مرتكزات السياسة الخارجية الإيرانية تجاه سورية قياساً بالمسائل الأخرى نظراً لحاجتها إلى شركاء اقتصاديين وأسواق تجارية وفرص استثمارية، لذلك تبقى عين إيران على مرحلة ما بعد الحرب، وتحديداً على عملية إعادة الإعمار، حيث توجد حالياً ملايين المنازل والمنشآت والبنى التحتية المدمرة في سورية، وسوف تكون إيران مستعدة بدورها، للعب دور كبير في عملية إعادة الاعمار، وهي التي تصنف كأكبر منتج للأسمنت والحديد في منطقة الشرق الأوسط.
وهنا أرى بأن هناك رؤية إستراتيجية موجودة في كل الأوساط الإيرانية وعلى أعلى المستويات، مفادها أن طهران التي يمكن أن تسهم في عودة الاستقرار مرة أخرى إلى منطقة الشرق الأوسط المضطربة كما إن هناك رؤية إستراتيجية ثابتة وهي دعم سورية في كل الأوقات.
مجملاً، إن التدخل الإيراني العسكري في سورية قلب الطاولات وضبط موازين القوى على الأرض، فالمنطقة تعيش مرحلة ما قبل الحسم والمواجهة، وبالتالي يحاول كل طرف ترتيب موازينه بهذا الإتجاه، على أية حال إن هذه الزيارة تعتبر بداية لفتح مسارات جديدة على طريق تسوية الأزمة السورية سياسياً، وبناءً على ذلك فان ايران هي مصدر دعم سياسي وامني واقتصادي ولوجستي لسورية في قضايا منطقة الشرق الاوسط الحساسة.
وأختم مقالي بالقول: إن الرسالة الإيرانية واضحة تماماً، وهي موجهة لكل من يهمهم الأمر، مفادها أن سورية هي خط الدفاع الأول عن الأمن الإيراني، لذلك فهي مستمرة في تقديم الدعم لسورية وشعبها، وأن طهران تعي ما يُحاك ضدها وضد سورية. فسورية التي هي رغم الجروح النازفة والأحداث الجسيمة، لا تزال بخير، وأن لديها القدرة القيادية الذاتية على تدبير أمورها، وأن المطلوب من جميع القوى الدولية والإقليمية أن تدعم السلم والاستقرار وأن تتوقف عن محاولاتها التدخل والعبث بالاستقرار العربي والسوري تحت دعاوى مُزيفة وأكاذيب مضللة.