على مدار الزمان؛
كرة القدم في تركيا.. صراع طبقي بنكهة رياضية
لطالما شهدت كرة القدم التركية تدخلات حوّلت المنافسة فيها من رياضية إلى طبقية وعرقية، عكست حجم التفاوت في المجتمع التركي.
منذ الظهور الأول لرياضة كرة القدم في "السلطنة العثمانية"؛ تركيا اليوم، على أيدي الأقليات غير المسلمة، اتخذت الرياضة، الأكثر انتشاراً في العالم، حيزاً سياسياً وطبقياً، بات يشكل مع الزمن أحد أبرز معالم هذه الرياضة في تركيا.
أندية محمية من هول الحرب في السلطنة
تعود جذور كرة القدم في تركيا إلى بدايات القرن التاسع عشر، بحيث شهدت المدن الساحلية التركية انتشار هذه الرياضة، على يد عدد من المهاجرين والأجانب، وسرعان ما تسللت إليها القبضة السياسية، متمثّلة بجمعية الاتحاد والترقي، التي كانت تمتلك نفوذاً كبيراً حينها، وتطمح إلى إحداث تغيّر سياسي في السلطنة.
وفي سعيها للتفرد في كرة القدم، أصدرت الجمعية، التي كانت تمتلك عدداً من الأندية المحلية حينها، قرارات تقضي بإعفاء اللاعبين الأتراك، الذي كانوا ضمن تلك الأندية، من الالتحاق بالخدمة العسكرية، ليكون هذا أحد أول التدخلات السياسية، التي ساهمت في سطوع نجم تلك الأندية.
ومنذ ذلك الوقت، بدأت مرحلة من الطبقية في عالم كرة القدم التركية، أثّرت، بصورة كبيرة، في النتائج والبطولات التي حققها عدد من الأندية المدعومة سياسياً.
كرة القدم بوابة السلطة في الدولة الجديدة
مع انتهاء الحرب العالمية الأولى ورحيل السلطنة، ازدهرت كرة القدم، بصورة كبيرة، في ظل الوضعين السياسي والاجتماعي، اللذين كانا يعصفان بتركيا المنهَكة، وبدولة مصطفى كمال حديثة الولادة.
وكما هي عادة الأنظمة السياسية والدول بشأن استغلال انتشار كرة القدم بين الشعوب، في سبيل تحسين صورتها والترويج لنفسها، عمد الفريق السياسي الحاكم في تلك الفترة إلى الاستثمار في كرة القدم.
في تلك الفترة، أُسس نادٍ جديد حمل اسم "الشمس"، تمكّن، بفضل الدعم السياسي الذي حصل عليه من الرئيس التركي حينها مصطفى كمال وفريقه، من الحصول على عدد من الألقاب، ليمتلك أفضلية على سائر الأندية في تلك الفترة.
واستمرت التدخلات السياسية في كرة القدم التركية، وصولاً إلى انقلاب عام 1960، وما تبعه من انقلابات أخرى (1971، 1980، 1996) حيث عمدت السلطة إلى تعزيز كرة القدم وتنشيط الرياضة من أجل التخفيف من التوتر الاجتماعي واستمالت الجماهير إلى صفها.
بناءً عليه، فإن كرة القدم التركية شهدت، على مرّ التاريخ، صراعاً طبقياً تمثَّل بامتلاك الأندية المدعومة سياسياً، بصورة عامة، والمقرَّبة إلى مركز السلطة، على نحو خاصّ، امتيازاتٍ ومساعداتٍ ساهمت في تحقيقها البطولات، وصولاً إلى يومنا هذا، بحيث باتت الأندية التركية تعكس واقعاً رياضياً للتقسيم في البلاد، طبقياً وسياسياً.
ديربي عامة الشعب والنخب
وكما الديربيات والمباريات الكبرى في مختلف الدوريات، تمتاز مباريات نادي غلطة سراي وبشكتاش بكثير من المنافسة والندية، ليس بسبب وجود الناديين في الحيز الجغرافي نفسه، في مدينة إسطنبول، وإنما نتيجة عدم انحصار المنافسة بين الناديين في الرياضة فقط، بل ارتباطها بأبعاد طبقية.
وبعيداً عن المنافسة القوية بين الناديين في عدد الألقاب والانتصارات، يُعَدّ الخلاف الطبقي أحد أسباب المنافسة بينهما، إذ تَعُدّ جماهير نادي بشكتاش نفسها قريبة من عامة الشعب، وهو ما يتجلى دائماً في المطالب الشعبية، التي ترفعها جماهير النادي خلال المباريات. في المقلب الآخر، يُعَدّ نادي غلطة سراي فريق النخب، بحيث أُسس على أيدي طلاب مدرسة غلطة سراي الثانوية الفرنسية في عام 1905، والتي كانت تُعَدّ إحدى أعرق المدارس في ذلك الوقت، لينشأ صراع طبقي بين تلك الجماهير بسبب اختلافها فكرياً.
الطبقية حاضرة في الملاعب ضد الأقليات
انعكست ظاهرة العنصرية، التي تنتشر في تركيا، نتيجة للتوترات السياسية التي تعيشها المنطقة، ولطالما صدرت الهتافات العنصرية في المدرّجات التركية، سواءٌ كانت ضد الأقليات، أو الأعراق.
وكان أحد أبرز الانتهاكات، التي تعرَّضت لها الأندية المحسوبة على الأقليات، الهجوم بعبوّات المياه والهتافات العنصرية من جماهير "بورصة سبور" ضد لاعبي نادي "آمد سبور".
للوهلة الأولى، قد يظنّ المتابع أنه حدث عابر قد يحدث في أيّ مباراة، إلّا أن أبعاد المشكلة تخطت حدود المستطيل الأخضر، إذ ينتمي "آمد سبور" إلى مدينة ديار بكر، التي تُعَدّ إحدى أبرز المدن الكردية الموجودة في تركيا، الأمر الذي تسبّب بتحويل أرضية الملعب إلى ساحة حرب شبيهة بتلك التي تدور بين الكرد، من جهة، والأتراك، من جهة أخرى، في انعكاس واضح للواقع. لم تكتفِ الجماهير التركية بالاعتداء على الفريق الكردي، بل عمدت إلى رفع صور لمنظمات وأشخاص متهمين بقتل الأكراد في أوقات سابقة.
وخلال المباراة، وتحديداً في الدقيقة الـ81 من عمر اللقاء، وبعد تسجيل نادي بورصة هدفاً، شرع عدد من لاعبيه في تأدية التحية العسكرية، كنوع من الاحتفال، واشتُهر هذا الاحتفال بين الجماهير التركية عقب الحرب التركية ضد سوريا.