عبد القادر الحسيني.. مقاومٌ رَسَمَ خارطة طريق فلسطين
نسر فلسطين، بطل معركة القسطل حارب حتى رمقه الأخير
الوفاق/ خاص
أمل محمد شبيب
كانت يافا لا تزال تقاوم عندما وصل احد قادة المقاومة الفلسطينية عام 1948 إلى دمشق، يطلب من اللجنة العسكرية التابعة لجامعة الدول العربية تأمين السلاح. أراد البنادق والمدافع والذخائر قائلاً لهم: "منكم السلاح ومنا الشهداء وستبقى فلسطين عربية". انتظر هذا القيادي أكثر من ثلاثة أيام، وكل ما حصل عليه من سلاح ،كان نصف كيس من الرصاص فقط . ومع ذلك لم يدخل اليأس أو الإحباط إلى قلبه و عقله و ظل يقاوم، فأعاد تنظيم قواعد المقاومة و تدريب الرجال على امل أن يصل السلاح . في أخر ربيع له، قبل حلول أيار عام 1948خاض مواجهة كبرى مع العصابات الصهيونية التي اجتاحت بلدة القسطل وهي في طريقها إلى القدس صمد مع المقاومين لأيام عدة وهو ينتظر وصول السلاح حتى نفذت الذخائر .
انتقلت أخبار معركة القسطل إلى كل فلسطين فهب أهلها للنصرة والعون و تمكنوا من السيطرة مجددا على القسطل وطرد المستوطنين الصهاينة منها. وهناك بين أجساد الشهداء المخضبة بالدماء وجدوا جثمانه: إنه القائد الفلسطيني الكبير الملقب بنسر فلسطين "عبد القادر الحسيني" الذي زفته المقاومة الفلسطينية عام 1948 شهيداً....جريدة الوفاق إلتقت بنجل الشهيد الفلسطيني عبد القادر الحسيني، المجاهد الذي أكمل مسيرة والده دون كلل أو ملل، بل رسم خارطة طريق له منذ الصغر، المناضل غازي الحسيني، وفتحنا معه صفحة مشرقة من تاريخ عائلة الحسيني المقدسية، عن فلسطين وعن القضية واستمرارها وكان الحوار التالي...
عبد القادر الحسيني منعطف مهم في تاريخ المقاومة الفلسطينية
لم يكن عبد القادر الحسيني شخصية عادية في ذلك الوقت، بل رسم قضية شكلت منعطفاً في تاريخ المقاومة الفلسطينية وترك صفحة مشرقة ومؤلمة في التاريخ العربي المقاوم، هو ابن القدس الذي وقف مدافعاً عن فلسطين، ترابها وأبنائها.
من سيرة حياته بدأنا اللقاء: "هو عبد القادر موسى كاظم الحسيني من عائلة الحسيني المقدسية، والده زعيم فلسطين المتفق عليه من جميع اهالي فلسطين. ولادته كانت في اسطنبول عام 1908 نتيجة عمل والده لدى الحكومة العثمانية، وعندما عاد والده الى القدس، عاد عبد القادر معه وعاش فيها، كان يتيم الأم فقد توفيت والدته وهو طفل صغير. تربى عبد القادر الحسيني في عائلة مقاومة مناضلة، إذ كان يحضر الإجتماعات التي يقودها والده مع عدد من الشخصيات الفلسطينية البارزة الدينية والوطنية والعلمية، ونشأ على قيم الوطنية وحب الوطن الدين والوقوف مع الحق ومقاومة الباطل.
على مسرح الجامعة الأميركية: فلسطين والمقاومة مسير حياة، والجامعة تبشيرية تدعو للخنوع للإستعمار
"كانت بدايات عبد القادر الحسيني الدراسية في القدس" يضيف نجله غازي، ولم يمنعه تفوقه في دراسته من الوقوف أمام حلمه بمقاتلة القوات البريطانية، فعندما كان في عمر الثالثة عشر اشترى عبد القادر مسدساً من مصروفه الشخصي ليقاتل
به الإنكليز.
بعد إنتهاء دراسته الثانوية في القدس، إنتقل عبد القادر الحسيني الى القاهرة لدراسة الكيمياء في الجامعة الأميركية بهدف صناعة المتفجرات، ونجح متفوقاً في كلية العلوم قسم الكيمياء. ولم يقتصر وجوده في القاهرة على الدراسة فقط، بل استغلّ تواجده بالتعرّف على الجهات الوطنية وعلى النشاطات السياسية وطلاب الجامعات في مصر، ونتيجة علاقته الطيبة مع الطلاب، أسّس رابطة الطلاب الفلسطينيين في الجامعات المصرية.
شكّلت مواقف عبد القادر الحسيني طريقاً واضحاً خلال مسيرة حياته، فلسطين والمقاومة، فعندما تخرج من الجامعة الأميركية، وأثناء وقوفه على المسرح لإستلام الشهادة، وقف على المنبر وقام بتمزيق الشهادة وقال: "أنا لا اعتز بهذه الشهادة، وكل ما تعلمته كان من جهدي الشخصي في هذه الجامعة، وهذه الجامعة ليست جامعة تعليمية بل جامعة تبشيرية وجامعة تدعو للخنوع للإستعمار". كان لهذا الموقف الجريء وقعه الخاص على الطلاب في الجامعة، وضجّ الموقف في مصر فكان محط إهتمام وسائل الإعلام، ونشرته الجرائد وتحدثت عنه التلفزيونات والإذاعات، فما كان لقسم المخابرات ومسؤولي الإمن إلاّ أن يتوجهوا لإعتقاله وإبعاده من مصر، وخرجت مظاهرات من الجامعات وطلاب الأزهر تأييداً له.
حارب عبد القادر أعراف الإنكليز وقاد مع والده مظاهرة "يافا"
نكمل الحديث مع غازي الحسيني، نجل عبد القادر الحسيني الذي اصبح نبراساً في النضال والكفاح من أجل تحرير الأرض، عندما عاد عبد القادر الى فلسطين، عرض عليه المندوب السامي وظائف كبيرة في حكومة الإنتداب لكنه رفض، وآثر على ذلك أن يعمل في إحدى الجرائد الفلسطينية ويكتب مقالات يومية يحرّض فيها على الثورة وعلى مقاومة الإستعمار البريطاني ومقاومة الهجرة اليهودية. رغم مواقفه، عُرض عليه منصباً للعمل في دائرة قسم الأراضي، مستغلّاً المنصب في الحفاظ على الأراضي التي كانت تسرّب لليهود، ففي ذلك الوقت كان هناك عرف عند الإنكليز يقضي بأنّ كل ارض غير مشجّرة تعتبر ملكاً للدولة وتُصادر وتُسلّم للوكالة اليهودية، لذلك حارب عبد القادر هذا العرف سرّاً، فكان يذهب مع الفلاحين ليلاً وينقل الأشجار من منطقة الى منطقة ويقوم بتشجير الأراضي الفارغة، ما شكّل حيرة عند الإنكليز الذين كانوا يأتون في الصباح في جولة على الأراضي، فكانوا يتفاجأون بأن الأراضي قد زُرعت بالأشجار. ولم ينته الأمر عند تشجير الأراضي، بل استطاع في نفس الوقت أن يقوم بالإتصال بمعظم القرى لتوجيه أهل القرى وكيفية تشجير أراضيهم الشاغرة ويعلمهم كيف يواجهون ويقاومون الإنكليز والصهاينة. وبعد هذا التحشيد ضد الإنكليز والصهاينة، بدأت المظاهرات في عام 1933 ضد الوجود البريطاني وضد الهجرة اليهودية، ومن المظاهرات التي يحفظها التاريخ هي مظاهرة "يافا" التي قادها موسى كاظم الحسيني، والد عبد القادر الحسيني برفقة عبد القادر الحسيني، يومها اجتمع الجنود البريطانيين على موسى كاظم وضربوه بالعصي، وحاول بعض المتظاهرين حمايته، واستشهد أحد المتظاهرين نتيجة الضرب، كما أصيب موسى كاظم بكسور مختلفة ونتيجة لهذه الكسور وبسبب مرضه بالسكري في ذلك الوقت وكبر عمره حيث كان يومها في الثمانين من العمر، بقي موسى ستة اشهر في الفراش مع كسوره ومرضه إلى أن توفاه الله.
من تنظيم الثورة الفلسطينية عام 1936 الى مقاتلة الإنكليز
بعد استقالة عبد القادر من وظيفته في قسم الأراضي، يضيف غازي الحسيني، بدأ بتنظيم الثورة الفلسطينية عام 1936، واجتمع بعدد كبير من زعماء القرى والمناطق الفلسطينية واستطاع أن ينظّم مقاومة فعّالة، لكن للأسف كان ينقصهم السلاح والتدريب، فاتصل بالضباط السوريين وحضر سعيد العاص، أحد القيادات في الجيش السوري ايام الثورة السورية، متطوعاً لتدريب الفلسطينيين، وبدأ بتدريب المناضلين في فلسطين الى أن وصل الى منطقة خطرة وكان معهم بندقيتين، بندقية خطفها أحد الجواسيس وهرب بها، وبندقية ثانية بقيت مع سعيد العاص، ونظراً للخطر الذي أحاط بالمتدربين، طلب سعيد العاص من الجميع أن يذهبوا على أن يبقى ليقاتل وحده، لكن عبد القادر رفض وبقي مع سعيد العاص، ومضيا في القتال أصيب حينها سعيد العاص بستة رصاصات استشهد على أثرها، وبقي عبد القادر مع البندقية يقاتل الإنكليز بعددهم الكبير، وظلّ يقاتل حتى نفذت الذخيرة منه عندها هاجموه الإنكليز بالسلاح الأبيض وطعنوه في بطنه واعتقلوه ونقلوه الى مستشفى "بيت لحم" الحكومي. هناك ذهب احد أفراد عائلته وكفلوه من أجل أن يتم علاجه، ثم خرج من المستشفى وتم تهريبه الى دمشق، وبعد شفاءه عاد الى فلسطين مستعيداً نشاطه الكفاحي.
من مصالحة معركة بني نعيم الى قتال مع قوات الإنكليز
مواقف مختلفة عاشها وعايشها عبد القادر الحسيني دفع خلالها ثمن نضاله وكفاحه من أجل أمته ووطنه "فلسطين"، ففي العام 1938 أصيب بجراح في معركة بني نعيم التي كانت قائمة بين القبائل، وعمل على حلّ مشاكله، يومها حضر المجاهدون من كل أنحاء فلسطين ليشهدوا هذه المصالحة التاريخية، وأثناء تواجده أدرك عبد القادر الحسيني بأن هناك مؤامرة ما، مدّ يده للأكل، فاكتشف أن الأكل بارد، وعرف أن الأكل مسموماً، وفوجئ ومن معه بأنهم مطوقون من قبل الجيش البريطاني، وبدأت المعركة واستعمل الجيش البريطاني مدافع الهاون والطائرات والدبابات المصفحة، وأصيب عبد القادر الحسيني مع عدد من المناضلين، كما استشهد ابن عمه المهندس علي حسين الحسيني، ونتيجة للقتال الشديد في تلك المعركة اعتقد اصدقاء عبد القادر الحسيني بأن عبد القادر قد استشهد، واخذوا جثمانه ووضعوه في مغارة خوفاً من الأعداء وأغلقوا المغارة بالحجارة، وعندما عادوا في الليل من اجل دفن الجثة، سمعوا انينه واكتشفوا أنه لا يزال حيّاً، ونقلوه الى مستشفى الحكومي في الخليل. كان مدير المستشفى في ذلك الوقت إنكليزي، عندها طوّق المجاهدون المستشفى وقطعوا الإتصالات الخارجية عن المستشفى، وطلبوا من المستشفى معالجة عبد القادر بعد التهديد والوعيد في حال تعرضهم لعبد القادر، واضطروا حينها لمعالجته وخضعوا للأمر الواقع، وتمت معالجة عبد القادر ثم تم نقله من الخليل وتهريبه مرة أخرى الى دمشق، حيث أكمل علاجه ثم عاد الى فلسطين مجدداً مستأنفاً الكفاح والنضال الى أن انتهت الثورة في نهاية العام 1939 وقيام الحرب العالمية الثانية، وترك حينها عبد القادر فلسطين وذهب الى ألمانيا وهناك تدرب على تصنيع المتفجرات لمدة ستة أشهر واستطاع ان يحصل على معلومات مهمة حول تصنيع المتفجرات وعاد خبيراً للمتفجرات.
من القدس الى الشام فبيروت ثم بغداد
نكمل في مسيرة نضال القائد عبد القادر الحسيني، يضيف غازي الحسيني: " لم يستقر عبد القادر في القدس، عاد الى الشام ثم الى بيروت، ومن بيروت الى بغداد، وفي بغداد أخذ عائلته معه، زوجته وابنه موسى وابنته هيفاء، كانوا صغاراً جداً، استطاع أن يحصل على وظيفة مدرّس رياضيات في إحدى ثانويات بغداد، وبعد فترة انضم الى كلية الضباط في العاصمة العراقية، وخضع لدورة عسكرية، وبدأ يجمع حوله المجاهدين الذين خرجوا من فلسطين، وكان الحاج أمين الحسيني معهم هناك، وحدثت ثورة رشيد علي الكيلاني وكان هو مؤيداً لهذه الثورة، وهجمت القوات البريطانية على بغداد، ولم يكن للجيش العراقي القدرة على مواجهة القوات البريطانية والتصدي لها، فكانوا بحاجة الى شخص يعرقل الهجوم البريطاني، فتطوع عبد القادر الحسيني مع زملائه لمنع هجوم القوات البريطانية، وفعلاً تمركز في منطقة اسمها صدر ابو غريب، ووضع جنوده مقابل الفرقة البريطانية، وبواسطة مواسير المياه والمجاري أوهمهم بأن هناك مدافع وبنادق وأن عدد الجنود كبير في المنطقة، وفي الليل كانوا يدخلون ويخرجون حاملين عصي عليها فوانيس مضيئة ويسحبوا خلفهم الشجر والتنك، الأمر الذي يحدث غباراً كثيفاً خلال الليل، وكان الإنكليز يعتقدون أن النجدات تأتيهم من الألمان، ورغم قلة العدد والعتاد ، كان عددهم 35 مناضل، كان عبد القادر يهاجم القوات البريطانية وجنودها من خلال ما يسمى بالإستطلاع الصاخب، لذلك كان البريطانيون يعتقدون أن هناك قوى كبيرة وهي على الأغلب من الألمان، وحشد البريطانيون عدداً كبيراً من الدبابات وقرروا التوجه الى منطقة صدر ابو غريب. بعد مرور 17 يوماً على المعارك، تم إبلاغ عبد القادر وجماعته أن الجيش العراقي يريد أن ينسحب كاملاً من أرض المعركة، وقبل أن ينسحب الجيش العراقي عمل عبد القادر استطلاعاً صاخباً كالعادة، وقام بتحضير تجهيزات وتحضيرات للهجوم على الفرق البريطانية، واستعد البريطانيون لتقبل الهجوم عليهم، وبقوا في حالة إنتظار حتى الساعة 12 ليلاً، لكن الهجوم لم ينفّذ، وحتى الفجر بقي الهدوء ما قبل العاصفة في حالة تامة من الهدوء المقلق، وبعدها ارسل البريطانيون فرق استطلاع الى المنطقة المتواجد فيها عبد القادر فوجدوا ان المنطقة خالية إلاّ من اشجار ومواسير مياه ومجاري، وكانت هذه خطة لإنسحاب الجيش العراقي وتأخير الهجوم على القوات البريطانية لمدة 17 يوماً.
من السجون العراقية الى السعودية
عندما دخلت القوات البريطانية الى بغداد اختفى عبد القادر الحسيني مع بعض المرافقين وطلب من جماعته ان يختفوا، قرر عبد القادر الذهاب إلى ايران، ولم يكن يملك من النقود ما يكفي رد رمق عائلته، وذهب مع جماعته الى ايران، ورحبوا به في ايران كونه من آل الحسيني الاشراف، لكنه عاد الى بغداد واضطر للإختفاء في المنزل، وعندما عرف العراقيون بعودة عبد القادر الى العراق، جاءت القوات العراقية وحاصرت المنزل وارادت اعتقال عبد القادر، لكنها لم تستطع، وبقيت زوجته تهتم به مع 35 من المجاهدين وتعالج الجرحى منهم، وكانت بسبب كثرة عددهم وكي لا يلاحظ احد أن هناك حركة ما في المنزل، كانت والدتي تحمل بقايا الطعام لـ 35 شخصاً وتصعد الى السطح وتنتقل من جهة الى آخرى كي ترميها دون أن يلتفت إليها أحد، اما النفايات اليومية لها ولإخوتي فكانت تخرجها بشكل طبيعي عند كل غروب أمام القوات العراقية. وبقي والدي مع رفاقه مدة طويلة داخل المنزل، إلى أن جاء يوماً وخرج عبد القادر الحسيني ليلاً مع أربعة من المجاهدين وذهبوا الى منزل وزير الداخلية العراقي وحاصروه وقال له: "أنا عبد القادر الحسيني ونحن نستسلم لكم، على شرط أن لا تسلمونا الى الإنكليز، وأريد وعداً بعدم التسليم الى الإنكليز".. وهكذا حدث، اتفاق مع وزير الداخلية على هذا الكلام، وفعلاً جاءت القوات العراقية واعتقلت عبد القادر ورفاقه ووضعوهم في سجن بغداد.
وأثناء وجوده في السجن قُتل فخري النشاشيبي في بغداد، وكان متعاوناً مع البريطانيين والصهاينة، فما كانت من الجهات العراقية إلاّ أن تقوم بتوجيه تهمة القتل والإغتيال الى عبد القادر الحسيني، واستنفرت والدتي على هذه التهمة، إذ كيف يمكن لسجين داخل السجون العراقية أن يغتال قائداً عراقياً بهذه السهولة، وارادت والدتي احضار وتخصيص محامي للدفاع عنه. يوم المحاكمة ذهبت والدتي الى المحكمة وكان حكم المحكمة عدم اثبات التهمة على والدي وخرج والدي من هذه القصة.
في هذا الوقت بدأت والدتي العمل على إخراجه من السجن واستطاعت ان تجنّد كل من له طريق الى داخل السجن، من مدير السجن الى الحارس الواقف على الباب، ولأن والدتي كانت تملك هي واهلها المال الكثير والأملاك، كانت تجلب من اموالها الخاصة من القدس وتعطي وتدفع معاشات للجنود والضباط. في ذلك الوقت أرسلت والدتي الى الحكام العرب برقية، الى الملك عبد العزيز بن آل سعود وشرحت له وضعه، كما أرسلت البرقية ذاتها الى الملك فاروق وعملت الى إخراجه من السجن وذهب بعدها الى السعودية.
العودة الى الكفاح المسلّح في مصر
لم نذهب أنا ووالدتي مع والدي الى السعودية بادئ الأمر، بل ذهبنا من بغداد الى القدس ثم الى مصر، ومن مصر إنتقلنا الى السعودية بالباخرة، وبقينا هناك مدة سنة ونصف كلاجئين سياسيين، ثم عدنا للعيش في مصر، وبدأ والدي بالإتصالات من أجل العودة الى فلسطين، في ذلك الوقت جاء الحاج أمين الحسيني للعيش في القاهرة، وإلتقى عبد القادر مع الحاج أمين وتم الإتفاق على استعادة العمل الثوري وتنشيطه، وكان ذلك عام 1946، كما استمر بتدريب الكوادر والمناضلين على صناعة المتفجرات والقنابل حتى العام 1947 ، ثم بدأ بتوزيع الأسلحة وإحضارها الى مناطق مختلفة في القاهرة، وأسس معسكراً كبيراً جمع فيه الكثير من عتاد الحرب العالمية، كما هرّب 6 خبراء ألمان من اجل تصنيع الأسلحة وادخالها الى فلسطين، أضافة الى إصلاح العديد من الأسلحة، وكان يساعده في هذا العمل عدد من الضباط الفلسطينيين والضباط الأحرار، وكان لهم دور مهم في تهريب الأسلحة ونقلها الى الداخل الفلسطيني.
بداية الثورة في فلسطين عام 47
يكمل غازي الحسيني حديثه عن نضال والده، إذ يقول: "لم يكن ارسال الاسلحة أمراً سهلاً، بل كان يتم تغطية الأسلحة بالبطيخ في ذلك الوقت. وكانت هذه بداية عملي النضالي من أجل فلسطين، حيث كنت اقوم مع رفاقي، ولم يكن يتجاوز عمرنا 8 سنوات، كنا نقوم بإغلاق الطرقات من أجل تهريب الأسلحة وحماية المنطقة مقابل بطيخة أذهب لأبيعها في أحد الأماكن".
بعد ذلك بدأ والدي بالتخطيط للعودة الى فلسطين، وأنشأ تنظيم الجهاد المقدّس بشكل رسمي، وعمل على تدريبهم وتسليحهم، تطورت الأمور بشكل كبير في ذلك الوقت، وبدأت المعارك مع الصهاينة، حينها رسم عبد القادر خطة مسبقة تقضي بمهاجمة معسكرات البريطانيين عند إنسحاب القوات البريطانية، لكن ما حصل أن حماس بعض الشيوخ في فلسطين دفعهم ليبدأوا بالثورة عام 47 وقاموا بتهييج الناس، يومها كان والدي في القاهرة، وعندما سمع ان الثورة في فلسطين قد بدأت غضب كثيراً، وعاد الى فلسطين يقود المعارك ضد الصهاينة وكان يخرج من كل معركة منتصراً، ثم ذهب الى دمشق من أجل الحصول على اسلحة جديدة، وأسس في ذلك الوقت هيئة اسمها "اللجنة العسكرية العليا" يقودها اسماعيل صفوت والهاشمي وكان واضحاً بوجود مؤامرة ولم يتم تحصينه بالسلاح ورفضوا اعطاءه السلاح.
10>