مبادرة إنسانية ... شاب يترجم خطب الجمعة لذوي الإعاقة السمعية في غزة
الوفاق / وكالات
تتعدد العبادات والأعمال الصالحة بغية الفوز بالحسنات ومضاعفة الأجر. قد يعتقد البعض أن العبادة تقتصر على الصلاة وقراءة القرآن فقط، لكن أبواب الخير بكل أشكاله، والإحساس بالآخر وتقديم المساعدات للمحتاجين أعمال لها أيضاً ثوابٌ كبير.
وبمبدأ ما الذي أستطيع فعله، يقصد الشاب حسن خلف ( 31 عاماً) مساجد مدينتي رفح وخان يونس، جنوب قطاع غزة، منذ العام 2012 وبشكلٍ دوري، ليلتقي عشرات الصم والبكم، ويُترجم لهم خطبة الجمعة عبر لغة الإشارة، ويتحلق هؤلاء الشبان حول حسن الذي لا يتوقف عن استخدام كلتا يديه وملامح وجهه في الترجمة، مّا يجعلهم أكثر انتباهاً له طوال مدّة الخطبة.
نموذج متقدم ومبادرة ناجحة
أصبح خلف ركيزة يُعتمد عليها، وحلقة وصل بين الأشخاص من فئة الصم والبكم والخطباء، وبمشاعره النبيلة وإحساسه بمعاناتهم وإعاقتهم من فهم الخطب والدروس الدينية، يعمل حسن كمترجم بشكل طوعي لا يتقاضى أجراً، بل ويحرص على المداومة والتواصل مع الأشخاص ذوي الإعاقة لمدّهم بمعلومات دينية مهمة وإجابة عن أسئلتهم، أو ترجمتها للأشخاص القادرين على الإفتاء والإجابة.
تخرج حسن من جامعة الأقصى في قطاع غزة، تخصص التربية الرياضية، وعمل في شتى المجالات كالإنقاذ البحري، والتحكيم في كرة اليد وكرة القدم في الساحات الشعبية، الأمر الذي زاد شعبيته بين أقرانه، ومنهم أشخاص من الصمّ.
يقول حسن:»كنت أجد صعوبة في التواصل معهم، إذ كنا نتواصل عبر الكتابة أحياناً، الأمر الذي دفعني إلى تعلم لغة الإشارة، ومن هنا خضت التجربة في تدريب صادفت إعلانه عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وطورت مهاراتي بعد ذلك بالحصول على تدريبات أكثر تخصصاً، حتى إني التحقت ببرنامج الدبلوم تخصص لغة الإشارة حالياً”.
فتح نافذة جديدة لذوي الإعاقة
وفي سياق متصل، عبّر حسن عن معاناة ذوي الإعاقة من الصم من المشكلات التي تعيق اندماجهم في المجتمع الغزي، وأنه واجه أسئلة منهم يصعب عليه أحياناً الإجابة عنها، مثل لماذا لا يقبل المجتمع اشتراكنا في بعض الفعاليات، لماذا لا يوجد متخصصون في الأماكن والفعاليات العامة ليضعونا في صورة ما يحدث.
ويتابع حسن: «لقد أزعجني نفسياً شعور الحرمان الذي يعانيه أصدقائي من ذوي الإعاقة، وهو ما دفعني إلى متابعة شغفهم وتوفير الكثير من الاحتياجات لهم، ومن ضمن الأعمال التي أقوم بها هي دمجهم اجتماعياً حيث نظمت لهم دوري كرة قدم، كما وأشركتهم في العديد من دوريات الساحة الشعبية ونالوا كأس الفوز مرة”.
ولفت إلى أن وزارة الأوقاف والشؤون الدينية في قطاع غزة تبنت عام 2022 وبشكلٍ تدريجي فكرة ترجمة خطبة الجمعة والدروس الدينية للأشخاص ذوي الإعاقة السمعية، إذ تواصلت معه ومع عدد من المترجمين للقيام بهذه الأعمال بمقابلِ رمزي، ما عدّه حسن بادرة ممتازة من وزارة الأوقاف لمساندة الأشخاص ذوي الإعاقة السمعية.
وأشاد حسن بتجربته، قائلاً: «كنت مترجماً لأول أصمّ يحصل على درجة الماجستير في فلسطين، وقد بات يحمل درجة الدكتوراه من جامعة بريطانية، وكان شعوري بهذا العمل يشبه ولادة حقيقية لبذور الأمل في المجتمع الفلسطيني الذي أرهقه الألم» ، وحضر حسن العديد من المناسبات الرسمية ومهرجانات بعض الفصائل الفلسطينية لترجمة كلمات القادة الفلسطينيين، ومشاركة الأشخاص ذوي الإعاقة بتعزيز صمودهم وتعزيز مشاركتهم ليكونوا جزءاً من المجتمع الفلسطيني يتمتعون برؤية ومناقشة ومشاركة كما الأصحاء.»
تجارب شخصية ناجحة
علاء النحال أحد الأشخاص الصم، والذي يعمل مديراً تنفيذياً لجمعية «رنين الصمت» المتخصصة في العمل مع الأشخاص ذوي الإعاقة،تحدث عن تجربته الشخصية قائلاً :»كنت أذهب إلى المسجد، ولا أفهم ما يقول الخطيب، فأصلي وأعود أدراجي إلى المنزل شاعراً بنقصٍ كبير عن الأصحاء الذين يعودون إلى منازلهم يتناقشون في مضمون خطبة الشيخ، إلى أن بادر حسن في ترجمة الخطب، فبدأت أشعر بأني على مستوى الأصحاء من الدراية حتى بما يدور بينهم من نقاشات”.وعبّر النحال عن تمنياته باستمرار المبادرين وتبني الجهات الرسمية لهذه المبادرة الرائعة، لمّا تضفي من إحساس بالدمج مع المجتمع حسب تعبيره.
أمّا خضر الرنتيسي، وهو من الأشخاص ذوي الإعاقة السمعية، فيقول في السياق نفسه: «كانت المرة الأولى التي أشعر فيها بأني إنسان، ففي الماضي كنت حزيناً جداً في حين لا أجد الخطبة مؤثرة بالنسبة لي لكوني لا أفهم الكلام، وحاولت مراراً متابعة حركة الشفاه لأفهم ولو جزءاً من الخطبة، علّي أستطيع نقله لأقراني، وباءت كل محاولاتي بالفشل، وفي اليوم الأول لحضور المترجم، شعرت بجسدي يقشعر وبدأت أغوص في فهم الدين من خلال الترجمة التي يسّرت لي الكثير من المعلومات”.
تشكر حنين زعرب الله كثيراً على النعم التي لا حصر لها والتي وهبها إياها، لكنها تلفت لكونها حزينة لعدم سماعها صوت صلاة القيام، وتضيف قائلة:» أن معرفتي الدينية قليلة لعدم وجود مترجمات في المساجد التي نقصدها للشعور بأننا مثل بقية المجتمع، ونستطيع أن نقوم بكل ما يقوم به الأصحاء، ولدي رغبة شديدة في سماع صوت القرآن الكريم وهو يُتلى ويفسر ويوضح”.