زيارة حماس للسعودية.. قراءة في التوقيت والانعكاسات؟
شرحبيل الغريب
كاتب ومحلل سياسي
زيارة وفد من حركة حماس للسعودية من حيث التوقيت تعد زيارة مهمة، خاصة أنها تأتي في مرحلة تشهد نشاطاً من المصالحات، وحلحلة لبعض الأزمات في المنطقة، والتي كانت السبب المباشر وراء القطيعة مع حماس ومجموعة من الدول في المنطقة، لتأتي هذه الزيارة استكمالاً لحالة التوافقات السعودية الأخيرة مع إيران، والحل المرتقب للأزمة في اليمن، والانفراجة المرتقبة في العلاقة مع سوريا، خاصة بعد زيارة وزير الخارجية السوري فيصل المقداد إلى جدة بدعوة رسمية من نظيره السعودي، والتي تعد أول زيارة لوزير الخارجية السوري إلى السعودية منذ المؤامرة والحرب على سوريا عام 2011.
حماس حركة فاعلة ومؤثرة في المشهد الفلسطيني، وذات ثقل سياسي وعسكري وهي تقود مشروع المقاومة في فلسطين، لها برنامجها الذي يجعلها قوة يصعب تجاهلها، ويفرض وقائع سياسية على الصعيدين الإقليمي والدولي، كما أن تعميق حالة التحالف بين حركة حماس مع محور المقاومة ولا سيما إيران وارتباط ذلك بالمتغيرات الدولية أكسبها زخماً كبيراً، وجعل من زيارتها للسعودية أمراً متاحاً لدى صانع القرار في السعودية، وإنهاء حال القطيعة وفكفكة الملفات العالقة والمترتبة خلال سنوات القطيعة.
ثمة أسباب أخرى شجعت السعودية على الموافقة على زيارة وفد حماس للسعودية في هذه المرحلة، أهمها تصاعد المقاومة في فلسطين، ولا سيما في الضفة والقدس المحتلة، وهو ما أربك الأطراف كافة وجعل من المقاومة وحركة حماس تحديداً المرتكز الأساسي في الفعل ورد الفعل، كما أن توحد جبهات محور المقاومة وساحاته بشكل عملي ولّد دافعية كبيرة على المستوى العربي والإسلامي في فتح قنوات مع حماس، خاصة بعد القصف الصاروخي من جنوب لبنان على شمال فلسطين المحتلة، رداً على مشهد القمع للمصلين والمعتكفين في المسجد الأقصى.
وعليه، تأتي زيارة وفد حماس انسجاماً مع هذه الحال، إذ تعد فرصة سانحة للسعودية لإعادة العلاقة مع حماس إلى سابق عهدها في ظل تزايد عنصرية حكومة اليمين الإسرائيلي المتطرف وجرائمها بزعامة نتنياهو، وما تقوم به من سلسلة انتهاكات تطال المقدسات الإسلامية والمسيحية في مدينة القدس.
السعودية تحاول في المرحلة الحالية، ولو بشكل نسبي، تقليص حالة العداء مع عديد من الأطراف، وفي المقابل، زيادة الأصدقاء والحلفاء، بعد وصولها إلى قناعة راسخة بأن الإدارة الأميركية الحالية ليست حليفاً، كما كانت تعتقد، يمكن الاعتماد عليه بعد تخلي الدور الأميركي عنها، وعدم وفاء الإدارة الأميركية بكثير من وعودها، خاصة على مستوى حماية أجوائها أثناء حرب اليمن، وفي الأزمة قبل سنوات مع قطر، وعدم ضمان دعم الإدارة في أي مواجهة كانت محتملة مع إيران، في ظل خريطة جديدة بدأت ترتسم معالمها في المنطقة، وأمام تراجع ملموس للدور الأميركي مقابل صعود واضح لقطب جديد في المنطقة بقيادة الصين وروسيا وايران.
السياسة الخارجية السعودية بسلوكها الشامل في المنطقة، تشير إلى أن المنطقة ذاهبة إلى تسويات وتبريد النزاعات والخلافات أكثر، وبذلك تكون كل المؤشرات التي رافقت الزيارة تعكس أن زيارة وفد حماس للسعودية ستعزز مسار إعادة ترميم العلاقة بالدرجة الأولى، وتجسد لمرحلة جديدة في العلاقات على الأقل كسر حال الجليد في العلاقة والقطيعة التي طال أمدها ثماني سنوات.
كما أن نجاح مثل هذه الزيارة سيفتح الباب لدور سعودي أكبر متعلق بالقضية الفلسطينية، وربما يطال ملف المصالحة الفلسطينية المجمد، والذي سبق أن رعته السعودية عام 2007 بما يُعرف بـ"اتفاق مكة"، وربما تهدف السعودية إلى تهيئة موقف فلسطيني موحد يضمن إنهاء الانقسام برعاية سعودية جديدة، يكون أحد أهم الملفات التي تتصدر القمة العربية الثانية والثلاثين السعودية في 19 أيار/مايو المقبل، لغرض توفير غطاء عربي موسع يضمن تحقيق المصالحة عملياً، ويعطي السعودية دوراً وزخماً وحضوراً جديداً في القضية الفلسطينية.