الناشط المقدسي إسماعيل مسلماني للوفاق:
المقدسيون يواجهون العدو بصلابة وصمود قلّ نظيرهما
الوفاق/ خاص
عبير شمص
تشكِّل القدس محورًا أساسيًّا للصراع مع العدو الإسرائيلي بفعل مكانتها الدينية والسياسية، وباتت المدينة في الآونة الأخيرة بيئة حاضنة لتجديد النضال الفلسطيني؛ حيث انطلقت منها شرارة معظم الهبَّات الشعبية في آخر عشر سنوات لمواجهة الإجراءات الصهيونية التعسفية المستمرة التي تستهدف الأماكن الدينية وخصوصًا المسجد الأقصى، وعمليات التهويد والأسرلة لأحياء المدينة، وتنفيذ المشاريع الاستيطانية والاستعمارية للسيطرة على الأرض وتقسيمها، ومحاولات اقتلاع الفلسطينيين عبر التضييق عليهم، وإتمام إجراءات فصل المدينة عن محيطها وعزلها بشكلٍ دائم، ما جعلت هذه الهبَّات والحراكات القدس في مركز المواجهة، وسميت بأسماء المناطق التي انطلقت فيها أو الغايات التي انطلقت من أجلها.
ضمن هذا السياق وللاطلاع على واقع مدينة القدس الاجتماعي والاقتصادي والنضالي في ذكرى يومها العالمي وكما يراه أبناؤها، التقت صحيفة الوفاق الناشط المقدسي والخبير في الشؤون الإسرائيلية إسماعيل مسلماني، وكان الحوار التالي :
كيف تصف لنا حياة المقدسيين الدينية والاجتماعية في ظل الاحتلال ؟
أريد في البداية تعريفكم بمدينة القدس والتي يطغى عليها الطابع الديني الإسلامي والمسيحي بامتياز، حجارتها تحكي عصوراً وحكايات تكالبت عليها أزمان لكنها رسخت وما تزال أمام جبروت الاحتلال، يبلغ عدد المقدسيين من مجمل سكان القدس تقريباً 400 ألف نسمة، يحملون هوية زرقاء إسرائيلية والتي تُعد مجرد إقامة، ولا يتمتعون بامتيازات فلسطيني الداخل (عرب 48) والذين يحملون جنسية العدو الصهيوني.
وقد قُسمت القدس قسمان، قسم احتل عام 48 ويطلق عليه القدس الغربية يسكنه اليهود، والقسم الآخر احتل عام 67 ويطلق عليه القدس الشرقية ويسكنه فلسطينيون ويهود، وفيه يقع المسجد الأقصى.
يحيط المدينة ثلاثة عشر حاجزاً أكبرها حاجزي قلنديا وشعفاط. تسبب هذه الحواجز بمضايقات يومية داخل البلدة القديمة من تفتيش للهويات وتأخير قد يستمر لساعات طوال، لكن المقدسيين وأهل الداخل الفلسطيني وعلى الرغم من هذه الحواجز والمعوقات يحرصن على مواصلة التواصل فيما بينهم والصلاة في المسجد الأقصى.
لقد سعى الكيان المحتل إلى أسرلة المدينة عبر عناوين وأساليب مختلفة منها سعيه لتملك أهل القدس جنسية المحتل، وفرض تدريس المنهج الإسرائيلي (البجروت) في مدارس المدينة ، كما قام بتغيير أسماء الشوارع العربية جاعلاً مكانها أسماءً عبرية لتهويد القدس، كما يحاول عبر جمعيات خاصة مثل جمعية (العاد) السيطرة على منازل البلدة القديمة وتغيير طابو الملكية، وحتى محاولات ترغيب المقدسيين ببيع منازلهم عبر عرض الأموال الطائلة عليهم.
على ذلك تتراوح أوضاع المقدسيين بين الطرد والصمود بين الثبات والنفي بين الهوية والضياع بين التاريخ والتزيف، لكنهم لم يستسلموا وخاضوا وما زالوا يخوضون نضالاً عنيفاً وباللحم الحي مع عدوٍ شرس يقف إلى جانبه العام بدوله ومؤسساته الدولية التي يناشدها الفلسطيني مراراً وتكراراً ولكن لا حياة لمن تنادي.
ماهي سياسات العدو الصهيوني المتبعة بحق سكان مدينة القدس وضواحيها؟ قانونياً واجتماعياً واقتصادياً؟
تقوم سياسة العدو الصهيوني تجاه المقدسيين على محاولات لتفريغ المدينة من سكانها الأصليين، وإحلال سكان غرباء طارئين مكانهم، وتهويد القدس وتغيير معالمها وتراثها، وتحريف تاريخها الأصيل. ويستخدم العدو في سياق تضييق الخناق على المقدسيين عدداً من الإجراءات العقابية في شرق القدس تنفيذاً لمخططه والتي تشمل: مصادرة الأراضي والممتلكات، ورفض إصدار تصاريح البناء، وهدم منازل الفلسطينيين بأسلوب تمييزي ممنهج، فرض قيود مشددة على التطور الطبيعي للأحياء الفلسطينية، مقابل تسهيل توسّع المستوطنات الإسرائيلية في شرق القدس، سحب حق إقامة الفلسطينيين المقدسيين، فرض قيود مشددة على لم شمل العائلات وتسجيل الأطفال الفلسطينيين المقدسيين.
بالتوازي مع الإجراءات العقابية للكيان المحتل، يتم عزل الفلسطينيين في شرق القدس المحتل وأجزاء أخرى من الضفة الغربية وقطاع غزة، عن بعضهم البعض. وتهدف إسرائيل من خلال فرض نظام الإغلاق الشامل على الفلسطينيين في الأرض الفلسطينية المحتلة إلى تعزيز سيطرتها على القدس وفرض محاولات فصلها تماماً عن بقية الأرض الفلسطينية المحتلة.وأهم هذه الإجراءات هي:
الطرد الناعم
لجأت إسرائيل منذ اليوم الأول لإحتلالها مدينة القدس عام 1967م، إلى وضع سياسة سكانية مجحفة بحق الفلسطينيين، اعتمدت على مواقف الحكومات الإسرائيلية المتلاحقة والتي وضعت أُسسها حكومة حزب العمل منذ عام 1967م، منطلقة من مبدأ تحجيم وتقليص عدد الفلسطينيين في القدس بما لا يزيد على 24%من النسبة العامة لسكان القدس بشطريها. وفي عام 1992م، شكلت وزارة الداخلية الإسرائيلية لجنة للتحقيق في ضم أراض تقع شرق المدينة، حيث أكدت هذه اللجنة على إبقاء النسب السكانية التي حددت في العام 1967م.
اتبعت سلطات الاحتلال مجموعة من الإجراءات التعسفية ضد السكان العرب بهدف تقليص تنامي أعدادهم ، فقامت بالتضييق على عمليات البناء والإسكان الفلسطينية، فقلصت المساحات المخصصة للإنشاءات السكنية للفلسطينيين في القدس، وتصنيف غالبية الأراضي الخاصة بهم كمسطحات خضراء، يمنع فيها البناء، لتكون احتياطاً استراتيجياً للاستيطان اليهودي، وافتتحت شوارع تهدف إلى منع البناء الفلسطيني، وصادرت أراض واسعة لاعتبارات واهية متنوعة. كذلك عملت السلطات الإسرائيلية وفق سياسة تجميد البناء العربي داخل الحدود البلدية. ولضمان ذلك ماطلت في إعداد مخططات هيكلية للمدينة، والتي بدونها لا يسمح قانونياً بالبناء. فعندما نرغب بشراء أرض أو بناء شقة تصطدم أحلامنا بالإجراءات التعسفية للاحتلال إن كان من جهة السعر المرتفع جداً ومن جهة أخرى عدم إعطاء الرخص للبناء، يسعى العدو عبر هذه السياسة إلى إخراجنا خارج أسوار القدس، وهذا ما يطلق عليه الطرد الناعم.
سياسة هدم وإغلاق المنازل
انتهجت سلطات الاحتلال سياسة هدم وإغلاق المنازل الفلسطينية في القدس، إضافةً للأساليب السابقة بحجة البناء بدون ترخيص، وفي أغلب الأحيان لأسباب سياسية، ما أدى إلى إبقاء 21.000 نسمة في ظروف معيشية صعبة في القدس، تعيش إما في كهوف أو أكواخ خشبية أو خيام، وإذا استطاع هؤلاء الأفراد بناء منازلهم مرة أخرى، فسيعرضهم ذلك إلى هدمها مرةً أخرى، لأنّ الأراضي التي بنيت عليها أراضٍ فلسطينية أخضعتها إسرائيل لمناطق تخطيط وبناء للأحياء الاستيطانية، وقد هدم الاحتلال العديد من المنازل وما زال يهدد بهدم المزيد وطرد العائلات وأهم وأخطر هذه المناطق هي منطقة سلوان جنوب مسجد الأقصى التي يُهدد خطر الهدم ستة أحياء منها، وكذلك منطقة الخان الأحمر.
تهويد الشخصية المقدسية
بعد تهجير غالبية عرب القدس، سعَت سلطات الاحتلال إلى تذويب ما يمكن من الأقلية العربية الباقية في المدينة، فلجأت إلى فصل هذه الأقلية عن سكان الضفة الغربية، وأصبح هؤلاء بالاسم جزءاً من سكان "دولة إسرائيل"، لكنهم ظلوا بمثابة أجانب محرومين من حقوق المواطنة، ومن الخدمات البلدية، وتعرضوا لجميع أنواع القهر والتمييز العنصري. وخلال عملية التهويد الشاملة، أصدرت السلطات الإسرائيلية في عام 1968 م قانوناً أسمته "قانون التنظيمات القانونية الإدارية" ، ومن القيود والشروط التي يفرضها هذا القانون على أبناء القدس بأنه كل عربي صاحب عمل أو مهنة وكان يمارس عمله أو مهنته، يجب عليه أن يحصل على رخصة إسرائيلية وبموجب القوانين الإسرائيلية وأن كل شركة عربية في القدس، مسجلة بموجب القوانين الأردنية، عليها أن تعيد تسجيل نفسها لدى المحاكم "الإسرائيلية"، وبموجب القوانين والأنظمة "الإسرائيلية". كذلك كل عربي يعمل طبيباً أو مهندساً أو محامياً أو مدقق حسابات، عليه أن يتقدم للسلطات "الإسرائيلية" بطلب موافقة تتيح له الاستمرار بمهنته، بموجب القوانين
نفسها.
ويلاحظ هنا، أن تكرار عبارة "بموجب القوانين الإسرائيلية" يعني إعادة تشكيل الهوية الخاصة بجميع أشكال الأنشطة والأداء العام لفلسطينيي القدس، لتكون النتيجة تهويداً للشخصية الفلسطينية المقدسية، حسب الأهداف الإسرائيلية.
تهويد القضاء
اتخذت السلطات الإسرائيلية بعد احتلال القدس عام 1967م، جملة من الإجراءات الرامية إلى إخضاع القضاء في القدس للقانون الإسرائيلي، ومنها إغلاق جميع المحاكم النظامية في القدس، وفصلت القضاء النظامي في المدينة عن شؤون الضفة الغربية، وألحقته كلياً بالقضاء الإسرائيلي.
سحب الهويات المقدسية
أظهر الإحصاء السكاني الذي أجرته سلطات الاحتلال لسكان القدس المحتلة عام 1967 م، أن هناك 66 ألف مواطن فلسطيني مقدسي ظلوا داخل حدود المدينة. آنذاك لم تقم السلطات بمنح هذا العدد الحق للمواطنة بموجب القانون الصهيوني، بل منحتهم "حق الإقامة"، والفرق واضح بين الحالتين، إذ أن الأول يعني حقاً أبدياً لا يملك أحد إلغاءه (إلا ضمن ظروف معينة تتعلق بأمن الدولة، ومن السلطات الشرعية وليس سلطات الاحتلال)، أما الثاني فيعني أن وزير الداخلية الإسرائيلي يملك الصلاحيات في كل وقت لإعطاء تعليماتٍ يمكن بموجبها حرمان الشخص من الإقامة في المدينة، ويطبق موظفو الداخلية هذه التعليمات بصورةٍ آلية دون الرجوع إلى أي مرجع آخر.
كيف واجه ويواجه الشعب المقدسي هذه السياسات والانتهاكات بحقه ؟
يواجه المقدسيون سياسة التهجير هذه بكل قوة وصلابة وصمود يكاد يكون الأقوى في السنوات الماضية، وذلك عبر الانتقال من النضال الفردي المتمثل بمواجهة الاستيطان والتهجير والإبعاد إلى مرحلة النضال الجماعي تحت راية واحدة تمثل كافة أطياف المواطنين المقدسيين، وبكافة مكوناتهم السياسية والاجتماعية، ومنع أي محاولة لاختراق صفوفهم. إنّ الصراع مفتوح مع الاحتلال وبالتالي لا خيار سوى الصمود والتحدي والمقاومة والتفاف الجماهير الحية حول القضية، يشكل هذا الدعم حافزاً لمواصلة البقاء مثل معركة سيف القدس ووحدة الساحات التي وحدت المدن ورفعت من معنويات الشعب الفلسطيني وخصوصاً المقدسي بأنّ المسجد الأقصى خطٌ أحمر.
ما أهمية إعلان يوم قدس عالمي من قبل الإمام الخميني(قدس)؟ وكيف يحيي المقدسيين يوم القدس كل سنة؟
يوم القدس العالمي يعطي جرعة أمل للمقدسيين والمدينة بأنه ما يزال هناك أحرار من العالم يقفون بصفهم، يعي الفلسطينيون والمقدسيون بشكلٍ خاص أهمية يوم القدس العالمي وخاصةً هذا العام مع توحد الساحات محور المقاومة الذي يمتد من إيران إلى اليمن والعراق وسوريا ولبنان والبحرين وغزة ومخيم ونابلس وأخيراً ساحة المسجد الأقصى الذين هتفوا فيها بالأمس بعد الانتهاء من الصلاة هتافات مؤيدة للمقاومة وللجمهورية الإسلامية الإيرانية التي جعل قائد ثورتها الإمام الخميني (قدس) للقدس يوماً مميزاً في العالم ، وبفضله الآن المشهد الفلسطيني حاضر بقوة في العالم.
للأسف تغيب الاحتفالات بهذا اليوم عن مدينة القدس لأسبابٍ أمنية، ولكن تشهد مناطق الضفة وقطاع غزة احتفالات ومهرجانات وعروض عسكرية لسرايا القدس جنين وكل كتائب المقاومة إحتفاءً بمناسبة وحدة الساحات الداخلية والخارجية .
ختاماً نقول إنّ يوم القدس يهدف إلى استمرار فرض القدس في الجغرافيا العالمية، وهذه المدينة هي امتحان حقيقي لمن يدعون الانتماء، وهي قياس لكل من يعيش مع القدس همومها وقضاياها مقابل من يتنازل وينسحب، لذلك هي معيار انتماء الذين يخوضون الآن من استحقاق المواجهة في مدينة القدس والتصدي لهذا المشروع ولجائحة التطبيع والأسرلة.
يوم القدس هو مقابل أيام التطبيع والخذلان والتفريط والتنازل والتغييب بحق القدس، واستمرار إحيائه هو لإبقاء حالة المواجهة بين المشروع الاستعماري والمشروع التحرري المقاوم.
من الطبيعي جداً أن تكون القدس كاشفة العورات، لأنّ كل المتشبثين بها كشعار لتسويق أوهامهم، دون أي تحرك على الأرض في سنوات التفريط الممتدة من "أوسلو" تكشفهم وتكشف زيف شعاراتهم. وأخيراً في هذه الأيام ترسم القدس لوحة مواجهة، تعكس طبيعة اللغة التي يفهمها الاحتلال، فمن أراد أن يدافع عن القدس، يجب أن يكون في الميدان.