الاستاذ الجامعي طلال عتريسي للوفاق:
معالجة القضايا الصعبة الاقتصادية والاجتماعية تمنع الحرب الناعمة
سهامه مجلسي
الحرب الناعمة هي مصطلح جديد في الاستعمال العالمي، يستخدم للتعبير عنها بأشكال مختلفة: كحرب المعنويات، وغسل العقول، والغزو الثقافي، والحرب السياسية.
وتعرف من قبل المختصين بأنها القدرة على الحصول على ما تريد عن طريق الجاذبية بدلًا عن الإرغام، وهي القدرة على التأثير في سلوك الآخرين للحصول على النتائج والأهداف المتوخاة، بدون الاضطرار إلى الاستعمال المفرط للعوامل والوسائل العسكرية والصلبة.
هذه الحرب كائنة فعلاً، والعالم ليس مسير سوى بهذه الحروب الفكرية، والتي يعتقد البعض أن هذا مبالغات، ولكن الحقيقة أن هذا ليس مبالغة؛ بل واقع نعيشه في كل شيء في حياتنا، وكونك لا تعلمه هو بالحقيقة ذكاء من الآخرين أن تظل لا تعلم شيء عن الحرب الفكرية والتأثير النفسي، وتظل مغيب وغير واعي لأي شيء سوى حياتك التي لا تتجاوز بضعة سنوات وحفنة أماكن والقليل من الأشخاص.
وفي هذا الصدد اجرت صحيفة الوفاق حوارا مع الاستاذ الجامعي طلال عتريسي وفيما يلي نص الحوار:
ما هو مفهوم الحرب الناعمة وما المقصود بالناعمة؟
مفهوم الحرب الناعمة يعني استخدام وسائل غير مباشرة ليست وسائل عسكرية ليست وسائل فقط او اكراه بل وسائل غير مباشرة من خلال الصور والأفلام والمصطلحات والأفكار والأعلانات التي تعرض بشكل متواتر بحيث يعتاد الانسان عليها وتصبح جزءاً من تفكيره، والهدف من الحرب الناعمة ان تجعل الطرف الذي يتلقى هذه الحرب أو يتعرض لهذه الحرب ان يُفكر كما يريد من يدير هذه الحرب وهو يعتقد انه يفكر كما يريد هو، هذه هي الحرب الناعمة، ان الانسان يعتقد انه يفكر كما يريد لكن فعلياً يفكر كما يريد من يدير هذه الحرب،كأن يعتقد الانسان مثلاً من خلال الأعلان ومواقع التواصل والمنصات الخبرية والبرامج ان المجتمع الذي يعيش فيه هو مجتمع سيء وان الحياة التي يعيشها ليست مثل الحياة الغربية، وهذا يهدف الى خلق شعور بعدم الرضا والتململ والأعتراض، في حين ان الواقع قد لا يكون كذلك ويكون الهدف من الحرب الناعمة هو خلق مثل هذه الحالة من الفوضى أو الثورة أو الملل أو الانقلاب أو التصدع الاجتماعي.
لماذا یسيطر هذا المفهوم على واجهة الحروب؟
الحرب الناعمة ليست جديدة كان يطلق عليها الحرب النفسية والحرب الأعلامية وقصف العقول وغير ذلك من مصطلحات لتحقيق الهدف نفسه، التأثير على العقول والأفكار لتتحول الى سلوك يؤيد الجهة التي تدير هذه الحرب أو يعترض على الجهة التي تعارض من يدير هذه الحرب، مثلاً اذا كانت ايران تعارض الولايات المتحدة فان هدف الحرب الناعمة هو ان تجعل المجتمع الايراني يعترض على سياسات الحكومة الايرانية ويؤيد السياسات الغربية أو الامريكية، والحرب الناعمة استخدمت ضد الاتحاد السوفيتي طوال 50 عاماً، وكانت تركز على هذه الفكرة، فكرة ان الحياة لا تطاق وان الشعب يختنق وان الحياة في الغرب هي النموذج حيث الحرية والعلاقات وكل شيء متوفر، حقيقة كان هناك تضليل كبير في هذه النقطة، الى ان انهار الاتحاد السوفيتي فتوقفت هذه الحرب لانها حققت النتائج المطلوبة.
اليوم تستخدم هذه الحرب مجدداً لمواجهات روسيا، لمواجهة ايران، لمواجهة الصين ومواجهة حركات التحرر وحركات المقاومة هذا هو هدف الحرب الناعمة، وهي غير مكلفة بقياسات الحرب العسكرية التي يسقط فيها جنود ولكن الحرب الناعمة هي طويلة الامد لكن ممكن ان تحقق اهدافها دون ان يسقط اي جندي لمن يدير هذه
الحرب.
لماذا اصبحت الحرب الناعمة من اصعب الحروب؟
تعتبر الحرب الناعمة من الحروب الصعبة خصوصاً لمن يريد مواجهة هذه الحرب لأنها حرب غير منظورة، الحرب العسكرية عكس الحرب الناعمة هي حرب مرئية هي حرب يرى فيها الناس الطائرات وترى الجنود وترى الدبابات وتحتمي في الملاجئ وتخاف وتهرب من مواقع القتال والجبهات في الحرب العسكرية الأمور ترى بالعين المجردة، لكن في الحرب الناعمة الأهداف لا ترى والافكار لا ترى وهي ليست من نوع واحد يعني الاعلان يستخدم شيء، والبرنامج التلفزيوني شيء، والمنصات ومواقع التواصل شيء آخر والافلام السينمائية، وهكذا. يعني هناك مجموعة متنوعة من الرسائل تذهب في اتجاه المجتمع والأجيال الشابة بشكل خاص وكل وسيلة تركز على جانب معين جانب ثقافي وجانب اجتماعي، جانب اخلاقي، جانب سياسي، جانب اقتصادي، جانب تدمير النظام، جانب عدم الرضا، ليتشكل بعد ذلك واقع جديد من دون ان يشعر الطرف المتلقي بأنه تعرض للتغيير لأن هذا الأمر يحصل بمرور الوقت وليس مثل الحرب العسكرية التي تحصل على نتائجها خلال اسابيع أو أشهر. الحرب الناعمة قد تمتد سنوات، ولهذا السبب من يواجه الحرب الناعمة نعم يجد صعوبة لانه يحتاج الى وسائل توازي الوسائل التي يواجهها ويحتاج الى امكانات مادية يحتاج الى برامج فنية والى افكار معاصرة وجذابة والى موضوع ثقافي والى برامج ارشادية واسعة ولهذا السبب هي ليست حرباً يسيرة.
لماذا الحرب الناعمة تعتمد في تقنياتها على جيل الشباب؟
تعتمد الحرب الناعمة على جيل الشباب أو تستهدف جيل الشباب، لماذا لأن الشباب في كل مجتمع وعبر التاريخ هم القوة الأستراتيجية للمجتمع فالتغيير يحصل عند الشباب، التعليم الذي يتقدم بواسطته المجتمع يكون أساسه الشباب، القوة القتالية هي الشباب، الأنجازات العلمية والاختراعات يحققها الشباب، وبالتالي الحرب الناعمة تستهدف الشباب لأنهم يشكلون كل هذه العناصر من القوة للمجتمع، وعندما يتم اختراق عقول الشباب يعني ان هذه القوة ستكون في خدمة من يدير الحرب الناعمة، ما يجري اليوم في بلدان كثيرة في العالم الاسلامي، ان الحرب الناعمة تتوجه الى الشباب لكي يتشكل في عقول هؤلاء الشباب في العالم الاسلامي صورة ايجابية واعجاب بالولايات المتحدة الامريكية. هذا ما تسميه الولايات المتحدة القوة الناعمة، والقوة الناعمة هي في خدمة الحرب الناعمة، القوة الناعمة تعني ان الولايات المتحدة قوة جميلة ولطيفة وجذابة. الشباب يجب ان يتاثر بهذه القوة الناعمة هذه هي اهداف الحرب الناعمة. تستهدف الشباب لكي ينفصل الشباب عن مجتمعهم وعن بيئتهم وعن ثقافتهم وعن النظام الذي يقدم لهم الخدمات ليّشكل في عقولهم صورة اعجاب في الغرب وليطمحوا بالتماثل مع هذا الغرب والى تقليد هذا الغرب وهذا ما نشاهده ويحصل في كثير من عواصم البلدان الاسلامية، في حين ان الواقع هو خلاف ذلك في الغرب، يعني الحياة في الغرب ليست حياة مثالية الشباب في الغرب لا يعيشون حياة مثالية والواقع الاقتصادي والاخلاقي والاجتماعي والنفسي ليس بخير في الغرب لكن الحرب الناعمة تريد ان تضعف القوة الأساسية هي المجتمعات الاسلامية وحتى في مجتمعات باقي العالم غير الغرب، من خلال الحرب الناعمة، الحرب الناعمة هنا تستهدف اضعاف ثقة الشباب بمجتمعاتهم ورفع مستوى الثفة في المجتمعات الغربية هكذا تحقق الحرب الناعمة اهدافها أو هذا ما تريد ان تحققه وليس بالضرورة دائماً تحقق ذلك
الاهداف.
عادة كانت الحرب العسكرية هي سيدة الحروب واصعبها، كما الحرب الاقتصادية، هل يمكن القول ان الحرب الناعمة هزمت الحرب العسكرية والاقتصادية؟
ربما لم يكن البعض يتوقع ان تستخدم الحرب الناعمة بهذا المقدار من الابتسامة ولكن وسائل الاتصال اليوم المتطورة والموجودة بين ايدي جميع الناس، سمحت للحرب الناعمة بأن تكون اكثر فاعلية وأكثر تهديداً، عندما كانت هذه الحرب الناعمة تشن ضد الاتحاد السوفيتي لم تكن هذه الوسائل المتطورة موجودة أو متوفرة كان الأمر يعتمد على الأذاعة وعلى الافلام السينمائية بشكل أساسي، لكن اليوم الأمكانيات تطورت وبالتالي اصبحت الحرب الناعمة اقوى هذه نقطة، اما النقطة الثانية ان الولايات المتحدة تحديداً وهي الدولة الاولى التي تدير الحروب الناعمة والى جانبها في بعض الأحيان الثورات الناعمة، الثورات الملونة، الولايات المتحدة التي تدير الحرب الناعمة منذ 30 سنة خاضت حروباً عسكرية ودفعت ثمناً باهضاً في فيتنام والعراق وافغانستان واماكن كثيرة في العالم، ودفعت الاموال الطائلة آلالاف المليارات من الدولارات، وهي لا تستطيع ان تشن في كل يوم حرب وتدفع التكاليف، وهي لا تحتاج دائماً الى مثل الحرب العسكرية، هذا السبب اصبحت الحرب الناعمة هي الأداة المفضلة في عالمنا
المعاصر.
الى جانبها يكون هناك في كثير من الاحيان ضغوط اقتصادية وحصار اقتصادي وهذا يخدم الحرب الناعمة لكي يشعر الشباب بأن النظام الذي يعيشون في ظله هو المسؤول عن الازمة الاقتصادية وعن البطالة وعن الفقر، وليس الحصار الاقتصادي وهذا يساعد في تشكيل حالة ضد النظام وضد المجتمع الذي يعيشه الشباب، لهذا السبب الحرب الناعمة نعم اليوم تستخدم بشكل واسع وتأثيراتها كبيرة، وفائدة بالنسبة الى من يدير هذه الحرب اكثر بكثير من الحرب العسكرية خصوصاً وان الحرب العسكرية قد تستهدف مواقع معينة أو جغرافية معينة في حين ان الحرب الناعمة مفتوحة على اكثر من مجتمع وعلى اكثر من جغرافيا.
ماذا بعد الحرب الناعمة؟
ربما ليس هناك رؤية واضحة لما بعد الحرب الناعمة هل هناك حروب جديدة باشكال جديدة قد يرتبط هذا الأمر بتطور التقنيات الحديثة التي يمكن ان تستخدم في الحروب الجديدة خاصة اذا كانت الحروب العسكرية مستبعدة، هذا يعني ان الحروب ستكون حروب ثقافية واقتصادية ونفسية ومعنوية تحت سقف الحرب الناعمة، السؤال الذي يطرح دائماً هو ان مواجهة الحرب الناعمة تحتاج الى معرفة الأدوات التي تستخدم فيها بالحرب هذا يعني تفكيك الحرب الناعمة واضعاف تأثيرها، هذا قد يكون ما بعد الحرب الناعمة.
ثانياً هذا يحتاج الى ان تشكل المجتمعات والحكومات نماذج ايجابية لشعوبها وتحل المشكلات وتعالج القضايا الصعبة الاقتصادية والاجتماعية بحيث تمنع الحرب الناعمة من الاستفادة من هذه الثغرات في المجتمع هذا يحتاج الى ادوات لمواجهة الحرب الناعمة، لكن هذه الحرب ستبقى موجودة طالما ان هناك دولا وحكاما وانظمة لا تقبل بالهيمنة الغربية الحرب الناعمة لا تتوجه الى البلدان الحليفة للغرب أو الحليفة للولايات المتحدة هي تتوجه الى البلدان التي تعارض سياسات الهيمنة الغربية، كما في ايران والصين وروسيا ودول اخرى في المنطقة، يعني الذي يلاحظ اليوم كيف تحولت روسيا الى هدف الحرب الناعمة بعد الحرب في اوكرانيا وكيف اصبحت الصين هدفا للحرب الناعمة بعد ما اعتبر الامريكيون ان الصين هي خطر استراتيجي على النفوذ الامريكي لهذا السبب ليس هناك وضوح تام حول ماذا بعد الحرب الناعمة ربما اذا حصلت مواجهة عسكرية تنتهي الحرب الناعمة لكن طالما ليس هناك حرب عسكرية تبقى الحرب الناعمة تستخدم كل الأدوات والوسائل وفي المقابل يفترض على الطرف المستهدف ان يستخدم بدوره كل الادوات والوسائل ليشكل قوة ناعمة بالنسبة الى شعبه وبالنسبة الى الشباب في مجتمعهم لحماية هذا المجتمع من تأثيرات واهداف الحرب
الناعمة.